ميجا بيكسلز: زجاج التنين حقيقي، فماذا عن السائرين البيض؟

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حلوى «غزل البنات» أو «شعر البنات» أو حلوى القطن. مسميات عديدة لكنها في النهاية هي نفس الحلوى الهشة التي نحبها جميعاً. لا تختلف هذه الحلوى عن الزجاج في شيء، فكلاهما ليس له تركيب جزيئي محدد وغير منتظمان، كذلك زجاجات المياه الغازية التي بدأت في صورة سائل مذاب ثم بردت بسرعة، لا تسمح للجزيئات بداخلها أن تأخذ الوقت لتشكل نمطاً منظماً، أو ما يعرف باسم البلوَرة، فتعرف في الكيمياء بأنها حالة غير اعتيادية بين الصلابة والسيولة في عدم انتظام الجزيئات، أما بالنسبة لنا فهي تمثل حلوى لذيذة نستمتع بها.

مثلما تكون هذه الحلوى مصنعة -غالباً بالكامل من السكر-، كذلك أغلب أنواع الزجاج الشائعة تصنع من الرمال، حيث يسمى بـ «زجاج السليكات» الذي يستخدم في صناعة الأكواب، وزجاج النوافذ، لكن هناك أنواع أخرى من الزجاج تتشكل بواسطة النيران، واحد منها هو «زجاج اليورانيوم». يتلون زجاج اليورانيوم بصبغة خضراء نتيجة لأكسدة عنصر اليورانيوم بداخله، وقد اشتهر في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في السلع المنزلية.

هناك أيضاً نوع «ترينيتايت – Trinitite» الذي ظهر لأول مرة من انفجار قنبلة البلوتونيوم النووية في موقع الاختبار في ولاية نيوميكسيكو الأمريكية عام 1945. يتكون الترينيتايت نتيجة إذابة معدن الكوارتز مع أملاح الفلسبار المعدنية، حيث يظهر بلون أخضر بحري باهت.

أما إذا تحدثنا عن الصلابة، فيأتي إلينا نوع يسمى «زجاج الغوريلا» المضاف إليه الأملاح المعدنية، التي تعمل على تقوية صلابته لتصل درجة تحمله إلى أكثر من 15 سقطة دون أن يتأثر.  يستخدم هذا النوع في صناعة أسطح شاشات الهواتف النقالة.

لكن أكثر تلك الأنواع غموضاً هو زجاج يسمى «أوبسيديان – Obsidian» الذي يتكون طبيعياً من البراكين. كان هذا النوع ملهماً لصناع مسلسل «لعبة العروش» في اختياره كزجاج التنانين.

يتكون الأوبسيديان كمادة منصهرة تخرج من فوهات البراكين، ويبرد سريعاً في درجة حرارة السطح. وينتشر هذا النوع من الزجاج في أغلب المناطق حول العالم بدايةً من منحدر الأوبسيديان في منتزه «يلوستون» الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، وصولاً لـ«الجزر الإيولية – Aeolian Islands» في إيطاليا، متماثلين تماماً في الحجم وتركيز الرواسب فيهم. يتلوّن النوع غير المصقول من هذا الصخر البركاني بلون رمادي ترابي أو بني، وعندما يتم صقله وتلميعه يصبح مائلاً للون الأسود اللامع، وأحياناً يكون شديد اللمعان لدرجة أنك تستطيع رؤية انعكاس صورتك عليه.

حجر الأوبسيديان من منتزه يلوستون. Brantley, S. R. via USGS

 

استخدم البشر زجاج منتصف الليل هذا -نسبة إلى لونه- في صناعة الأسلحة منذ آلاف السنين، فعلى الرغم من أن بنيته الداخلية الحرة غير متوقعة، إلا أن زجاج الأوبسيديان عند كسره يعطي كسر محاري الشكل، ونتيجة لهذه التجزئة المنحنية، أصبح مشهوراً في صناعة رؤوس الأسهم الحادة، فيكون حاداً من عند النقطة المركزية في رأسه، وتكون حوافه مسننة على طول النصل (كذلك كما استخدمه صناع مسلسل صراع العروش في صناعة رؤوس الأسهم).

هذه الميزة الدفاعية لزجاج الأوبسيديان واستخدامه اليومي كأداة للتقطيع، زاد من سعي العلماء لمعرفة المزيد عنه. في بداية هذا العام، نُشرت دراسة عن وجود طريق ثلجي قديم استخدمه البشر خلال العصر الهولوسيني في تجارة زجاج الأوبسيديان إلى القطب الشمالي.

استُخدم كذلك الأوبسيديان في عدد من الأشياء الأخرى، حيث استخدمه سكان أمريكا الوسطى في صناعة سلاح يسمى «ماكواهوتل – Macuahuitl»، وهو عبارة عن مضرب خشبي مرصع بأنصال الأوبسيديان يشبه الصولجان الطويل، ومن المؤكد أنه يوحي بالرعب.

أما الحرفيون فقد استخدموه على الأقل منذ 10 آلاف سنة في صناعة المجوهرات، بالإضافة إلى ارتباطه تاريخياً بمعتقدات روحية وشفائية. على سبيل المثال، «دموع أباتشي» هي حصى صغيرة دائرية من أحجار الأوبسيديان، عرّفها القدماء بأنها دموع سيدات أمريكا الأصليين الذين قتلوا على يد سلاح الفرسان الأمريكي، والآن تستخدم هذه الأحجار الصغيرة في مجالات علاجية. أما الأنسجة الرفيعة من هذه الأحجار فعرفت باسم «شعر بيلي – Pele’s hair» نسبة لاسم آلهة البراكين التي صنعت جزر الهواوي، وهي هشة جداً وحادة كذلك، لكنها تعتبر تذكرة قوية بأرخبيل جزر بولينيزيا.

وفي مسلسل «صراع العروش» لم تتكون تلك الصخور من حمم البراكين، بل من النيران التي خرجت من بطون التنانين، لذلك أسموها بـ «زجاج التنانين». ومع نهاية المسلسل وعرض موسمه الأخير خلال هذه الأيام، نعرف مقدار أهمية هذا الزجاج المتلألئ بجانب الفولاذ الفاليري، لأنهما السلاحين الوحيدين القادرين على قتل السائرين البيض «الوايت واكرز –  The White Walkers» (جيش الأموات اللدود).

لذا عليك أن تجمع القليل منه ليكون عوناً لك إذا ما كان جيش الأموات هو الأخر حقيقة مثل زجاج التنانين، ونأمل أن تظل هذه الحكايات مستمرة طوال الوقت حول هذه الأحجار القيمة.