مفاجأة علمية “صاعقة”: البرق على المشتري يشابه البرق على كوكبنا

تخيل فني لتوزع البرق في النصف الشمالي من المشتري، وهو عبارة عن صورة من جونوكام (كاميرا المركبة جونو) مع تعديلات فنية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من الصعب أن تجد في النظام الشمسي بيئة تناقض بيئة كوكبنا أكثر مما في المشتري. يتسع العملاق الغازي بحجمه الهائل لألف وثلاثمائة كوكب بحجم الأرض، ويعتبر من الناحية الفلكية الفيزيائية تجسيداً للفوضى والعشوائية، حيث يزخر غلافه الجوي بالأعاصير والأعاصير العكسية (أجل، هذه الأشياء موجودة، وهي عواصف دوامية يكون الضغط الجوي في وسطها أعلى من الأطراف، على عكس الأعاصير العادية، كما تدور بالاتجاه المعاكس)، وجميع أنواع العواصف الجهنمية. ولكنه يشترك مع الأرض في ميزة واحدة، وهي حب البرق. وبفضل النتائج التي حصلت عليها المركبة الفضائية جونو من ناسا، والتي وردت مؤخراً في دراستين جديدتين في مجلتي Nature و Nature Astronomy، أصبحنا نعرف أن البرق يضرب في الغلاف الجوي للمشتري بقدر ما يحدث على الأرض، وبنفس الطريقة تقريباً.

تقول شانون براون، عالمة في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في باسادينا، كاليفورنيا، والمؤلفة الأساسية للبحث المنشور في Nature: “توضح الدراستان توزعاً أكثر اكتمالاً للبرق على الكوكب من نقطة رصد فريدة في المدار القطبي للمشتري. لقد بيّنّا أن البرق يحدث بشكل متكرر، وفي المناطق القطبية على وجه الخصوص. كما وجدنا أثراً راديوياً مفقوداً عالي التردد للبرق”.

لقد عرفنا منذ فترة بوجود البرق على المشتري، فقد اكتشفت مركبة فوياجر 1 التابعة لناسا انبعاثات راديوية منخفضة التردد من الكوكب لأول مرة في مارس، 1979. واقترحت هذه الإشارات “الصافرة” وجود البرق، ومنذ ذلك الحين، قامت بعثات أخرى، مثل جاليليو وكاسيني، برصد أدلة مرئية على حدوث البرق بشكل متشتت على القسم الذي حل عليه الليل من الكوكب. ولكن تقول براون أن عمليات المسح هذه كانت محدودة، وأنه لم يتم رصد البرق أكثر من 100 مرة على مدى أكثر من 40 عام. إضافة إلى هذا، وعلى الرغم من أن البرق على الأرض يبث إشارات تمتد على قسم كبير من الطيف الترددي، فلم تستطع هذه البعثات إلا أن ترصد إشارات منخفضة التردد، أما الترددات العالية فكان كشفها صعباً، ما أعطى الانطباع بأن البرق على المشتري مختلف عن البرق على الأرض.

بدأت جونو بالدوران حول المشتري في يوليو، 2016، وتمكنت من سد هذا النقص في البيانات. تقول براون: “بما أن جونو تحلق على مسافة أقرب إلى البرق من البعثات السابقة بخمسين ضعفاً، فقد تمكنا من التقاط تلك الإشارات لأول مرة”. جمعت أداة التقاط الأمواج للمركبة 1,600 عملية رصد لضربات برق منخفضة التردد في الغلاف الجوي للمشتري، على حين أن أداة القياس الراديوي الميكروي سجلت 377 عملية تفريغ برقي في النطاقات الترددية المنخفضة والمرتفعة. وقد رصد الباحثون وتيرة البرق التي وصلت إلى أربع ضربات في الثانية، وضربة واحدة في الكيلومتر المربع سنوياً، بشكل يضاهي البرق على الأرض.

ترسم النتائج الجديدة صورة أفضل لتوزع ضربات البرق على المشتري، وهو ما يمكن أن يساعد العلماء على فهم دوران الغلاف الجوي، وتركيبه، وانتقال الطاقة عبر الكوكب.

ولكن الأمر الأهم هو أن بيانات البرق الجديدة تقدم لنا لمحة أفضل حول المكان الذي تتشكل فيه الغيوم المائية على المشتري، وكيف تغير وتخمد انتقال الحرارة عبر الكوكب. تقول براون: “يعتقد بأن البرق يتشكل في غيوم الحمل الحراري المائية”، حيث يتسبب الهواء الدافئ بظهور الشحنات الكهربائية في الماء وقطيرات الجليد، والتي تتفرغ لاحقاً في الضربات البرقية، “وبالتالي، يعتبر البرق أداة تتيح لنا رسم خريطة للنقل الحراري للرطوبة، وانتقال الطاقة المرافق لها عبر الكوكب”.

يعتبر هذا الفرق الأكبر في البرق بين الكوكبين. حيث تستمد الأرض معظم طاقتها من الشمس، وتتلقى المناطق الاستوائية أعلى شدة حرارية، حيث نشهد أيضاً أكبر معدل لضربات الصواعق الأرضية. أما المشتري فيشع من حرارته الداخلية ضعف ما يتلقاه من الشمس، ويتم إطلاق هذه الحرارة بشكل أساسي عن طريق المناطق القطبية، حيث حددت جونو وجود أغلبية الضربات البرقية. في الواقع، فإن البرق يغيب تماماً عن المنطقة الاستوائية في المشتري، كما هو غائب عن المناطق القطبية على الأرض. تقول إيفانا كولماسوفا، عالمة في الأكاديمية التشيكية للعلوم والمؤلفة الأساسية للبحث المنشور في Nature Astronomy: “يعني هذا أن شروط تشكل الغيوم الرعدية على المشتري والأرض قد تكون متباينة بشكل كبير”.

ما زال العمل في بداياته. تقول كولماسوفا: “هناك الكثير من الأسئلة التي تنتظر الإجابة”. لا يعرف الفريق سبب وجود بروق في النصف الشمالي من الكوكب أكثر بمرتين من النصف الجنوبي، أو لماذا لم تعثر جونو على أي شيء عند خط الاستواء. كما أن آلية شحن الغيوم الرعدية على المشتري ما زالت غامضة، وليس من المعروف ما هو حجم التيارات التي تتدفق عبر هذه القنوات البرقية: “ما زال هناك الكثير من الألغاز، وقد تساعدنا جونو على حل بعضها خلال العمليات المقبلة للاقتراب من المشتري، والتي يبلغ عددها أربعاً وثلاثين”. يبدو أن الفريق سيحظى بالكثير من الفرص للعثور على بعض الأجوبة.