براكين طينية على المريخ ترجّح احتوائه على الماء قديماً

أخرجت فوّهات «أرسيا مونس» الصخور المنصهرة ذات مرة على سطح المريخ ، ولكن قد تكون بعض السمات البركانية الأصغر قد جاءت من مصدر آخر - مصدر الصورة: ناسا
أخرجت فوّهات «أرسيا مونس» الصخور المنصهرة ذات مرة على سطح المريخ ، ولكن قد تكون بعض السمات البركانية الأصغر قد جاءت من مصدر آخر - مصدر الصورة: ناسا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تمتلئ سهول المريخ الشمالية بعشرات الآلاف من المواقع التي تحتوي على تضاريس تبدو وكأنها ناتجة عن براكين عادية، لأن التعرجات في هذه المواقع تشبه تلك التي تنتج عن الحمم البركانية. لكن الجيولوجيين يناقشون ما إذا كانت هذه التضاريس الوعرة هي عبارة عن صُهَارة متجمدة فعلاً أم لا. في أماكن معينة على الأرض، يخرج الطين من البراكين بدلاً من الصخور المنصهرة. فهل يمكن أن تكون التضاريس المريخيّة هذه براكين من الطين؟

قطعاً لا. كما افترض «بيتر بروش»، وهو جيوفيزيائي في الأكاديمية التشيكية للعلوم. إذ أن الظروف اللازمة لذلك -وهي أن تكون الرواسب مطمورة بالطريقة المثلى بدقة- مستبعدة للغاية. إضافة إلى ذلك، هل يمكن للطين أن يسيل على السطوح الصلبة بعد خروجه من تحت الأرض؟

بعد خلق ظروف مشابهة في المختبر، وجد بروش وفريقه الجواب: يمكن أن تسيل مخاليط موحلة على المريخ بطريقة مماثلة تقريباً لتلك التي تسيل فيها على الأرض، ولكن لأسباب مختلفة تماماً. أعلن بروش وفريقه نتائجهم في مايو/ آيار في دورية «نيتشر جيوساينس». وتشير هذه النتائج إلى أن التضاريس البركانية على المريخ يمكن أن تكون عبارة عن صخور أو وحل متصلب. مما سبب بعض المشاكل للجيولوجيين. يقول بروش: «إن عملنا سيزيد تعقيداً من الآن فصاعداً، لا يمكننا أن نعتمد فقط على الشكل»

إذا أصبح الباحثون قادرين على التمييز بين البراكين العادية وبراكين الوحل، فسيفتح ذلك المجال لدراسة عدد كبير من المواقع الأخرى المحيرة على المريخ. وذلك لأن براكين الوحل قد تكون أماكن واعدة للبحث عن أشكال للحياة.

أمضى بروش عقداً من الزمن يتفحص صوراً من المريخ بدقة، ويحاول أن يبين أن بعض المزايا المحددة للتضاريس تثبت أن هذه البروزات البركانية صخرية. وفي نهاية المطاف، أدرك أنه بحاجة للإجابة عن سؤال أبسط ليتمكن من إثبات عدم وجود براكين الوحل على المريخ: هل يمكن للوحل حتى أن يوجد بشكله السائل على المريخ؟

للإجابة على هذا السؤال، سعى بروش لإجراء تجربة تحاكي ظروف المريخ على الأرض، ووجد مبتغاه في حجرة المريخ في «أوبن يونيفيرسيتي» في المملكة المتحدة، وهو جهاز على شكل أسطوانة قطرها 91 سم، وارتفاعها 183 سم، يشبه غاطسة مياه عميقة، وله القدرة على محاكاة ظروف الضغط المنخفض التي تسود سطح المريخ.

يقول بروش: «توجد العديد من الحجرات المفرغة حول العالم، ولكن لا يُسمح بإجراء تجارب غريبة إلا في عدد قليل منها».

تضمنت التجربة التي أجراها بروش وفريقه تبريد كتلة من الرمل إلى درجة 7 درجات مئوية تحت الصفر، ثم وضعها في الحجرة المفرغة وسكب محلول من الماء وبعض الجسيمات الدقيقة عليها.

