يحتوي نحو 40 مليون منزل في الولايات المتحدة على جهاز كيوريغ، وارتفعت شعبية أنظمة تحضير القهوة ذات الحصة الواحدة هذه، التي تتيح للمستهلكين تحضير كوب واحد فقط من القهوة في كل مرة من خلال إدخال كبسولة في فتحة والضغط على زر، منذ أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة.
من الواضح أن ذلك يؤدي إلى توليد كمية كبيرة من النفايات؛ إذ يتسبب كل كوب من القهوة المخمرة بمعضلة، فكيف سنصرّف الكبسولات التي نستخدمها لتحضير هذه القهوة؟ وهل يمكن إعادة تدويرها؟ الإجابة، في حالة منتجات شركة كيوريغ، هي ليس تماماً. كبسولات القهوة التي يمكن استخدامها مرة واحدة التي تصنعها هذه الشركة، المعروفة أيضاً باسم "كيه-كَبس" (K-cups، أو "أكواب كيه")، مصنوعة من بلاستيك البولي بروبيلين، وهي مادة يحذر الخبراء من أنها ليست قابلة لإعادة التدوير كما يروج بعض الجهات للمستهلكين. قالت شركتان من أكبر شركات إعادة التدوير في الولايات المتحدة إنهما لا تقبلان استخدام هذه الكبسولات، وقدّر خبراء إحدى المجموعات البيئية أننا إذا وضعنا كبسولات كيه-كَب جميعها الموجودة في مكبات النفايات حول العالم في صف واحد، فإنها ستلف العالم 10 مرات أو أكثر.
اقرأ أيضاً: ما هي الطريقة المثلى لتحضير القهوة وفقاً للعلم؟
كبسولات قهوة مصنوعة من الألومنيوم
تزعم شركة جديدة لتصنيع كبسولات القهوة أنها توصلت إلى حل لمشكلة النفايات البلاستيكية المتعلقة بمنتجات شركة كيوريغ. طورت شركة كامبيو روسترز (Cambio Roasters) التي تأسست في سبتمبر/أيلول 2024 كبسولات قهوة متوافقة مع أجهزة كيوريغ ومصنوعة من الألومنيوم، وهي مادة يمكن إعادة تدويرها عدداً هائلاً من المرات على عكس البلاستيك. يقود هذه الشركة فريق من موظفي كيوريغ السابقين، ومنهم المؤسس والرئيس التنفيذي، كيفن هارتلي، الذي شغل سابقاً منصب الرئيس التنفيذي للابتكار في الشركة عندما كان اسمها "كيوريغ غرين ماونتن" (Keurig Green Mountain). قال هارتلي خلال مكالمة صحفية في يوم إطلاق شركة كامبيو روسترز: "نعتقد أن منتجنا هو الابتكار الأكثر إثارة في مجال القهوة منذ ابتكار كبسولات كيه-كَب".
مع ذلك، الخبراء ليسوا واثقين من أن شركة كامبيو تدرك حجم المشكلة التي تمثلها أكواب كيه في أنظمة إعادة التدوير المعتمدة على الحاويات الطرقية.
يقول أستاذ الأعمال والبيئة الزائر في كلية نيكولاس للبيئة في جامعة ديوك، جيريمي بير: "في الحقيقة، البلاستيك ليس خياراً جيداً"، ولكن حتى استخدام الألومنيوم، مع كل فوائده، "سيثير المشكلات".
الألومنيوم يترافق مع المشكلات أيضاً
جزء مما يجعل تطوير منتج تعبئة قابل لإعادة التدوير هو ـحقيقة أن قطاع إعادة التدوير في الولايات المتحدة مجزأ للغاية، وينطبق ذلك على السلع الاستهلاكية جميعها تقريباً. يقول بير، وهو أيضاً عضو في مجموعة العمل المعنية بالتلوث البلاستيكي في معهد نيكولاس للطاقة والبيئة والاستدامة في جامعة ديوك: "هناك أكثر من 10 آلاف نظام لإعادة التدوير في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، لا يتمتع سوى ربع السكان بالقدرة على الوصول إلى إعادة التدوير في البلاد". (يعيش بير في أطراف مدينة أوغوستا في ولاية مين، حيث لا يوجد برنامج رسمي لإعادة التدوير). في الولايات المتحدة، لا يمكن تحديد المواد القابلة لإعادة التدوير بدقة إلا على المستوى المحلي.
