هل تنجح وكالة الفضاء الأوروبية بإنتاج مركبات فضائية ذاتية التنظيف تحارب البكتيريا المرافقة للبشر إلى الفضاء؟

3 دقائق
كيف ستحارب المركبات الفضائية ذاتية التنظيف البكتيريا المرافقة للبشر إلى الفضاء؟
تتعرض جميع الأسطح والمعدات وبدلات الفضاء في محطة الفضاء الدولية لخطر الملوثات الميكروبية. ناسا

تعد محطة الفضاء الدولية موطناً لنظام بيئي كامل من الأحياء المجهرية. في الواقع، يكاد يكون من المستحيل منع هذه الأحياء الدقيقة، مثل البكتيريا وغيرها من الكائنات الدقيقة التي يمكن أن تكون ضارة، من الصعود مع البشر إلى الفضاء. لكن وكالة الفضاء الأوروبية تعمل على ابتكار تكنولوجيا يمكنها أن تحد من تأثيرها وتقضي عليها: المركبات الفضائية ذاتية التنظيف.

سلالات بكتيرية تغزو المركبات الفضائية

وبينما يتحضر البشر لاستكشاف الفضاء على المدى الطويل، تصبح الموائل البكر في الفضاء ذات أهمية متزايدة، خصوصاً وأن هناك أدلة على أن النظام البيئي يتطور بسرعة بالفعل. تقول مالغورزاتا هولينسكا، مهندسة المواد والعمليات في وكالة الفضاء الأوروبية والمسؤولة التقنية عن المشروع: «يمكن أن تتحور الميكروبات التي يتم جلبها من الأرض إلى محطة الفضاء الدولية، وبالتالي يمكن أن تتطور سلالات مقاومة للعوامل الشائعة المضادة للميكروبات».

في السنوات القليلة الماضية، ازدادت الحاجة لمحاربة هذه السلالات. نظراً لأن الميكروبات تتكيف للبقاء في بيئة الفضاء القاسية، فقد ينتهي بها الأمر بتلويث كل من رواد الفضاء وبقية النظام الشمسي. على الرغم من أنه لم يثبت أن البكتيريا التي عُثر عليها في محطة الفضاء الدولية أكثر فتكاً أو مقاومة للمضادات الحيوية، لا يمكن للباحثين الجزم فيما لو كانت تريليونات أنواع الكائنات الحية الدقيقة ستتصرف بنفس الطريقة في الفضاء. الميكروبات التي تنتقل إلى الفضاء قادرة أيضاً على تدمير أجزاء محطة الفضاء الداخلية ومعداتها. وتعتمد آلية عملها في ذلك على تشكيلها لأغشية حيوية، وهي مجموعات من نوع واحد أو أكثر من البكتيريا التي تنمو على سطوح مختلفة كأسنانك. يمكن للأغشية الحيوية أن تتغذى على المعادن، بالإضافة إلى البلاستيك والمطاط.

وتقول هولينسكا إن هناك العديد من الحالات التي أبلغ فيها رواد الفضاء عن تآكل الأدوات الفضائية بالفعل، بما في ذلك الموصلات الكهربائية ومكيفات الهواء وأجزاء من البدلات المستخدمة في المشي في الفضاء. لقد كانت مثل هذه الأضرار مشكلة شائعة على متن محطة الفضاء الروسية مير، حيث نمت مستعمرات من الكائنات الحية الدقيقة حول شرائط إحكام النوافذ المطاطية وعلى أنابيب الكابلات وبدلات الفضاء ومعدات الاتصالات. وقد بات العلماء يدركون الآن أن هذه المظاهر لم تكن فريدة من نوعها في محطة مير التي خرجت من الخدمة. في عام 2019، وجد الباحثون أن العفن الذي ينمو على جدران محطة الفضاء الدولية يمكن أن يتحمل بسهولة مستويات عالية جداً من الإشعاع.

سلالات بكتيرية تغزو المركبات الفضائية
يحتوي طبق بتري هذا على مستعمرات من الفطريات التي نمت من عينة تم جمعها على متن محطة الفضاء الدولية خلال مشروع "مايكروبيال تراكينج-1" (Microbial Tracking-1) التابع لناسا والهادف إلى توصيف مجموعات الكائنات الحية الدقيقة على متن محطة الفضاء الدولية. ناسا/مختبر الدفع النفاث.

