قد تكون الأقمار الاصطناعية دليلنا في البحث عن الكائنات الفضائية

حزام من الأقمار الاصطناعية التي تدور حول كوكب يعبر أمام نجم، قد يكون هذا حال الأرض بعد بضعة قرون، أو حال حضارة فضائية في هذه اللحظات.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو أن الأرض تتوسَّع وتمتد نحو الفضاء، قمراً اصطناعياً تلو الآخر، مع كل صاروخ يحمل جزءاً صغيراً من قشرة الأرض إلى المدار. وإذا استمر هذا العمل الذي يغير الأرض بشكل غير مقصود، فسوف يؤدي إلى إعادة تشكيل منظر كوكبنا كما يبدو من مسافات فلكية، بحيث يضاف انتفاخٌ واضح إلى الشكل الكروي الأملس.

وإذا كنا نتسبب في انتفاخ كوكبنا، فمن المحتمل وجود حضارات أخرى تفعل نفس الشيء، منتجةً حلقة من الأقمار الاصطناعية التي يمكن أن نراها بالتلسكوبات التي لدينا حالياً، وذلك وفقاً لهيكتور سوكاس-نافارو (وهو فيزيائي فلكي في معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكناري في إسبانيا)، وقد تحدث مؤخراً عن هذا الموضوع في ورشة عمل الدلائل التكنولوجية في هيوستن.

وطالما اشتبه العلماء في وجود بِنى هائلة بحجم الشمس قد تفضح وجود كائنات فضائية تتميز بتقنيات متطورة، وعلى الرغم من أن من الممكن بسهولة -من الناحية النظرية- رؤية ألواح شمسية عملاقة تحجب نجماً بعيداً، إلا أن هذه الأفكار تبقى بلا شك في نطاق الخيال العلمي، ولكن التجارب العقلية (مثل تجربة سوكاس-نافارو) تثبت لنا أن الباحثين بدؤوا ينظرون إلى مسألة البحث عن التغيرات على مستوى الكواكب بمزيد من الجدية؛ وذلك نظراً للتطور الكبير في التلسكوبات الحالية مقارنة بأسلافها.

وقد أدرك سوكاس-نافارو أن مشروعاً على مستوى الكوكب -على وجه الخصوص- يجب أن يُحدث أثراً مرئياً محدَّداً وواضحاً، ولنتخيلْ عالماً غريباً في الفضاء مثل الأرض، ولكنه أكثر تطوراً من الناحية التقنية بعدة مئات من السنين، في هذا العالم يجب أن تكون القوات العسكرية الغريبة قد أطلقت أقماراً اصطناعية لتحديد الموضع عالمياً من أجل المساعدة في الملاحة، كما أن وكالة ناسا الغريبة وشركة جوجل الغريبة قد أطلقتا ما لا يُحصى من الأقمار الاصطناعية للطقس والمسح لتقديم معلومات مباشرة في الزمن الحقيقي حول الكوكب بأكمله. والكثير من هذه الأقمار الاصطناعية تحتل أماكن محددة في مدارات متزامنة ومدارات مستقرة، وتتحرك بشكل يرافق دوران الكوكب، بحيث تراقب نفس المنطقة طوال الوقت. وإذا ملأنا هذه المدارات الخاصة سنحصل على أسطوانة رقيقة تحيط بالكوكب، بحيث تُلقي ظلاً نحو الفضاء يختلف بقليل عن الظل الذي يلقيه الكوكب وحده عندما يعبر بين نجمه وبين مراقب ما (مثلنا نحن)، وعندما يمر هذا الظل على الأرض، فحينئذ يمكن للأقمار الاصطناعية المخصَّصة للبحث عن الكواكب (مثل كيبلر العجوز وتيس الذي ما زال في بداياته) أن يكشفا خفوت نجم بعيد بطريقة محددة.