إحدى المشكلات الأخرى هي التركيبة الكيميائية لبلاستيك أغلبية كبسولات كيه-كَب. عانت علامة كيوريغ التجارية مشكلات الاستدامة دائماً مع توسعها. (كانت كيوريغ شركة ناشئة صغيرة ثم استحوذت عليها شركة غرين ماونتن كوفي روسترز عام 2006، واندمجت كيوريغ غرين ماونتن مع دكتور بيبر سنابل (Dr Pepper Snapple) لتصبح كيوريغ دكتور بيبر (Keurig Dr Pepper) عام 2018). بدأت كيوريغ ببيع كبسولات كيه-كَبس المصنوعة من البولي بروبيلين عام 2016، بهدف جعل 100% من كبسولات كيه-كَب "قابلة لإعادة التدوير" بحلول عام 2020. لكن الشركة واجهت مشكلات بسبب الترويج لقابلية إعادة التدوير؛ إذ رفع أحد سكان ولاية كاليفورنيا دعوى قضائية ضدها عام 2018 لزعمه أنه يمكن إعادة تدوير الكبسولات بعد إزالة الغطاء الرقائقي وإزالة بقايا القهوة أو التخلص منها، ما دفع كيوريغ للموافقة على دفع 10 ملايين دولار في تسوية دعوى جماعية، كما اتهمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية شركة كيوريغ بالادعاء زوراً أن الكبسولات "قابلة لإعادة التدوير بفعالية" في سبتمبر/أيلول 2024. (وتوصلت كيوريغ إلى تسوية لهذه المطالبة بالموافقة على دفع غرامة قدرها 1.5 مليون دولاراً).
اقرأ أيضاً: لماذا تشكّل المعلومات المزيفة بشأن اللقاحات خطراً على الصحة العامة؟
يعلم هارتلي، الذي ترك كيوريغ عام 2017، أن المستهلكين يريدون أن تكون كبسولات كيه-كَب خالية من البلاستيك، وبعد سنوات من تطوير النماذج الأولية والاختبار، اعتمد هو وفريقه الألومنيوم بصفته بديلاً تسهل إعادة تدويره. الألومنيوم مقاوم للأوكسجين أيضاً، الذي يُفقد القهوة نكهتها بمرور الوقت. قال هارتلي: "يمكننا أن نضمن أن تكون نكهة كل كوب من القهوة متوافقة مع ما أراده محضر القهوة".
كامبيو روسترز ليست أول شركة مصنعة لكبسولات القهوة ذات الحصة الواحدة تسعى للاستغناء عن البلاستيك أو الاستثمار في النماذج الدائرية؛ إذ تصنع شركة نسبرسو (Nespresso)، وهي شركة شهيرة مصنعة لكبسولات القهوة ذات الحصة الواحدة وتملكها مجموعة نستله (Nestlé Group)، كبسولاتها من الألومنيوم منذ أكثر من 30 عاماً. أعلنت نسبرسو عام 2020 أن كبسولاتها ستـتألف من الألومنيوم المعاد تدويره بنسبة 80%، وتزعم أن معدل إعادة التدوير الكلي لديها يبلغ 32%.
لكن كبسولات نسبرسو ليست متوافقة إلا مع آلات نسبرسو، وبما أن كبسولات قهوة كامبيو مصممة للعمل مع طرازات كيوريغ، يأمل هارتلي في منح المستهلكين ما يريدونه "دون الحاجة إلى شراء آلة جديدة".
