فلترقدي بسلام يا أوبرتينيتي: رثاءٌ إلى مركبة المريخ المحبوبة

زوبعة غبارية التقطت أوبرتينيتي هذه الصورة لزوبعةٍ غباريةٍ مريخية تدور أسفل الوادي. يظهر في المشهد أثر عجلات المركبة خلفها وهي تسير شمالاً مواجهةً منحدر "Knudsen Ridge" والذي يشكل جزءاً من الحافة الجنوبية لوادي "Marathon".
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اليوم نبكي فقدان صديقٍ مخلصٍ جداً كدنا أن ننسى أنه لن يبقى معنا للأبد. فاليوم وبعد 15 عاماً قضاها في البحث والتنقيب على سطح المريخ، تنضم مركبة ناسا “أوبرتينيتي Oppertunity” إلى توأمها المتوفاة “سبيريت Spirit” في ساحة الخردة الكبيرة في السماء.

لا تلم نفسك ياعزيزي لعدم تقديرك لمركبة “أوبرتينيتي” فأنت لا تعلم عنها الكثير؛ فلتعلم أن هذا المسبار هبط على المريخ عام 2004 بمهمة مدتها ثلاثة أشهرٍ فقط للبحث عن دلائل أو علاماتٍ تشير إلىى وجود الماء على المريخ في الزمن الغابر، إلا أن “أوبرتينيتي” تجاوزت المدة المقدرة لها 60 ضعفاً وبقيت 15 عاماً، وعاشت بعد شقيقتها التوأم المركبة “سبيريت” ثماني سنوات( والتي انتهت مهمتها عام 2010). وقد كانت مصممةً للسير حوالي 10 كيلومتراتٍ فقط، إلا أنها سارت 45 كيلومتراً، أي مسافة سباق المارتون، وفعلت الكثير غير ذلك. ( كنا نعلم فعلاً أننا ربما قد فقدناها منذ حزيران/يونيو الفائت، لكن ياله من رقمٍ جميلٍ “15” والذي تستحقه “أوبرتينيتي”، أليس كذلك؟).

تصمم ناسا روبوتاتها لتبقى فترةً طويلةً من الزمن في الفضاء إلا أنها تحدد زمناً معيناً للمهمة مُسبقاً- وقد أطلقت سابقاً المركبة المدارية “كاسيني Cassini” بمهمةٍ مُحددةٍ بثلاث سنوات إلى مدار كوكب زحل، بيد أنها إستمرت 13 عاماً- ولكن “أوبرتينيتي” تفوقت عليهم جميعاً. فقد سارت أوبي(اسمٌ محبب لأوبرتينيتي) على المريخ لمسافةٍ لم يقطعها أي مسبارٍ من قبل عبر التاريخ، وسافرت عبر الفضاء في رحلةٍ مضنيةٍ نحو المريخ أبعد من أية رحلةٍ إستكشافية أخرى. تخيلوا أنها قد عاشت أكثر مما عاشته موضة الجينز المنخفض الخصر أو الأساور البلاستيكية( اللتان انتشرتا في العقد الأول من هذا القرن)، وبقي إلى مابعد مسلسل “LOST” المشهور، وعاش أطول من قصة عشق براد بيت لجينيفر أنيستون وقضية طلاقه من أنجلينا المعروفة ببرانجيلينا. ربما لم يكن لـِ”أوبرتينيتي” بريقُ وألمعية ابن عمّه المسبار “كيورسيتي Curiosity” على وسائط التواصل الإجتماعي، إلا أنها أدت واجبها بهدوءٍ ووقارٍ لفترةٍ أطول بكثيرٍ مما كنا نأمله.

لقد أرسلت أوبرتينيتي صوراً مذهلةً إلى الأرض للكوكب الأحمر الذي طالما أثار فضولنا، وأمِلنا أن يزوره البشر قريباً وربما العيش عليه أيضاً. وقد إكتشفت أوبرتينيتي بعد دراسةٍ لأكثر من مئة فوهةٍ مريخيةٍ فريدة وجود دلائل عديدة على وجود الماء في الزمن الغابر على سطح المريخ، كما أتاح عمر “أوبرتينيتي” الطويل الفرصة لنا لمراقبة كيفية تشكل تغير الغبار والغيوم وتغيرها بمرور الوقت في هذا العالم الغريب، مما منحنا فهماً وفكرةً أعمق لتطوير تصميمٍ أفضل للألواح الشمسية والأجهزة الأخرى في البعثات المستقبلية إلى المريخ.

