نجوم فائقة السرعة تستطيع الهروب من جاذبية مجراتها

النجوم السريعة
حقوق الصورة: كريستوفر رولر/ أنسبلاش.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قال إيرل سالزبوري وهو يتأمل المستقبل في مسرحية “ريتشارد الثاني” لشكسبير: “أرى مجدك مثل شهاب”.

خلال عصر النهضة الإنجليزي، اعتقد البشر أن الشهب كانت نجوماً تسقط من السماء وتنذر بالمصائب. لكن بحلول نهاية القرن التاسع عشر، توصل العلماء إلى أن الحقيقة أكثر دنيوية. ما يسمى اليوم عادة بالنجوم “الساقطة” أو “المسرعة” هي مجرد قطع صغيرة من الصخور أو الغبار تحترق بسرعة عند دخولها الغلاف الجوي للأرض.

لكن تحمل الطبيعة مفاجأة لنا، النجوم السريعة موجودة بالفعل.

أنا عالم فيزياء فلكية أدرس ميكانيك الأجرام السماوية، أي الطريقة التي تتحرك فيها أجرام مثل النجوم والكواكب والمجرات.

أكّد برنامج رصد فضائي ضخم من عام 2005 إلى عام 2014 يتضمن “مسح سلون الرقمي للسماء” والتلسكوبات في مرصد “فريد لورانس ويبل” وجود فئة جديدة من النجوم تتحرك بسرعة لا تصدق لدرجة أنها تتمكّن من الهروب من جاذبية مجراتها الأصلية.

بدأ علماء الفلك للتو في دراسة هذه النجوم، والتي تدعى “النجوم فائقة السرعة“، والتي تتحرك عبر الكون بسرعة ملايين الكيلومترات في الساعة.

اقرأ أيضاً: ما هو مفهوم حزام الكويكبات؟

النجوم الدوارة والمقاليع

بدأت قصة النجوم فائقة السرعة في عام 1988، عندما خطرت على بال “جاك غيلبرت هيلز”، المنظر في مختبرات لوس ألاموس الوطنية، فكرة ملهمة: ماذا سيحدث إذا كان النظام النجمي الثنائي (وهو يتألف من نجمين مرتبطين ببعضهما بعضاً بفعل الجاذبية ويدوران حول مركز كتلة مشترك) يتحرّك بالقرب من ثقب أسود عملاق في مركز مجرة درب التبانة؟ حسب هيلز أن القوة المديّة للثقب الأسود يمكن أن تمزق النظام الثنائي إلى قسمين.

تخيل متزلّجين على الجليد يمسكون بيديّ بعضهما بعضاً ويدوران حتى يفلتان عن بعضهما فجأة. سيطير المتزلجان بعيداً عن بعضهما بعضاً. بالمثل، عندما يُفصل نجمان في نظام نجمي ثنائي نتيجة التأثيرات الثقالية لثقب أسود، فإنهما سوف يتباعدان بسرعة. قد يكتسب أحد النجمين في مثل هذا الحدث طاقة كافية ليُقذف خارج المجرة بالكامل.

يعلم علماء الفلك الآن أن هذه هي الطريقة التي تتشكل بها النجوم فائقة السرعة.

النجوم السريعة
قُذف نجم فائق السرعة يدعى “إتش إي 0437-5439” انطلاقاً من مركز مجرة درب التبانة، وهو الآن يخوض رحلة في اتجاه واحد خارج المجرة. الرسم التوضيحي: وكالة ناسا، وكالة الفضاء الأوروبية وجي. بيكون.

اقرأ أيضاً: شاهد محاكاة لثقب أسود يلتهم النجوم

النظرية، والأرصاد، والمحاكيات

اعتبر مجتمع علم الفلك بعد نشر ورقة هيلز نافذة البصيرة أن وجود النجوم فائقة السرعة هو احتمال مثير للاهتمام، وإن لم يكن هناك أدلة مباشرة تثبت وجودها. لكن هذا تغيّر في عام 2005.

وجد فريق من الباحثين باستخدام “المرصد متعدد المرايا” في ولاية أريزونا أثناء رصدهم للنجوم في هالة مجرة درب التبانة أمراً غير متوقع على الإطلاق. رصد الباحثون نجماً يخرج من المجرة بسرعة تبلغ نحو 3.2 مليون كيلومتر في الساعة. هذا النجم اسمه “إتش في إس 1“، وهو أول نجم فائق السرعة تم اكتشافه.