آلية مكافحة البكتيريا

أحد الحلول المحتملة لمكافحة الميكروبات هو الأسطح ذاتية التنظيف، وهي عبارة عن مواد مغلفة بمركبات تزيل البكتيريا أو الأوساخ بسهولة. تخطط وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) لاستخدام أكسيد التيتانيوم، أو التيتانيا- وهو مركب يستخدم عادة في الزجاج ذاتي التنظيف والأسطح المضادة للميكروبات في المستشفيات جنباً إلى جنب مع الطلاءات المُحفزة ضوئياً، والتي يمكن أن تتغير طبيعتها الكيميائية عند تعرضها لأطوال موجية معينة من الضوء.

اقرأ أيضاً: بكتيريا خارقة تنجو لمدة ثلاث سنين في الفضاء

يعمل الطلاء من خلال عملية تسمى الأكسدة الضوئية. عند تعرضه للأشعة فوق البنفسجية، يفكك أكسيد التيتانيوم بخار الماء الموجود في الهواء ويؤكسد الميكروبات، ما يؤدي إلى إذابة الأغشية البكتيرية التي تتلامس معه بشكل فعَّال. وذلك يخلق ميزة إضافية: المواد ليست انتقائية في قتل سلالات ميكروبية معينة، ما يعني أن هناك فرصة ضئيلة لهذه الميكروبات لتطوير أي مقاومة.

حتى الآن، نجح الفريق في اختبار الطلاء على أسطح مثل الزجاج ورقائق السيليكون والألومنيوم والمناديل الورقية المخصصة. ولكن لجعلها أكثر فاعلية، يريد فريق هولينسكا زيادة كفاءة أوكسيد التيتانيوم عن طريق "إشابة" المركب، أو تغيير مركباته لزيادة تأثيره المضاد للميكروبات في الضوء المرئي العادي.

اقرأ أيضاً: محطة الفضاء الدولية تعج بالبكتيريا، وقد يكون بعضها مؤذياً

طريقة "الإشابة" هذه ضرورية بشكل خاص؛ لأن وكالة الفضاء الأوروبية تأمل في صنع طلائها المضاد للميكروبات دون استخدام الفضة، وهو مكون شائع يُستخدم مع مادة التيتانيا لصنع الأسطح ذاتية التنظيف على الأرض، وهو غير ضار بالبشر، ولكنه معدن ثقيل مميت في الفضاء.

تقول هولينسكا: «لقد تبين أن المعادن الثقيلة مثل الفضة تتسرب إلى المياه المتكثفة على متن محطة الفضاء الدولية. إنها مشكلة بالنسبة لرحلات الاستكشاف طويلة الأمد، لا سيما في ظل الظروف التي تنطوي على الرطوبة العالية أو بالنسبة لأنابيب المياه والأوعية. نظراً لأن الفضة تميل إلى التراكم في الأنسجة البشرية إذا تم تناولها، يمكن أن تسبب تلفاً في الأعضاء الداخلية مثل الكلى والكبد، ويمكن أن تؤدي إلى تغيرات في مورفولوجيا الدم». التعرض المطول خطر لا يستطيع البشر تحمله، حيث ثبت بالفعل أن السفر إلى الفضاء يضعف أنظمة المناعة لدى رواد الفضاء.

في الوقت الحالي، يعد مشروع هولينسكا مجرد أحد التكنولوجيات المحتملة التي تنظر في إيجاد حل مختلف أنواع التلوث البيولوجي في محطة الفضاء. ويتكامل بحث هولينسكا على وجه الخصوص مع تجربة "ماتيس" (MATISS) الفرنسية، ودراسة "تاتشينغ سيرفيس" (Touching Surfaces) الألمانية، حيث تبحث كلتا الدراستين في نمو البكتيريا على متن المحطة.

ولكن في غضون ذلك، هناك شيء واحد نعرفه دون أدنى شك: أينما ذهب الإنسان، ستتبعه البكتيريا سريعاً، وستكون رفيقنا الدائم عندما نبدأ في الغوص بعيداً في ظلمة الكون الحالكة.