كان العلماء يريدون أن يفهموا كيف تعيش أشجار الباوباب لآلاف السنين. ثم بدأت تلك الأشجار القديمة بالموت

شروق الشمس فوق أشجار الباوباب.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتبر أشجار الباوباب جزءًا رمزيَا من المناظر الطبيعية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويمتلك شجر الباوباب فروعًا ضخمة يمكن أن تصل إلى حوالي 30 مترًا في الهواء، مع جذوع منتفخة ترسل فروعًا تمتد 20 مترًا في المتوسط. ويعتبر شجر الباوباب جزءًا حيويًا من بيئة المنطقة ورمزًا شهيرًا لثقافتها. ومثل معظم الأجزاء المشهورة في عالم الطبيعة، يجد الباوباب نفسه مهددًا في العصر الحديث.

وأفاد مسح جديد للأنواع نشرته مجلة نباتات الطبيعة في حزيران 2018 أن أقدم أشجار الباوباب الإفريقية (التي تعود إلى ما  بين 1100 و 2500 سنة) تموت فجأة. والأرقام بهذا الخصوص مرعبة: فقد ماتت 8 أشجار من أقدم 13 شجرة، و5 أشجار من أضخم 6 أشجار، أو تعرضت للتدهور خلال الـ 12 سنة الماضية.

ما يزال الجاني مجهولًا، وطليقًا

يقول المؤلف الرئيسي أدريان باتروت، وهو كيميائي من جامعة بابيس بولياي في رومانيا: “تعتبر الباوباب أشجارًا مميزة، مع هندسة فريدة من نوعها، وخصائص تجدُّد رائعة، وقيمة ثقافية وتاريخية عالية. وهي أقدم وأضخم كاسيات البذور. وسيكون لتأثير خسارتها نتائج عميقة على العديد من المستويات”.

لطالما مرت أشجار الباوباب بظروف صعبة عبر تاريخها، نظرًا لأن جذوعها لا تنتج سوى حلقات نمو ضعيفة. وتوحي الاكتشافات العلمية الحديثة في التأريخ بالكربون المشع أنها يمكن أن تعيش حوالي 3000 سنة. وتشير التقديرات إلى أن عمر شجرة بانكي باوباب في زيمبابوي يقدر بنحو 2500 عام – وهو أطول عمر مسجل للأشجار – قبل أن تموت ما بين عامي 2010 و 2011. ومع أنه لا شيء يعيش إلى الأبد، فإن أحدث موجة من التدهور والموت بين أقدم الأشجار من هذا النوع لم يسبق لها مثيل.

قام فريق البحث بين عامي 2005 و 2017 بتحديد وتأريخ أكثر من 60 من أقدم وأضخم أشجار الباوباب المعروفة في جميع أنحاء إفريقيا الجنوبية، في محاولة لفهم كيفية وسبب نموها بحجم كبير. وقام الفريق بفحص وتقدير مقاسها وطولها وحجمها وعمرها وصحتها النسبية. وقد لاحظوا أن الأشجار الأضخم تموت بسرعة مفاجئة خلال عملية المسح، دون وجود أي علامة للمرض.

أكبر المشتبه بهم، بطبيعة الحال، هو تغير المناخ. يقول باتروت: “تشير أدلة المناخ القديم إلى أن أشجار الباوباب تتكيف مع الظروف الأكثر رطوبة وجفافًا وبرودة، ولكن ربما لا تتكيف مع الظروف الأكثر حرارة”. وتحتاج الأشجار الصخمة إلى مزيد من المياه، وعندما لا تتوفر المياه، يصبح الخشب أضعف، خاصة في الأنواع الأقدم والأضخم. يقول باتروت: “نشتبه في أن مزيجًا غير مسبوق من زيادة درجة الحرارة وضغط الجفاف الشديد كان مسؤولًا عن هذا الموت”. وفي حالات أخرى، ربما كان تغير المناخ قد تسبب في أحداث مناخية شديدة. على سبيل المثال، نمت في شجرة شابمان باوباب في بوتسوانا – والتي ماتت عام 2016- أوراق جديدة وأنتجت أزهارًا قبل بدء موسم الأمطار. يقول باتروت: “بعد أن استنزفت مواردها المائية، لم تعد قادرة على البقاء منتصبة، وانهارت. في ذلك العام، تأخر موسم الأمطار عدة أشهر، ونفق العديد من الحيوانات. ويدعي الشهود أن الطيور كانت تسقط من السماء”.

