هذه قصة البشرية في الفضاء من الحرب الباردة إلى السينما

مصدر الصورة: ناسا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتسع الفضاء لكل شيء، لأساطير القدماء، وإلهام الشعراء، وتصورات الحضارات القديمة المختلفة عنه، بداية من استراق النظر إلى النجوم ومروراً برصد الشمس والقمر، والاهتداء إلى كروية الأرض، ووصولاً لغزوه في العصر الحديث، ومثلما احتضن الفضاء؛ الصراع على استعماره، لا يزال يتسع للمزيد من فضول البشر في تحقيق أقصى استفادة منه، والتي وصلت مؤخراً لاستوديوهات السينما.

بوصلة لمعرفة الاتجاهات وتقويماً للأيام 

يُقال أن البابليون هم أولى الحضارات التي رصدت حركة الشمس والقمر، كما أنهم أول من وثّق مرور مذنب «هالي» الشهير على صفائح الطين التي حُفظت لاحقاً في متحف لندن.

أما الإغريقيين، فقد أخدوا ذلك إلى مستوىً أخر، فكان العالم الإغريقي «إراتوستينس» أول من حسب محيط الأرض وميل محورها، ولم يخطئ إلا ببضعة أميال فقط نظراً لافتقار ذلك الزمن للتكنولوجيا المطلوبة، أيضاً كان العالم الإغريقي الشهير «فيثاغورس» أول من افترض كروية الأرض عندما رأى السفن تختفي عبر الأفق، واقترح أن حركات الكواكب والشمس والقمر يمكن حسابها بالأرقام.

ولم يفت الحضارة المصرية القديمة أن تنظر بدورها إلى الفضاء، بل رصدت النجوم، واعتمدت على المواقع الفلكية في بناء الأهرامات والمعابد، وأكبر مثال على ذلك هرم خوفو الذي يتبع حركة نجم الشمال الذي كان حينها نجم «ثوبان». وكذلك الساعة الحجرية «نبتة بلايا» التي تعتبر أول أداة للإخبار بالانقلاب الصيفي. وكان المصريون أول من وضعوا تقويماً يشبه الذي نستخدمه في يومنا هذا، مكوناً من 30 يوماً في الشهر الواحد و 365 يوماً في السنة المقسمة إلى 12 شهراً. لكن الفرق الوحيد هو أنه كان لديهم 10 أيام لكل أسبوع بواقع 3 أسابيع كل شهر.

أداة لإثبات التفوق السياسي 

مع الثورة الصناعية، وتطور التكنولوجيا المتاحة بين أيدي البشر، لم تعد دراسة الفضاء تقتصر على الرصد بالمناظير والتخمين، بل أصبح من الممكن بناء قواعد بيانات أرضية قابلة للتحديث متصلة لاسلكياً بمركبات أُرسلت لتستكشف ما هو في الأعلى عن كثب. 

حين نشبت الحرب الباردة بين الاتحاد السوڤييتي، والولايات المتحدة الأميركية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بدأ صراع ما سمّي بـ«سباق الفضاء»، أطلق السوڤييتين قمر «سبوتنيك» الصناعي، وهو أول قمرٍ صنعه البشر يدور في مدار الأرض عام 1957. ليأتي الرد بعدها بإطلاق الولايات المتحدة قمر «إكسبلورر 1» عام 1958 وإنشاء وكالة الفضاء الأميركية ناسا في العام ذاته.

اتخذ السوڤييتيين بعدها خطوةً أخرى بإرسال أول مسبار «لونا 2»، يحط على القمر عام 1961. ومن ثم إرسال يوري جاجارين، أول رجل يدور حول الأرض عام 1961، لم يتأخر رد الولايات المتحدة الأميركية، فكان رائد الفضاء جون جلين أول أميركي يدور في مدار الأرض مطلع عام 1962. وبعدها تم تكثيف الجهود الأميركية بوعدٍ من الرئيس الأميركي جون كينيدي حينها بوصول الأميركيين إلى القمر قبل نهاية العقد، وهذا ما حدث بالفعل، حين وطأت أقدام رائد الفضاء نيل أرمسترونج سطح القمر؛ كأول إنسان عام 1969.

ميدان للبحث عن حيوات أخرى

 

الأرض والزهرة توأمان
مصدر الصورة: ناسا/ مختبر الدفع النفاث

بدأ الأمر عندما طرح الباحثان «جوسيبي كوكوني» و «فيليب موريسون» في مقالٍ لهم في دورية نيتشر العلمية عام 1959؛ سؤالهم «أليس من المعقول أن تتشكل الحياة في الكواكب التي تدور حول نجوم تشبه شمسنا؟ ماذا لو كان هنالك حضارات ذكية خارجية تحاول التواصل معنا؟».

