شاهد هذه العواصف الهائلة الغامضة على المشتري

دوامات في القطب الجنوبي للمشتري، كما تراها المركبة الفضائية جونو باستخدام ماسح الشفق الجوفياني بالأشعة تحت الحمراء. يرمز اللون الأصفر للسحب الرقيقة، واللون الأحمر للسحب الكثيفة. مصدر الصورة: ناسا/ معهد ساوث ويست للأبحاث/ الجمعية الهندية للفلك/ المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء الفلكية/ معهد الفيزياء الفلكية للفضاء وعلوم الكواكب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أننا نسمع بشكل متواصل عن الأعاصير الكبيرة التي تضرب الولايات المتحدة، إلا أن الأعاصير المتتابعة ذات الأحجام الهائلة متواجدة في المشتري على بعد أكثر من 587 مليون كيلومتر.

وقبل أن يتساءل أحدكم، فإن هذا لا علاقة له بالبقعة الحمراء الكبيرة على المشتري، والتي بدأت بالتلاشي للأسف. ففي بحث نُشر حديثاً في مجلة Nature، يصف الباحثون بعض العواصف المذهلة التي رصدتها المركبة الفضائية جونو مؤخراً، والتي بدأت باستكشاف المشتري في 2016.

إن الصورة في أعلى المقالة ليست لبيتزا بالبيبيروني أو لفوهات بعض البراكين، بل هي لخمس دوامات هائلة تتوزع بانتظام حول دوامة مركزية في القطب الجنوبي للمشتري. أما قرب القطب الشمالي، فهناك ثماني دوامات متوزعة بشكل مماثل حول دوامة مركزية.

ثمانية دوامات حول القطب الشمالي للمشتري كما تظهر بالأشعة تحت الحمراء.
مصدر الصورة: ناسا/ مختبر الدفع النفاث-معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا/ معهد ساوث ويست للأبحاث/ الجمعية الهندية للفلك/ المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء الفلكية/ ماسح الشفق الجوفياني بالأشعة تحت الحمراء

يقول المؤلف الأساسي للبحث ألبرتو أدرياني في تصريح صحفي: “قبل جونو، لم يكن لدينا أية معلومات عن حالة الطقس قرب أقطاب المشتري. أما الآن، يمكننا مراقبته عن كثب كل شهرين. يساوي عرض كل واحدة من الدوامات الشمالية تقريباً المسافة ما بين نابولي في إيطاليا ونيويورك، أما الدوامات الجنوبية فهي أضخم حتى من هذا. وتهب فيها رياح شديدة العنف تصل سرعتها في بعض الحالات إلى 354 كيلومتر في الساعة. هناك أيضاً ميزة إضافية، وتعتبر الأكثر غرابة، وهي أن هذه الدوامات متجاورة وقريبة من بعضها بشكل مستقر ودائم. لم نر ظاهرة مماثلة حتى الآن في النظام الشمسي”.

لم يكن ظهور الدوامات على أشكال مضلعة –مخمس ومثمن- مفاجئاً بحد ذاته، فقد سبق للأشكال المضلعة أن ظهرت على الكواكب العملاقة الغازية من قبل، مثل التيار النفاث المسدس حول القطب الشمالي لزحل. يقول أدرياني في رسالة بالبريد الإلكتروني: “تظهر هذه الأشكال الهندسية بسبب اجتماع عدة أسباب، مثل الحركة العامة للغلاف الجوي، ودوران الدوامات، ودوران الكوكب نفسه، وغالباً ما تتراصف هذه الظواهر بشكل طبيعي ضمن مضلعات من أنواع مختلفة”.

غير أن هذه الدوامات غريبة. فخلال الأشهر السبعة التي راقبها فيها العلماء، كانت هذه الدوامات تدور وتعصف بالرياح الهائجة، ولكنها لم تندمج على الرغم من قربها من بعضها، كما أنها حافظت على مواضع شبه مستقرة منذ بدء الرصد. ولا يعرف العلماء كيف تمكنت هذه الدوامات من المحافظة على حالتها، أو كيف وصلت إلى هذه المواضع في المقام الأول.

يقول أدرياني: “سنستمر بالتحليل، ونوسع عمليات الرصد لتشمل الرصد الطيفي، والحصول على المعلومات من أداة أخرى من جونو، مثل مقياس الإشعاع الميكروي الذي يمكنه أن يخترق الغلاف الجوي بشكل أكثر من أدوات الأشعة تحت الحمراء”.

لم تكن هذه النتيجة الوحيدة الناجمة عن أحدث عمليات الرصد لجونو. ففي بحث آخر نشر في مجلة Nature مؤخراً، قال الباحثون أن نواة المشتري تدور وكأنها كتلة صلبة، على الرغم من أنها نواة مائعة من الهيليوم والهيدروجين، ومن المحتمل أن يكون هذا بسبب الحقل المغناطيسي للكوكب. كما أن بحثاً آخر ألقى نظرة عن كثب على الحقل الثقالي غير المتناظر للكوكب، والمتباين بين القطبين الشمالي والجنوبي، ووجد بحث رابع أن الأنماط الطقسية في المشتري ليست سطحية، بل أن حركة الرياح التي نراها في حزم السحب تمتد إلى حوالي 3057 كيلومتر ضمن الكوكب الغازي.

يقول يوهاي كاسبي، المؤلف الأساسي للبحث المنشور حول أنماط الطقس العميقة في المشتري، في تصريح صحفي: “رصد جاليليو الخطوط على سطح المشتري منذ أكثر من 400 سنة. وحتى الآن، لم نفهمها إلا بشكل سطحي، وتمكنا من ربطها بأنماط السحب الموافقة لتيارات المشتري. أما الآن، وبالاعتماد على قياسات الجاذبية لجونو، نعلم إلى أي عمق تمتد هذه التيارات، وما هي بنيتها تحت السحب المرئية. إن هذا يشبه الانتقال من صورة ثنائية الأبعاد إلى صورة ثلاثية الأبعاد عالية الدقة”.

علاوة على هذا، فإن جميع الغازات التي تدور في هذه الحزم الكثيفة من السحب تشكل حوالي 1% من كتلة المشتري، أو ما يقارب ثلاثة أضعاف كتلة الأرض، يقول كاسبي أن الغلاف الجوي للأرض يشكل أقل من واحد من المليون من كتلة الأرض.

لقد تمكنا من زيارة المشتري لأول مرة في السبعينيات، ولكن مركبتي بايونير وفوياجر لم تتمكنا إلا من التقاط صور خاطفة له. وعدنا بعد ذلك مع المركبة الفضائية جاليليو في التسعينيات والعقد الأول من القرن الجديد، ولكن جونو كانت المركبة الأولى التي دخلت إلى المدار القطبي، والأولى التي تلتقط صورة للقطب الشمالي للكوكب. وستجمع المزيد من المعلومات في المرور القريب القادم، والذي من المفترض أن يحصل في أبريل.

على الرغم من أن المشتري مألوف لنا جميعاً، فإن هذه المعلومات الجديدة تُظهر لنا أن هذا الكوكب العملاق لازال يخبئ في جعبته الكثير.