ما رآه الفريق كان غريباً ومألوفا بنفس الوقت. إذ أنه في هذه البيئة المفرغة من الهواء، بدأ الطين بالغليان مثلما تغلي المياه بشكل أسرع على ارتفاعات أكبر. سبّب هذا الغليان ضياعاً في الحرارة، مما برّد الطين حتى تجمدت قشرته الخارجية. بعد ذلك، انبثق السائل من داخل القشرة في سيول صغيرة أخذت أشكالاً نعرفها من الحمم البركانية في هاواي (التي بردت بعد اندلاعها نتيجة الاتصال بالهواء، لا بسبب الغليان).

يقول «لايونيل ولسون»، وهو جيولوجي في جامعة «لانكاستر» شارك في تحليل فيديوهات تجارب فريق بروش فيزيائياً: «إن الطريقة التي يزحف بها الطين (الوحل) ويسكن ويندفع؛ تماثل تماماً ما نراه في البراكين العادية».

بعد سلسلة من التجارب قارن فيها الفريق بين عدد من الظروف الأرضية والمريخية، استنتج بروش أن تخمينه الأول كان خاطئاً جزئياً. لا يتجمد الوحل على المريخ بالضرورة، ويمكنه أن يتدفق بسلاسة تكفي لتشكل البراكين. لكنه وجد أيضاً إثباتاً لتخمينه بأن مقارنة التضاريس الأرضية بتلك الموجودة في بيئة المريخ الغريبة قد تكون فعلاً عملية «مضللة» أحياناً. إذ أن الأشكال التي تماثل سيول الحمم الأرضية قد تكون أشياء مختلفة تماماً.

تقول «دورثي يولر»، كبيرة العلماء في معهد علوم الكواكب في أريزونا (والتي لم تشارك في تجربة الحجرة المفرغة) : «ستفتح هذه الدراسة الباب لمساعٍ بحثية جديدة كلياً من شأنها أن تساعدنا في فهم طبيعة بعض التضاريس الأخرى التي كانت تُأول على أنها ناتجة من براكين صخرية، وهي قد تكون بالحقيقة ناتجة عن براكين طينية».

يستطيع عالم جيولوجيا تمييز وتصنيف مختلف أنواع الصخور من كتل الطين الجافة على الأرض بسهولة، لكن في المستقبل القريب، سيضطر الباحثون إلى استخدام التصوير بعيد المدى حصراً لدراسة جيولوجيا كواكب مثل المريخ.

إن الدراسات الإضافية حول الطين قد تساعد الجيولوجيين في تحديد سلوكيات خاصة بالطين المريخي. على سبيل المثال، ستوصف أعمال مقبلة لبروش وباحثين آخرين سلوكاً جديداً غريب للغاية، ولا يمكن للحمم أن تتّبعه: عندما سكب الباحثون السائل على كتلة من الرمل درجة حرارتها 21 درجة مئوية، فإن الطين غَلى بشدّة لدرجة أنه حلّق للأعلى لمدة قصيرة مثل الحوامة.

في المستقبل، قد يكون لوجود البراكين الطينية على المريخ تبعات على مجالات دراسة أخرى غير الجيولوجيا. فوجود الطين يتطلب وجود الماء الدافئ، واندلاع الطين من البراكين يتطلب وجود ماء دافئ عميقاً تحت السطح، حيث لا تصل الإشعاعات الكونية. ويتوقع البيولوجيون أن هذه البيئات هي من أكثر الأماكن التي قد تدعم تشكل الحياة على سطح المريخ، ولكن استكشافها مهمة شبه مستحيلة. فمثلاً، أمضى جهاز قياس الحرارة الباطنية التابع لمهمة «إنسايت» الخاصة بوكالة ناسا سنة كاملة في اختراق سطح الخارجي فقط للمريخ.

لكن إذا انبثق الطين فعلاً إلى سطح المريخ من ملايين إلى بلايين السنين، فمن الممكن أن يكون قد حمل معه ميكروبات مرّيخية إلى السطح. وإذا كشف الجيولوجيون وجود المزيد من البراكين الطينية على هذا الكوكب؛ فستستطيع المركبات المستقبلية التنقيب عن الأحافير الميكروية، والتي قد تحمل أدلة على وجود الحياة في المريخ.