وقد نشر سوكاس-نافارو عملية محاكاة أوَّلية في مجلة Astrophysical Journal في مارس، مبيِّناً كيف يمكن أن يبدو هذا الخفوت بالنسبة لتلسكوب حديث إذا كنا نشاهد كوكباً شبيهاً بالأرض على بعد حوالي 10 سنوات ضوئية. وقد استنتج أن حلقة أقمار اصطناعية مماثلة لما لدينا حالياً قد تكون مُشتِّتة إلى درجة تستحيل رؤيتها، ولكن كيبلر قادر على كشف حلقة أكثر كثافة بمليار مرة، وهو تغير جذري، ولكن تحقيقه ممكن خلال 200 سنة إذا تابعنا إطلاق الأقمار الاصطناعية نحو الفضاء بالوتيرة الحالية.

وبدأ الكثيرون يدرسون هذه التغيرات الضوئية النجمية بحثاً عن شيء مماثل، كوكب ذي حلقات طبيعية مثلاً، حيث يقول ماساتاكا أيزاوا (وهو طالب دراسات عليا في جامعة طوكيو، وقد عثر على نسيب محتمل لكوكب زحل في 2017): “إنه عبور صعب الكشف والتحديد، لأن الظل معقَّد الشكل”. ويتفق أيزاوا مع الفكرة القائلة بأن الخفوت الناتج عن حزام كثيف من الأقمار الاصطناعية يجب أن يكون فريد المنظر؛ حيث إن الحلقات الطبيعية تمتد نحو الخارج من منطقة خط الاستواء مثل قرص مسطح، في حين تشكل المدارات المتزامنة مع الكوكب شكلاً أشبه بالعلبة الأسطوانية من الشمال إلى الجنوب وذات جدران رقيقة إلى حد التلاشي (تبلغ سماكة جدراننا حالياً حوالي 137 متراً فقط)، ويلقي الشكلان الهندسيان ظلين متمايزين. ومع ذلك فهو يرى أن الاحتمال الذي يشير إليه البحث -وقد وصفه بالخيال العلمي- بعيدٌ للغاية، حيث يقول: “لقد رأيت تقريباً جميع منحنيات الخفوت في بيانات كيبلر، ولا يوجد أي دليل على شيء مماثل في دراستي”.

وسواء أكانت الكائنات الفضائية المحبة للأقمار الاصطناعية موجودة أم لا، فإن إجراء المزيد من عمليات المحاكاة الدقيقة للاختلافات في أنماط الخفوت ما بين الأقمار والحلقات وأسراب الأقمار الاصطناعية سيكون مفيداً للباحثين عن الكواكب الخارجية، كما يقول سوكاس-نافارو: “يجب أن نحرص على ألا نُسيء تفسير شيء مثير للاهتمام مثل الكائنات الفضائية، وألا نخلط بينها وبين حلقة طبيعية أو قمر طبيعي. ونحن إذا نظرنا بتمعن، فمن الممكن أن نرى الاختلاف”.

صحيح أن ورشة عمل الدلائل التكنولوجية كانت تركز على الرصد لا التواصل، إلا أن أفكار سوكاس-نافارو أيضاً تشير إلى استنتاج عام حول طبيعة الاتصال الأول ما بين البشر والكائنات الفضائية، فقد كانت مستقبِلاتنا وتلسكوباتنا الراديوية تحصر أصدقاءنا المحتملين بفئة أطلق عليها بمرح تسمية “الأخ الأكبر”، أي الحضارات ذات التقنيات عالية التطور، والقادرة على إنجازات هندسية من مستوى تحريك النجوم، غير أن عمليات المسح التي أُجريت مؤخراً بحثاً عن هذه “الهندسة النجمية” لم تكشف عن نتائج تستحق الذكر.

ومع ازدياد قدرة البشرية على إجراء عمليات رصد أكثر تطوراً، تزداد طبيعة الحضارات التي يمكن أن نكتشفها قرباً من طبيعتنا نحن، وتُعتبر حلقة الأقمار الاصطناعية لسوكاس-نافارو علامة حضارة متوسطة التقدم تزيد علينا ببضعة قرون فقط بدلاً من الألفيات، كما أنه ليس هو الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة؛ فقد اقترح آخرون البحث عن مرايا مدارية قادرة على تسخين أو تبريد كوكب، بنفس الطريقة التي ناقشناها نحن معشر البشر مؤخراً كحل محتمل لمشكلة التغير المناخي.

