هل قمنا بالعثور على قارة ثامنة حقاً؟ وماذا يعني ذلك؟

يبدو كل هذا كقشرة واحدة متماسكة، ولكن الجيولوجيين يعرفون بوجود الكثير من البنى المخفية على الأرض
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أنا أتفهّم مشاعركم تماماً. فما زلنا جميعاً نشعر بالمرارة بشأن بلوتو. لقد أردناه أن يبقى كوكباً، وبالتالي سنتمسك بحقنا في أن نبقى غاضبين حتى آخر يوم في حياتنا. يغير العلماء من آرائهم بشكل دائم حول هذه التصنيفات والفئات، ويبدو هذا في بعض الأحيان بلا فائدة على الإطلاق. هل من المهم فعلاً أن نعتبر بلوتو كوكباً، أو أن هناك سبع أو ثماني قارات؟

أجل. إنه أمر مهم فعلاً.

 

تكمن المشكلة الحقيقية في هذه الحجة أنها مبنية على افتراض صحيح – أن كل التصنيفات كيفية – ومع هذا تؤدي إلى استنتاج خاطئ. صحيحٌ أن كافة التصنيفات كيفية بدون استثناء، ولكنها ليست عديمة الجدوى أو المعنى.

تتصف كل التصنيفات التي نستخدمها في حياتنا، بما في ذلك العلمية منها، بأنها كيفية، لأننا نحن من ابتكرها. وهي مجرد وسيلة لفهم العالم من حوالنا. حيث نسمي هذه الكائنات بالفقمات وتلك بأسود البحر، ونلاحظ أن النوعين متشابهان فيما بينهما، ولكنهما يختلفان جذرياً عن أي من أنواع الفيلة (بما في ذلك فيل البحر، ما قد يتسبب ببعض الارتباك). ومن ثم سنعبر عن هذا بقولنا إن هذه الأنواع من الفقمات تنتمي جميعاً إلى نفس الفصيلة العليا، على حين أن الفيلة ليست كذلك. وتعتبر أسماء وفصائل وأجناس الأنواع جميعا تصنيفات فرضناها على العالم الطبيعي حتى نتكلم عنه بشكل متسق. في الحقيقة، لا يوجد تعريف موحد للنوع، غير أن هذا لا يجعل فكرة النوع بلا معنى. وينطبق هذا أيضاً على القارات.

 

لقد كبرنا مع فكرة وجود سبع قارات. ويبدو الجميع حريصاً فجأة على هذه الفكرة، مع أنني واثق من أن الكثيرين لا يعرفون أسماءها جميعاً. حيث يقول بعض الجيولوجيين الآن أنه ربما كان هناك قارة ثامنة طوال هذا الوقت بدون أن ندرك وجودها. وهي قطعة من جنوب غرب المحيط الهادي حول نيوزيلندا وتحقق كل المعايير المتفق عليها عموماُ التي يجب أن تحققها القارة، وبالتالي ربما يجب أن نعتبرها قارة فعلاً. ويمكن أن نسميها زيلانديا.

 

ولكنني أتخيلك تصرخ في فضاء الإنترنت: “ومن يكترث لهذا؟” وتتابع: “كما تعرف، فلا توجد هيئة حاكمة تقرر منح صفة (قارة) أو نزعها على أي حال”، ما يثبت أنك تجشّمت عناء متابعة القراءة بعد العناوين الرئيسية للمقالات الصحفية عن هذا الموضوع ولو لمرة واحدة على الأقل. وأقولها بصراحة: أنت محق. فقد وضع الجيولوجيون بعض الخطوط العريضة حول الصفات المميزة للقارة، ولكن الموضوع يؤول إلى مسألة إجماع عام في ظل غياب تعريف محدد وواضح. وتنشأ المشكلة من افتراضنا مباشرة أن كل هذا الموضوع بلا جدوى، فقط لعدم وجود قاعدة واضحة وراسخة.

 

لا يغير توصيف زيلانديا كقارة شيئاً من تركيبها الجيولوجي الفعلي، ولكن الإقرار بكونها مستقلة قد يساعدنا على فهم كيفية تطور النباتات والحيوانات المحلية هناك. وتساعدنا طريقة تحرك القارات على تحديد النظام البيئي لهذه المناطق، إضافة إلى أننا قد نتعلم شيئاً جديداً حول كيفية تغير شكل القشرة القارية. قد لا تبدو هذه الأمور مثيرة للاهتمام بالنسبة إليك، ولكنها ليست كذلك فحسب بالنسبة لبعض الجيولوجيين (وعلماء البيئة وعلماء البيولوجيا التطورية)، بل إنها مهمة أيضاً.

