مياه مكتشفة في كويكب «إيتوكاوا» قد تفسر أصل الحياة على الأرض

حقوق الصورة: kevin gill/flickr/CC BY 2.0
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ 9 أعوام، أحضر مسبار «هايابوسا» عينات من كويكب «إيتوكاوا»إلى الأرض، مدخلاً بذلك وكالة استكشاف الفضاء اليابانية «JAXA» التاريخ، إذ كانت المرة الأولى التي ينجح بها مسبار في الوصول إلى كويكب وجمع عينات من سطحه، والعودة بها إلى الأرض بحالة سليمة تتيح دراستها.

واليوم، ووفقاً للنتائج التي تم نشرها في مجلة «ساينس أدفانسيس»، فإن هذه العينات صنعت التاريخ مرة أخرى، حيث أنها تحتوي على الماء.

يقول «مايتراي بوس»، عالم الكيمياء الكونية في جامعة أريزونا الحكومية الذي أجرى الدراسة: «لم يتوقع أحد وجود آثار للماء في حبيبات الكويكب «إيتوكاوا». من المعروف أن الكويكب إيتوكاوا -أو بالأحرى الجسم الأكبر الذي نشأ عنه- قد تعرض لظروف شديدة أثناء طوافه في الفضاء، منها درجات حرارة تزيد عن 800 درجة مئوية، فضلاً عن تأثره بغيره من الصخور المتناثرة بالفضاء، فلم يبق أيّ أمل بالعثور على الماء.

يضيف بوس: «قبل الشروع في هذا العمل، أظهرت حساباتنا أنه من الممكن لحبيبات كويكب إيتوكاوا الاحتفاظ بالمياه الأصلية بالنسب الصحيحة عندما تشكل الكويكب». «هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها شخص ما بقياس الماء في هذا الكويكب».

وكويكب «إيتوكاوا» هو جسم صخري بعرض يقارب الـ 550 متراً، وطول يبلغ حوالي 300 متراً، يكمل دورةً حول الشمس كل 18 شهراً، وهو أبعد عنها أكثر بـ 1.3 مرة من بعد الأرض عن الشمس.

يمثل كويكب «إيتوكاوا» ما تبقى من كويكب أكبر بلغ عرضه نحو 22 كيلومتراً، قبل أن يتعرض لسلسلة تصادمات هائلة حطمته لمجموعة من القطع الضخمة، والتي التحم اثنان منها مشكلين الكويكب الحالي قبل ما يقارب 8 ملايين سنة.

كان هدف العالم «بوس» من بحثه دراسة الكيمياء الداخلية للأجسام الصغيرة التي تطوف النظام الشمسي، لفهم كيف تكتسب وتحافظ على وحدات بناء الحياة، فعلى حد تعبيره: «لقد وجدنا أنفسنا على سطح هذه النقطة الزرقاء الشاحبة: كوكب مليء بالماء، غني بالعضويات وداعم للحياة، وليس لدينا معرفة بوجود أي كوكب آخر مماثل، هدفي معرفة كيف تم ذلك»، إذ أن «بوس» مهتم على وجه الخصوص بفهم ما إذا كانت الكويكبات وغيرها من الصخور الصغيرة قادرة على إيصال الماء والمواد العضوية إلى عوالم مختلفة كانت لتظل قاحلة دونها.

هكذا، أقنع «بوس» وكالة «JAXA» أن تتيح 5 من حبيبات العينة الـ 1500 -كلّ من هذه الحبيبات بسمك الشعرة- للدراسة. كانت النتيجة هي أن اثنين من العينات تمتلك حبيبات من معدن البيروكسين، المعروف أنه معدن أرضي يضم الماء كجزء من بنيته الكريستالية، ولذا اعتقد «بوس» بإمكانية امتلاك البيروكسين المعثور عليه في الكويكب لآثار من الماء كذلك.

استخدم «بوس» في الدراسة مطياف كتليّة للأيونات معروف باسم «NanoSIMS» موجود في جامعته للعثور على أيّ آثار للماء مهما كانت صغيرة. يتميز هذا المطياف بقدرة نادرة على قياس حبيبات معدنية شديدة الضآلة بحساسية استثنائية. وقد تبين أن البيروكسين غني -بشكل مفاجئ- بالماء، إذ بلغت نسبة الماء 0.1%، وعلى الرغم أن هذه النسبة تبدو ضئيلة -حتى أن «بوس» يقول إنها بالمقارنة مع ما اعتدنا عليه على الأرض لا تذك- لكنها أفضل بكثير من المتوقع، إذ يجب أن نتذكر أنها كمية ماء مميزة لمعادن لا تمكن رؤيتها بالعين المجردة.

والأهم، أن هذه النتائج تجعل الباحثين يرفعون توقعاتهم كثيراً حول كمية الماء التي تحملها كويكبات جافة مثل «إيتوكاوا»، وتقترح أنه في حال كانت الظروف مثالية، فإن تصادمات كويكبات من هذا النوع بالأرض قد تكون مسئولة عما يقارب نصف مياه المحيطات، وأهمية ذلك أنه يدعم افتراض الكثيرين بأن أغلب ماء الأرض جاء من تصادمات كويكبية متكررة خلال مراحل أكثر فوضوية، لتشكل بذلك النظام الشمسي.

يقول «بوس»: «مصدر ماء كوكب الأرض وكواكب أخرى كالمريخ هو موضوع نقاشات حامية في مجتمع علم الكواكب، والسيناريو الأكثر شيوعاً هو أن الماء على الأرض جاء من كويكبات غنية بالماء من النظام الشمسي الخارجي خلال مختلف مراحل تشكل الكواكب. قد تكون أجسام الكويكبات الصغيرة في النظام الشمسي الداخلي مصدراً للماء للأرض وغيرها من الكواكب. ويمكنك النظر لهذه الأجسام الصغيرة على أنها وحدات البناء الرئيسية للكواكب، جالبةً المياه وغيرها من المواد، مثل المواد العضوية، إلى الكواكب».

نجاح هذه الدراسة يهيء بوس ومختبره للقيام بمزيد من الاكتشافات الكبيرة. تقترح التحاليل التي أجريت على معدن آخر يدعى الأوليفين أن هناك طرقاً أخرى للعثور على مخازن مخبئة من الماء ضمن كويكبات مثل «إيتوكاوا»، كما أن «بوس» وفريقه مهتمون بدراسات العينة التي سيتم الحصول عليها من كويكب «بينو» (من خلال مهمة ناسا «OSIRIS-Rex»، التي تسعى للعودة في العام 2023) والكويكب «رايوغو» (من خلال مهمة وكالة استكشاف الفضاء اليابانية «Hayabusa-2»، والتي تسعى للعودة في العام 2020)، ما يجعل هذه الاكتشافات الأخيرة تبدو كأنها مقدمة وحسب لسلسلة أبحاث جديدة تتناول الكويكبات والماء.