ولا يمكن أن تنطلق أية تجربة عقلية عن الحضارات الفضائية إلا من الحضارة الوحيدة التي نعرفها، وهي حضارتنا نحن، وبالمقارنة مع أخصائيي التكنولوجيا في الستينيات، نجد أن التغير المناخي قد أثقل الباحثين العصريين بفهم أكثر دقة حول تأثير التكنولوجيا وقدرتها على زعزعة الحضارة، كما يقول سوكاس-نافارو: “نحن نواجه مشاكل عالمية لم نتعرض إليها من قبل، مثل الاحترار العالمي، ولهذا يوجد حافز كبير على إطلاق مشاريع على مستوى عالمي”. وبناء على خبرتنا الحالية، فإنه ليس من المبالغ فيه كثيراً أن نتساءل عن كيفية مواجهة أية حضارات أخرى -في حال وجودها- لأية مشاكل مماثلة، وكيفية إيجاد حلول تكنولوجية لها.

وقد تطورت آلاتنا على مدى السنوات السبعين الماضية، منتقلةً من محاولة رصد حضارة تتحكم في النجوم إلى التحكم في كوكبنا فقط، ويتوقع سوكاس-نافارو أننا -في المستقبل القريب- سنقترب من مرحلة حاسمة عند الجمع ما بين الجيل الجديد من التلسكوبات وعلم البيولوجيا الفلكية، كما أخبر جمهوره -الذي جمع ما بين الفلكيين والآثاريين وعلماء الإنسان- في هيوستن: “لسنا بعيدين كثيراً عن هذا التحول، وسنتمكن في العقود القليلة المقبلة من رؤية أنفسنا على أبعاد فلكية، وبهذا نتحول نحن إلى الأخ الأكبر”.

وبما أن الأخ الأصغر قادر بسهولة على اكتشاف الأخ الأكبر، فإن الفرضية تشير إلى أن الاتصال سيتم ما بين حضارتين تفصل بينهما فجوة تقنية كبيرة، ولكن -من الناحية التاريخية- لم تنتهِ اللقاءات المماثلة ما بين الحضارات البشرية بشكل جيد بالنسبة للأخ الأصغر، غير أن سوكاس-نافارو يرى سبباً ممكناً للتفاؤل.

فبناء على خبرة البشرية مع التطور السريع، يتوقع الباحثون وجود ما يسمى “فلتر الاستدامة” الذي يمكن أن يمنع الأنواع الحية العنيفة من الوصول إلى النضج التقني؛ حيث إن التوسع المتواصل القائم على نزعات عدوانية قد يؤدي إلى استنفاد البيئة بسرعة، أو إطلاق انهيار كامل يعيد التكنولوجيا إلى نقطة الصفر، أو قد يؤدي إلى انقراض كامل.

وإن صراعنا الحالي في سبيل العثور على التوازن مع أنظمتنا البيئية يشير إلى أننا قد نواجه هذا الفلتر؛ حيث إن التغير المناخي يهدِّد بتحويل مساحات واسعة من الكوكب إلى أماكن غير صالحة للسكن بحلول نهاية القرن، وهي ضربة مباشرة قد تؤدي إلى شلل في التطور الاقتصادي والتقني، وحتى نتجاوز هذا العائق ونتوصَّل إلى طريقة تسمح لعشر مليارات من البشر بالعيش بشكل مريح ومستدام، يجب أن نشارك بفعالية في إدارة مناخ وموارد الكوكب، وإذا وصلنا إلى هذه المرحلة فسنتمكن من مواصلة إطلاق الأقمار الاصطناعية والبحث عن نشاطات تغيير الكواكب التي يمكن أن نراها عن بعد.

وبنفس المنطق، يمكن القول إننا إذا تمكنا من رؤية إنجازات حضارة ما عن بعيد، فمن المرجح أنها حضارة تُسهم بشكل فعال في رعاية كوكبها، يقول ساكوس-نافارو: “سيطبقون التغييرات على كوكبهم بنفس الطريقة التي يغير فيها البستاني من حديقته”.

وفي كونٍ كهذا، ستكون حوادث الاتصال الأول -في معظمها- ما بين بستانيين خبراء وبستانيين يعانون من حدائقهم التي تسودها الفوضى، ولا يمكن إلا أن نأمل في أن تكون نتيجة هذا اللقاء درساً قيِّماً في العناية بالحدائق.