نستطيع استنتاج بعض المعلومات من الأرصاد، لكن للإجابة عن أسئلة أخرى، مثل ما يحدث للنجم الثاني بعد أن ينفصل عن النجم فائق السرعة، لجأت مع مشرفي لاستخدام المحاكيات الحاسوبية. تتنبأ نماذجنا بأن النجم الآخر يستمر في الدوران حول الثقب الأسود، مثلما تدور الأرض حول الشمس.

النجوم السريعة
تستخدم المحاكيات الحاسوبية قوانين الفيزياء لاستنتاج أشكال مدارات ومسارات النجوم، ومن ضمنها النجوم فائقة السرعة. الرسم البياني: إل. كالكادا/موقع سبيس إنجينيرينغ.

تضمّنت بعض النتائج المثيرة الأخرى للنمذجة الحاسوبية هذه اكتشاف أن النجمين في النظام الثنائي قد يصطدمان ببعضهما البعض في بعض الأحيان. عندما يحدث هذا، قد يندمج النجمان ليشكلا نجماً واحداً ضخماً للغاية.

إذا كنت تتساءل ما الذي قد يصيب كوكب يدور حول أحد هذه النجوم، فقد استنتجنا ذلك من المحاكاة أيضاً. بيّنت مع زملائي في ورقة بحثية قصيرة من عام 2012 أن الثقب الأسود في مركز مجرتنا يمكن أن يقذف الكواكب خارج مجرة درب التبانة بسرعة تبلغ نسبة 5% تقريباً من سرعة الضوء.

لم يتم اكتشاف الكواكب فائقة السرعة بعد، لكنها قد تكون موجودة وتنتظر أن يعثر عليها علماء الفلك.

اقرأ أيضاً: 6 أخطاء شائعة يرتكبها مراقبو النجوم المبتدئون وكيفية تجنبها

لا تخرج كل النجوم فائقة السرعة من المجرة

اكتشفت أنا وزملائي باستخدام بيانات من المركبة الفضائية “غايا”، والتي أُطلقت في عام 2013، أن بعض النجوم التي كانت تعتبر نجوماً فائقة السرعة من قبل من المرجّح أن تبقى في مجرة درب التبانة.

في حين أن هذا قد يبدو مخيباً للآمال، إلا أنه يكشف في الواقع عن نقطتين هامتين. أولاً، هناك آليات مختلفة لتصل النجوم إلى سرعات عالية. اكتشف علماء الفلك اليوم آلاف النجوم السريعة. مع ذلك، مجرد أن النجم يتحرك بسرعة لا يجعله بالضرورة نجماً فائق السرعة مصيره الخروج من المجرة. ثانياً، قد تكون النجوم فائقة السرعة التي تتحرك خارج مجرة درب التبانة أكثر ندرة مما كان يُعتقد سابقاً.

النجوم السريعة
تساعد البيانات التي تجمّعها التلسكوبات الأرضية والفضائية مثل تلسكوب غايا علماء الفلك على معرفة المزيد عن جميع أنواع النجوم عالية السرعة. الرسم التوضيحي: وكالة الفضاء الأوروبية.

اقرأ أيضاً: كم عدد النجوم في الفضاء؟

مستقبل الاستكشاف مشرق

أعتقد أن وجود نجوم سريعة حقيقية هو أمر جميل. وما يدهشني بنفس القدر هو أن دراسة مساراتها وسرعاتها تساعد في الإجابة عن بعض أهم الأسئلة في العلم اليوم.

على سبيل المثال، يمكن للنجوم فائقة السرعة أن توفّر أدلة على طبيعة وتوزيع المادة المظلمة في الكون. قد تكون النجوم فائقة السرعة أيضاً مفتاحاً للإجابة عما إذا كان هناك أكثر من ثقب أسود في مركز مجرتنا.

يستخدم طلابي “القمر الصناعي العابر الماسح للكواكب الخارجية” التابع لوكالة ناسا للبحث عن كواكب تدور حول هذه النجوم السريعة للغاية. إن اكتشاف حتى كوكب واحد يدور حول نجم فائق السرعة سيغير إلى الأبد علم تشكّل الكواكب وقابليتها لاحتواء الحياة.

هذه النجوم سريعة، لكنها تسلط الضوء ببطء على أسرار الطبيعة. بينما قد لا تكون قادراً على رؤية نجوم سريعة حقيقية بأم عينيك، يمكنك أن تتأكد من أنها موجودة في الفضاء.