يتيح منتج كامبيو للمستخدمين أيضاً إزالة غطاء الكبسولة وإخراج بقايا القهوة قبل إعادة التدوير، بينما إزالة أغطية كبسولات نسبرسو صعبة، وتطلب الشركة من المستخدمين إعادة تدوير الكبسولات كما هي، مع بقايا القهوة فيها، ولكن لم تحصل الشركة على موافقة إعادة التدوير في الأنظمة الطرقية إلا في مدينتي نيويورك وجيرسي سيتي، حيث يجمعها مقاول إعادة تدوير مكلّف قبل إعادة معالجتها. (يستطيع مستهلكو نسبرسو أيضاً إرسال الكبسولات المستخدمة إلى الشركة لإعادة تدويرها بالبريد، أو تسليمها في متاجر نسبرسو).
لسوء الحظ، يقول الخبراء إن استبدال البلاستيك بالألومنيوم لا يحل مشكلة إعادة تدوير كبسولات كيه-كَبس مباشرة، وما يمنع إعادة تدوير كبسولات القهوة، بغض النظر عن المادة المصنوعة منها، هو حجمها.
مشكلات في أماكن إعادة التدوير أيضاً
بعد جمع المواد القابلة لإعادة التدوير، يفرزها المتخصصون في منشآت تحمل اسم "منشآت استعادة المواد"، وهي غير مجهزة لجمع المواد الصغيرة، والقاعدة العامة هي أن هذه المنشآت لا تستطيع التعامل مع أي شيء أصغر من بطاقة الائتمان. بالتالي، ينتهي المطاف بالمواد الصغيرة الموضوعة في صناديق إعادة التدوير في مكبات النفايات غالباً. قال بير: "كبسولات كيه-كَبس صغيرة جداً لدرجة أنها تمر عبر الآلات في العديد من منشآت إعادة التدوير، لذا بخلاف فصل" كبسولات القهوة عن مجرى النفايات "على نحو فردي، لا توجد طريقة فعالة لإعادة تدويرها".
تتلخص طريقة شركة كامبيو روسترز في التعامل مع هذه المشكلة في شقين. أولاً، تقول الشركة إنها تريد من المستهلكين تكديس كبسولات القهوة المستعملة معاً ثم ضغطها لإغلاقها بهدف حل مشكلة الحجم في العديد من منشآت إعادة التدوير. يقول هارتلي إن 3 كبسولات قهوة مستعملة أو أكثر من هذا القبيل من شأنها أن تشكل قطعة من الألومنيوم كبيرة بما يكفي لتدخل الآلات في هذه المنشآت. (لا تظهر هذه التعليمات حالياً على عبوات الشركة أو موقعها على الإنترنت).
تقول الشركة إنها تعمل أيضاً على تطوير جهاز يجعل عملية تكديس الكبسولات المستعملة وضغطها أسهل. قال هارتلي: "يمكنك التفكير في هذا الجهاز على أنه وسيلة سهلة للمستهلكين لتجميع الكبسولات معاً ثم إلقائها في سلة إعادة التدوير"، وأضاف قائلاً إن الشركة تقدمت بطلب للحصول على براءات اختراع لجيل ثانٍ من كبسولات كامبيو التي يمكن "جمعها" معاً بعد الاستخدام.
قالت المهندسة الكيميائية ومؤسسة مؤسَّسة غير ربحية معنية بقضايا البيئة، جان ديل: "لا أعتقد أن الكبسولات المصنوعة من الألومنيوم تمثل تحسناً ملموساً"، مشيرة إلى حجمها الصغير بصفته عائقاً أمام قبولها في أنظمة إعادة التدوير الطرقية وفرزها فيها. أضافت ديل قائلة: "يمكنك التفكير في الكبسولات على أنها مثل قطع الورق الملون، فمن المستحيل جمعها".