 

ربما من الصحيح أيضاً أن مصطلح “قارة” لا يعني الكثير فعلياً. وكما يقول أحد الجيولوجيين، فهذا شيء مهم يجب أن يكون موضع نقاش. فإذا كنا غير قادرين على الاتفاق على ماهية القارة، فربما من الأفضل أن نمعن التفكير حول أهمية فكرة القارات. ربما يكون مصطلح “قارة” غير ذي فائدة. وربما لا يصنف مكونات قشرة أرضنا حسب أهميتها بشكل جيد. بل قد نكون حتى بحاجة إلى مصطلحات جديدة: مصطلح جيولوجي بحت، ومصطلح آخر جغرافي. وقد يكون التفكير بكيفية تصنيف أجزاء الأرض ممارسة مفيدة، فقط لأنه يدفعنا إلى التفكير بها وباختلافاتها.

 

Giraffes walking
بيكساباي ظن البيولوجيون، حتى وقت قريب، أن الزرافات لم تكن مقسمة إلى أنواع أساسية، بل أنواع فرعية. أما الآن، يعتقدون أنها مقسمة إلى أربع أنواع. وجميعها تتميز بعادات تزاوج غريبة للغاية…

لنأخذ لحظة ونفكر بالأنظمة العلمية التي تعلمنا عنها في المدرسة. البنى الخلوية، أنظمة الأعضاء الحيوية، الأسماء والتفاعلات الكيميائية، الأنظمة الكهربائية، أنواع الطعام… كلها كيفية. حيث نسمي بعض المواد الكيميائية “فينولات” وبعضها الآخر “ألكانات” لأنها تتميز ببنى مختلفة تجعلها تتفاعل بطرق معينة. ونسمي بعض الأشياء بالفواكه وأخرى بالخضار وغيرها بالمكسرات والبقوليات (يمكننا أن نتجادل إلى الأبد حول تصنيف الطماطم) ولكن، بعد كل شيء، فكل هذا مجرد نظام تصنيف ابتكرناه لأنه من المفيد أن نتكلم عن الغذاء باستخدام هذه المصطلحات. وإذا انعدمت هذه الفائدة، يجب أن نغير هذا التصنيف.

إن فعل التصنيف بحد ذاته يحمل معنى هاماً، لأنه يؤثر على كيفية تفكيرنا ودراستنا لهذه الفئات. فعندما يتجادل البيولوجيون حول ما إذا كان يمكن تقسيم نوع معين من الزرافات إلى نوعين متمايزين، فإن ما يتجادلون حوله فعلياً هو وجود اختلافات جوهرية بين هاتين المجموعتين. وعندما يمضي بعض الجيولوجيين عقداً من الزمن في نقاش حول وجود قارة ثامنة، فإن ما يقصدونه فعلياً وجود فائدة معينة في اعتبار هذه القطعة من اليابسة مستقلة ومنفصلة عن البقية. بالطبع، يمكن لجيولوجيين آخرين أن يكون لهم رأي مخالف، ولكن هذا النقاش مهم بحد ذاته.

من المفهوم أن يبدو كلُّ نقاشٍ منفردٍ مضيعة للوقت. نوع حي واحد أو اثنان، سبع قارات أو ثمان، ما أهمية هذه الأشياء؟ بشكل منفرد، قد لا تهم كثيراً. ولكن المحصلة النهائية لهذه النقاشات الصغيرة والتافهة هي نظام كامل من التفكير العلمي. قد لا يكون مهماً للغاية تسمية بعض الزرافات “شمالية” وبعضها الآخر “جنوبية”. ولكن على المدى البعيد، فإن طريقة تفكيرنا حول تصنيف الزرافات تحدد طريقة تفكيرنا حول تصنيف الحيوانات الأخرى وطريقة تفكيرنا حول بنية مملكة الحيوان ككل.
يمكنك أن تتأفّف قدر ما تشاء من هؤلاء العلماء غريبي الأطوار الذين يشوشون تفكيرك بتبديل التصنيفات. ولكن تبقى التصنيفات لها معنى، أما التذمر بشأنها لا طائل منه.