والنتائج الجديدة المثيرة للقلق ليست مفاجئة. يقول باتروت: “تعد إفريقيا الجنوبية واحدة من أسرع المناطق احترارًاعلى كوكب الأرض. ومنذ نشر مقالتنا، تلقينا ردودًا من أجزاء أخرى من العالم حيث تموت الأشجار الضخمة”.

ومع ذلك، فإنه يسارع إلى ملاحظة أن أدلة الإدانة الصريحة للتغير المناخي ما تزال غير كافية. ويقول: “بما أن هناك عددًا قليلًا نسبيًا من أشجار الباوباب الألفية في أنحاء إفريقيا الجنوبية، فإنه من المستحيل إجراء تحليل إحصائي. كما لا توجد أي سجلات مناخية في بعض المناطق التي سجلت فيها حالات موت الأشجار”.

من السهل فهم القيمة البيئية لشجرة الباوباب. تقول أيدا كوني سانشيز عالمة بيئة الغابات الاستوائية في جامعة يورك في المملكة المتحدة، والتي كانت قد درست سابقًا تأثيرات تغير المناخ على أشجار الباوباب: “تحافظ هذه الأشجار على رطوبة التربة وتعيق تآكلها، وهو أمر مهم للغاية في السافانا الجافة. كما أنها تعمل كمصدر مهم للغذاء والماء والمأوى لمجموعة واسعة من الحيوانات، بما في ذلك الطيور والقردة، وحتى الأفيال التي تأكل لحاءها”.

لكن أشجار الباوباب مفيدة أيضًا للبشر. تقول كوني سانشيز: “لهذه الأشجار أكثر من 300 استخدام”. فالبذور والأوراق والثمار كلها صالحة للأكل، ويمكن استخدامها أيضًا للأدوية والأصباغ ومواد الحبال. وقام البشر أحيانًا بتحويل الأشجار إلى منازل ومتاجر مؤقتة. وكان لشجرة سانلاند باوباب، الواقعة في مقاطعة ليمبوبو بجنوب أفريقيا، محيط جذع ضخم يصل إلى 45 مترًا، مع مركز مجوف على شكل كهف كان موطنًا لمحل كوكتيل كامل قبل انهيار عدة جذوع رئيسية منها عامي 2016 و 2017.

ويعتقد غيزلان فييدان، عالم البيئة في المركز الفرنسي للأبحاث الزراعية للتنمية، والذي كان قد درس سابقًا فقدان الغابات الاستوائية وموت أشجار الباوباب في مدغشقر، أن النتائج الجديدة تظهر “بشكل ملموس أن شيئًا غير طبيعي يحدث في ما يتعلق بموت أشجار الباوباب. وباستخدام أنواع ذات قيمة رمزية، فإنها تنبه مرة أخرى إلى الآثار السلبية المحتملة لتغير المناخ على أنواع الأشجار والغابات بشكل عام. وتعدّ أنواع أخرى من الاضطرابات، مثل هجمات الحشرات، والحرائق، والعواصف، أقل احتمالية في هذه الحالة “.

ويضيف: “ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن أشجار الباوباب الإفريقي مهددة بالانقراض. فقد لا تكون الأشجار الناضجة الأصغر سناً والأكثر حيوية من نفس النوع معرضة للتأثر بتغير المناخ كالأشجار المعمّرة”.

وهناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لمعرفة مدى خطورة الوضع وما ينبغي على حماة البيئة فعله، ولكن إذا كان التغير المناخي هو السبب الحقيقي، فإن الوقت يمر بسرعة. تقول كوني سانشيز: “إن أشجار الباوباب هي عجائب طبيعية، مثل أشجار السيكويا العملاقة أو الأخدود العظيم. ومن المحزن أن نفكر بأن الأجيال القادمة لن تكون قادرة على الإعجاب بها”.