لا تتفق كامبيو مع وصف ديل حول استخدام الألومنيوم، مشيرة إلى أنه حالياً لا تخضع أي عبوات بلاستيكية مخصصة للاستخدام مرة واحدة لعملية إعادة التدوير، بينما يمكن إعادة تدوير الألومنيوم عدداً هائلاً من المرات. قال هارتلي: "هذه الحقائق مهمة بالنسبة لكامبيو والمستهلكين"، وذكر أيضاً أن الجهود الهادفة لضمان توافق سياسات شركة كامبيو روسترز مع برامج إعادة التدوير في مختلف أنحاء البلاد "قائمة"؛ إذ تخطط الشركة لإجراء اختبارات مع منشآت استعادة المواد في أسواق محددة "في أقرب وقت ممكن"، حسب تعبيره.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر النفايات التقنية على المناخ؟
منتج بسيط يخفض كمية النفايات
قال متحدث باسم شركة كيوريغ دكتور بيبر رداً على طلب التعليق: "نعلم أن مستهلكينا يريدون منتجاً بسيطاً يخفض كمية النفايات"، وأضاف قائلاً إن الشركة "عملت على خفض وزن الكبسولات لخفض كمية البلاستيك المستخدمة"، بالإضافة إلى أنها "وفّرت المزيد من الخيارات لإعادة تدويرها"؛ إذ إنها تخطط لإطلاق برنامج قريباً يتمكن فيه العملاء من إرسال الكبسولات المستعملة إلى كيوريغ لإعادة تدويرها. قال المتحدث أيضاً إن الشركة "تستكشف باستمرار" المزيد من خيارات "التغليف المستدام".
تقود ديل مؤسسة ذا لاست بيتش كلين أب (The Last Beach Cleanup) غير الربحية التي تركز على مكافحة التلوث البلاستيكي، وتقول إن الحل النهائي للبصمة البلاستيكية لشركة كيوريغ هو تطوير منتج يلغي "الحاجة إلى جمع أي مواد من العملاء"، مثل كبسولات الألياف التي يمكن تحويلها إلى سماد مع القهوة المطحونة.
وفقاً للمتحدث باسم شركة كيوريغ دكتور بيبر، تختبر شركة كيوريغ حالياً نوعاً جديداً من كبسولات القهوة النباتية التي لا تحتوي على البلاستيك أو الألومنيوم، وتتوقع أن تكون هذه الكبسولات معتمدة بصفتها عضوية قابلة للتحلل، وقال هارتلي إنه عمل على هذا المنتج على مدى سنوات عديدة، واصفاً إياه بأنه "ابتكار مذهل".
مع ذلك، ستتطلب هذه الكبسولات غير المطروحة للبيع بعد آلة جديدة بالكامل لكي تعمل، ويقول هارتلي: "سيستغرق استغناء الأميركيين عن 40 أو 50 مليون آلة لصنع القهوة وشراء آلات جديدة وقتاً طويلاً"، ويضيف قائلاً في إشارة إلى عمله مع كيوريغ: "لن أكشف علناً عن مقدار الأموال التي أنفقناها للبدء من الصفر وبيع آلات كيوريغ لـ 50 مليون أسرة أميركية، ولكن الأمر تطلب جهداً كبيراً واستغرق عقوداً من الزمن".
قال مخترع كبسولات كيه-كَب في مقابلة مع مجلة ذي أتلانتيك عام 2015: "أشعر بالذنب أحياناً لأنني اخترعت هذه الكبسولات". سيزداد تأثير آلات تحضير القهوة ذات الحصة الواحدة في البيئة مع نمو سوقها، ما لم يعيد الخبراء تصوّر هذه المنتجات وتصميمها بطريقة أو بأخرى. تروج الشركات لآلات كيوريغ ونسبرسو على أنها سهلة الاستخدام وفاخرة، وهو مزيج من المرجح أن يستمر في جذب قطاعات سوقية جديدة.
مع ذلك، يستطيع محضّرو القهوة المهتمون بالبيئة أن يطمئنوا لأنهم لا يحتاجون فعلاً إلى آلات كيوريغ أو نسبرسو لتحضير كوب واحد من القهوة في كل مرة؛ إذ يمكن أن تؤدي أي آلة لتحضير القهوة دور آلة ذات حصة واحدة إذا استخدم محضر القهوة الكمية التي يحتاج إليها فقط من الماء والقهوة المطحونة، دون الحاجة إلى كبسولات القهوة، بل ربما فقط إلى مرشح.