الكواكب الخارجية قد تحوي على المياه، ولكن المشكلة في كميتها

النظام ترابيست 1 كما يبدو من أحد كواكبه الخارجية البعيدة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في السنة الماضية، تمكن العالم من إلقاء نظرة على نظام نجمي رائع، ترابيست 1، والذي كان يحوي على سبعة كواكب خارجية (كواكب من خارج نظامنا الشمسي) مثيرة للاهتمام تدور فيه. وبناء على هذه النظرة الأولية، توصل الباحثون إلى نتيجة متفائلة تقول بأن الحرارة على خمسة من هذه الكواكب قد تسمح بوجود المياه السائلة على سطحها، كما أن ثلاثة منها تدور في المنطقة الصالحة للسكن حول النجم.

كان هذا الخبر مثيراً على وجه خاص لأن الحياة توجد حيث توجد المياه. وهنا على الأرض، تكفي إضافة المياه حتى تزدهر الحياة. غير أن بحثاً نشر مؤخراً في مجلة Nature Astronomy يقول، وبناء على نظرة أكثر دقة، أن هذه الكواكب قد تحوي كميات كبيرة من المياه كافية لخنق أية حياة ممكنة عليها. وحتى لو تمكنت بعض المتعضيات من الظهور، فإن الكميات الهائلة من المياه قد تمنعنا من اكتشافها، وفقاً للدراسة.

ولكن، وبعد سنوات طويلة من البحث عن دلائل على وجود المياه على كواكب أخرى، كيف يمكن أن يوجد مكان يحوي من المياه أكثر مما تستطيع الحياة تحمله. لنلق نظرة نحن أيضاً.

الكثير الكثير من المياه

تبدو الأرض مكاناً غنياً بالمياه، بدءاً من نظامنا الغذائي الذي يتضمن ثمانية أكواب يومياً، وصولاً إلى أجسادنا التي تبلغ نسبة المياه فيها حوالي 60%، بل إن سطح الأرض نفسها مغطى بالمياه بنسبة حوالي 71%. هذه كمية كبيرة من المياه، أليس كذلك؟

هذا ليس صحيحاً بالمقارنة مع معظم الكواكب في ترابيست 1. وعلى الرغم من أن المياه تبدو وكأنها تغمر الأرض، فإنها لا تشكل أكثر من 0.02% من كتلة الكوكب. 0.02 فقط! أما ما تبقى فهو عبارة عن صخور ومعادن ومواد عضوية وغير ذلك. من ناحية أخرى، فإن نسبة كتلة المياه في بعض كواكب ترابيست 1 تبلغ حوالي 15%، أو حتى أكثر.

تشير البيانات التي اعتمد عليها مؤلفو مقالة Nature Astronomy إلى أن النسبة قد تصل في بعض الكواكب إلى 50%، على الرغم من أن عمليات رصد لاحقة نشرت مؤخراً تخفض من هذه التقديرات إلى حوالي 10-15% أو حتى 5%. وفي كلتا الحالتين، تعتبر الكمية كبيرة جداً، وتساوي 250 ضعف كمية المياه في محيطات الأرض.

من جهته كايمان أونتربورن، الأخصائي بعلوم الأرض والمؤلف الرئيسي للمقالة؛ يعلّق على الموضوع مازحاً: “حالياً، يتمحور الخلاف حول ما إذا كانت النسبة كبيرة جداً أو كبيرة جداً جداً”.

يمكن للباحثين الحصول على هذه التقديرات حتى من مسافة 39 سنة ضوئية، وذلك بمراقبة الكواكب التي تعبر أمام نجمها. ويمكن أن يحصلوا على فكرة عامة عن حجم الكوكب، وكثافته أيضاً، والتي يمكن أن نعرف منها الكثير حول تركيب الكوكب. كانت هذه الكواكب بحجم الأرض تقريباً، ولكن كتلتها أخف بكثير. لم تكن الكتلة خفيفة إلى درجة أنها قد تكون بسبب غلاف جوي غازي ما، ولكنها لم تكن كتلة كوكب صلب تماماً. وبهذا لا يبقى سوى خيار واحد: المياه، ويطرح أمام علماء الكواكب مجموعة جديدة من الأسئلة.