وكانت تقلبات الطقس التي درستها أوبرتينيتي هي نفسها ما أدى لـ “مقتلها”، فقد بدأت المشاكل في الأول من حزيران/ينويو العام الفائت عندما بثت مركبة ناسا المدارية لإستطلاع المريخ ( MRO) صوراً لعاصفةٍ غبارية تتطور بسرعة، حيث يمكن أن تستمر مثل هذه العواصف لأسابيع عديدة في كلّ مرة، مما يجعل مركبة “أوبرتينيتي” تقبع في الظلام، ويجعل ألواحها الشمسية عديمة الفائدة تقريباً، مما دفع فريق علماء ناسا للقلق خوفاً من أن لا تحظى “أوبرتينيتي” بفرصةٍ للتعرض لأشعة الشمس لشحن مدخراتها قبل حلول فصل الشتاء المريخي الذي يحمل درجات حرارةٍ متدنيةٍ جداً.فهم يعلمون أنها وفي هذه الحالة وبدون مدخرات مشحونةٍ قادرةٍ على توفير الدفئ للمركبة لتحافظ على داراتها وأنظمتها الإلكترونية، فإنها ستتعرض لأضرارٍ كارثية لا يمكن إصلاحها وبالتالي فقدانها، وهو نفس المصير الذي لاقته شقيقتها، سبيريت، عام 2010.

ومع ذلك، لم تفقد ناسا الأمل في أن لا يحدث هذا السيناريو. فقد قام المهندسون بإيقاف تشغيل “أوبي” للحفاظ على طاقتها أملاً في أن تتجاوز هذه العاصفة الأسوأ التي تمر بها، ولكن، وبعد بضعة أسابيع، لم تجري المركبة الإتصال المفترض والمجدول بالأرض. إستمرت العاصفة العنيفة حتى شهر آب/أغسطس. وحينها قام فريق “أوبرتينيتي” بمحاولاتٍ لإيقاظها من سباتها العميق عبر إرسال سلسلةٍ من الأوامر عبارةٌ عن أغانٍ جميلةٍ(وهو تقليد قديم قام المهندسون بإحيائه) لها كلّ صباح، إلا أنّ محاولاتهم ذهبت أدراج الرياح ولم يتلق الفريق أية إستجابةٍ منها.

ويوم الثلاثاء، قام العلماء في ناسا بالغناء (إرسال نداءٍ أخير  يتضمن أغنيةً) لأميرتهم الجميلة النائمة للمرة الأخيرة على أمل أن تستيقظ. أثارت الأغنية التي قاموا بإرسالها لأوبرتينيتي “سأراك قريباً I’ll be Seeing you” والتي أدتها المغنية “بيلي هوليدي Billie Holiday” عام 1944، أثارت مشاعر العاملين في ناسا وقضوا ليلة وداع “أوبرتينيتي” يبكون بينما كانوا ينتظرون ورود أية إشارةٍ منها رغم علمهم بضآلة حدوث هذا الإحتمال. من المتوقع أن تُعلن ناسا رسمياً فقدان المركبة في مؤتمرٍ صحفي الأربعاء الساعة الثانية ظهراً بتوقيت شرق الولايات المتحدة.

ماتزال مركبة “كيورسيتي” التي حطت على المريخ عام 2012 تعمل بجدّ ونشاط، وستنضم مركباتٌ أخرى إليها قريباً، ولكن، ستبقى “أوبرتينيتي” تحتل مكانةً خاصة في قلوبنا، لقد كانت مسباراً شجاعاً جسوراً ومذهلاً لم توسع مداركنا ومعرفتنا عن المريخ وتاريخه وحسب، بل قدمت الكثير من الأفكار لتطوير تصاميم عددٍ لا يُحصى من المركبات الفضائية التي ستُرسل إلى الفضاء مُستقبلاً. نامي جيداً يا صغيرتي. سنراكي قريباً.