وبعد بضعة سنوات، التقى عالم الفلك «فرانك دريك» مع الباحثين السابقين وعدة علماء فلك آخرين لوضع معادلة ومتغيراتها اللازمة للتوصل إلى تخمين مستنير حول عدد الحضارات الذكية التي ربما تعيش في مجرتنا، وخلصوا إلى وضع معادلة سميت بـ«معادلة دريك»، والتي توصلت إلى نطاق من الاحتمالات يتراوح بين الألف إلى ما يقرب من المليار، وذلك بالاعتماد على معطيات للكميات القابلة للقياس مثل عدد المرات التي تتشكل فيها النجوم الشبيهة بالشمس وعدد الكواكب التي تدور حول تلك النجوم.

توالت الأبحاث المتعلقة بعدها، وأطلقت ناسا القمر الصناعي «تييس» عام 2018، وهو تلسكوب فضائي تابع لبرنامج ناسا الاستكشافي مصمم خصيصاً للبحث عن كواكب خارج المجموعة الشمسية تحمل مواصفات وخصائص حيوية تشبه تلك لدى كوكب الأرض، وكان أحدث الاكتشافات المتعلقة بالحياة الخارجية التي أعلن عنها في شهر سبتمبر/أيلول المنصرم عندما اكتشف العلماء دليلاً علمياً يشير إلى وجود شكل من أشكال الحياة على كوكب الزهرة.

تعزيز للاتصالات ووسيلة ربط العالم ببعضه 

بايدو 3: ستقدم الأقمار الاصطناعية من طراز بايدو 3 دقة عالية بالمقارنة مع الأقمار الاصطناعية الحالية في الصين.
مصدر الصورة: الأكاديمية الصينية للعلوم

قمر الاتصالات هو قمر صناعي يقوم بترحيل وتضخيم إشارات الاتصالات اللاسلكية عبر جهاز مرسل مستجيب؛ يقوم بإنشاء قناة اتصال بين جهاز إرسال المصدر وجهاز الاستقبال في مواقع مختلفة على الأرض.

بدأت الأقمار الصناعية لاختبار القوة الصاروخية وقوى الدفع لدى مطلقيها، لكن ذلك تغير مع قمر «إكو 1» الصناعي الذي أطلقته الولايات المتحدة الأميركية عام 1960 الذي كان أول قمر صناعي قادر على استقبال الإشارات الراديوية وإعادة توجيهها إلى نقاط استقبال مختلفة على سطح الأرض.

وفي عام 1964،  وقعت 11 دولة على ميثاق اتفاقية إنشاء «إنتيلسات»، وهي أول شبكة اتصالات فضائية عالمية مفتوحة. وتم تعيين شركة كومسات كأول مدير لها. بدأ النظام في تقديم خدمات الاتصال عبر الأقمار الصناعية عابرة الأطلسي في عام 1965 ليكون انطلاقة الشبكة الخلوية التي وصلت إلى جيلها الخامس اليوم.

وفي هذا السياق، تعمل شركة «سبيس إكس» الأميركية الآن على مشروع «ستارلينك»، وهو عبارة عن آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة التي تدور حول الأرض مزودةً الكوكب باتصال إنترنت مجاني فائق السرعة.

استوديو تصوير سينمائي ضخم! 

ستعتمد محطة أكسيوم على تراث محطة الفضاء الدولية، كما ستعتمد على المحطة نفسها -حرفياً- لأن الشركة تخطط للبدء ببناء محطتها وهي متصلة بمحطة الفضاء الدولية.
مصدر الصورة: أكسيوم سبيس

 

أعلن مدير وكالة ناسا للفضاء «جيم برايدنستاين» عبر تغريدة نشرها في مايو/أيار من العام الجاري عن خطة تعاون بين وكالة ناسا، والنجم العالمي توم كروز لتصوير فيلم في محطة الفضاء الدولية، وتم التأكيد على الحدث في سبتمبر/أيلول المنصرم من خلال تغريدة على الحساب الخاص بمكوك الفضاء ألماناك التابع لناسا. أن المشروع سيتم تنفيذه بالتعاون مع محطة الفضاء التجارية «أكسيوم» وشركة «سبيس إكس» الأميركية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ يبدو أن العالم سيشهد «سباق فضاء» جديد من نوع آخر بين النجوم وشركات الإنتاج. فقد أعلن عدد من أفراد طاقم العمل في سلسلة أفلام «فاست آند فيوريوس» أن نجم السلسلة «ڤين ديزل» متجه بمغامرته إلى الفضاء في الجزء التاسع من السلسلة الشهيرة المقرر عرضه في أبريل/نيسان من العام المقبل.

لن يُشبع فضول البشر، ولن تكون هذه آخر ضربات جنونهم في الفضاء، ومن يدري؟ فمن غير المستبعد أن تُفتح أبواباً للسياحة الفضائية في المستقبل، وأن تصبح جولات الفرق الغنائية بين الكواكب عوضاً عن جولاتها حول العالم فقط.