بلا حركة

لا شك أن كوكباً يمتلك كل هذه الكمية من المياه يختلف كثيراً عن الأرض، وحتى عن الأقمار إينسيلادوس وأوروبا المليئة بالمياه، وهي أصغر بكثير من كواكب ترابيست 1. على كوكب غني للغاية بالمياه، مثل الكواكب التي نتحدث عنها، قد يكون هناك طبقة رقيقة من المياه السائلة، ولكن إذا تعمقنا في طبقات الكوكب، سنجد أن الضغط الناتج عن المحيطات في الأعلى سيتعاظم، ما يؤدي إلى تحويل المياه السائلة إلى شكل صلب ومضغوط من الجليد. ويلعب هذا الجليد بشكل أساسي دور طبقة الوشاح لهذا الكوكب، ويحيط بنواة من مادة أشد صلابة. إن الديناميكيّة التي يتمتع بها عالم كهذا ما تزال غريبة بالنسبة لنا.

على الأرض، يبحث علماء الأحياء المتخصصون بالحفريات عن أماكن مميزة ديناميكياً على قشرتنا الحساسة للعثور على الدليل الأول على الحياة، أماكن حيث تتراكم الصخور الذائبة لتشكيل بقع حارة على قعر المحيطات الباردة، أو ترسل الغازات من أعماق الأرض إلى الغلاف الجوي. ولكن إذا كان الكوكب يتمتع بقلب صلب، هل يمكن للحياة أن تبدأ وتتطور؟

يقول أونتربورن: “من أهم مزايا الكوكب الفعال والنشط هو أن يكون ذائباً. ولكن بوجود ما يكفي من المياه، ستتوقف عملية الذوبان تماماً، لأن الضغط سيكون عالياً لدرجة تمنع ارتفاع الحرارة بما يكفي لحدوثه. صحيح أن المياه السائلة موجودة على السطح، ما يعني أنه كوكب صالح للسكن وفق التعريف الأولي، ولكن هذا يعني عزل كمية كبيرة من جيولوجيا الكوكب، وشبه فقدان للتواصل ما بين السطح والداخل، ونعتقد أن هذا ضروري حتى يكون الكوكب صالحاً للسكن بالنسبة لمقاييس الزمن الجيولوجية”.

ما لا يمكن كشفه

وفقاً لأقل التقديرات، فإن الكواكب المعنية تحوي من المياه 250 ضعفاً مما تحويه محيطات الأرض وتنتشر على كامل مساحتها، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها تقارب الأرض حجماً، ولا تتطلب تغطية كوكب بهذا الحجم بالكامل أكثر من حوالي خمس هذا المقدار.

يتسبب انعدام اليابسة بالحد من قدرة المياه على حت الصخور والوصول إلى أجزائها الأكثر صلابة، ما يعني قلة المواد الخام الناتجة عن الحتّ، مثل الفوسفور الذي يعتبر أساس الحمض النووي. وبدون ما يكفي من هذه المواد، لا يمكن للحياة أن تتطور بشكل ينتج ما يكفي من الأفراد لتوليد إشارة ما -مثل ازدياد نسبة الأوكسجين في الغلاف الجوي- يمكن كشفها من الأرض.

يقول أونتربورن: “في هذه الحالة، لا يمكنك في الواقع أن تميز ما بين الأوكسجين الذي تنتجه الحياة والأوكسجين الناتج عن العمليات الكوكبية والجيولوجية. قد يكون العالم المائي مكاناً رائعاً للحياة، ولكن ليس بما يكفي لإحداث فرق يمكننا رصده”. وهو وضع يطلق عليه الباحثون اسم: صالح للسكن ولكن غير قابل للكشف.

هذا ليس كل شيء

مع فهمنا الحالي لكيفية تطور الحياة، من الصعب أن نتخيل أي سيناريو للتطور على هذه العوالم كثيرة المياه. وحتى لو ظهرت الحياة بطريقة ما، فمن المرجح أننا لن نتمكن من رؤيتها.

غير أن هذا لا يعني أن هذه الكواكب طريق مسدود تماماً. حيث يعود جزء من اهتمام الباحثين بها إلى أن تجميع كميات كبيرة جداً من المياه (أو كبيرة جداً جداً) عملية كوكبية شديدة التعقيد. وفي الواقع، فإن هذا البحث لم يركز على الحياة، بل على كيفية وصول الكواكب إلى هذه الحالة، وتعني كمية المياه الكبيرة أن هذه الكواكب لم تتشكل، على الأرجح، في مواضعها الحالية.

تبدأ الكواكب كأقراص بدائية من الغاز والبخار تدور حول النجم الأم. وكلما كانت أقرب إلى النجم، كانت الحرارة أعلى، ما يعني بقاء المياه في الحالة الغازية. أما جزيئات المياه الأبعد فتتحول إلى جليد، ويتجمع هذا الجليد ببطء على الكواكب الناشئة. ويسمى الخط الفاصل بين هاتين الحالتين بالخط الجليدي، وقد أطلق عليه في البحث اسم “خط الثلج البدائي” خلال الأيام المبكرة للنظام النجمي، ويتغير موضعه على امتداد فترة حياة النجم مع خفوته تدريجياً.

في نظامنا الشمسي، تميل الكواكب القريبة من الشمس إلى الجفاف، على حين أن الكواكب الأبعد أكثر غنى بالماء. أما في ترابيست 1، نجد الكثير من المياه حتى على الكواكب القريبة من النجم. ما يعني أن هذه الكواكب انتقلت إلى مواضعها الحالية على مر الزمن، وهو أمر ما زال علماء الفلك الفيزيائي يبحثون فيه.

يقول ستيفن ديش، وهو مؤلف مشارك في البحث، أن إحدى طرق حدوث هذا الانتقال هي تفاعل الكواكب مع الغازات في الأقراص الأولية: “تفقد الكواكب العزم الدوراني وهي تولد الأمواج ضمن القرص الغازي، ما يؤدي إلى إبطائها وتحركها في مسار حلزوني مقتربة من النجم. تؤدي هذه الطريقة أيضاً إلى الحفاظ على الشكل الدائري للمدارات، ولا يمكن لآليات أخرى أن تؤدي إلى ظهور نظام ترابيست 1 بالشكل المنظم الذي يبدو عليه بالنسبة لنا”.

تشير ملاحظات الباحثين إلى أن الكواكب قد تكون انتقلت لمسافة بعيدة إذا تشكلت في مرحلة مبكرة من عمر النجم البالغ 8 مليار سنة، أو لمسافة صغيرة إذا تشكلت ببطء مع مرور الزمن، مع تحرك خط الجليد مقترباً من الكوكب.

ما زال لدينا الكثير مما يمكن أن نكتشفه حول تطور الكواكب الأخرى، ويمكن للنظر إلى الكواكب التي تقع خارج نظامنا الشمسي أن يقدم لنا معلومات مثيرة حول تطور الكون، ولكننا نحتاج إلى الكثير من العمل حتى نتمكن من رسم صورة متكاملة.

يقول أونتربورن: “أرغب بالتأكيد على وجوب تكامل العديد من الاختصاصات في دراسة الكواكب الخارجية. صحيح أن الفلكيين بارعون في اكتشاف هذه الكواكب، ولكننا بحاجة أيضاً إلى الجيولوجيا والكيمياء لفهم السياق العام. هناك مجالات اختصاصية كاملة حول كل من هذه التفاصيل، ويعتبر التواصل فيما بينها أساسياً”.