يبدو أن طفولة المشتري كانت صعبة

صورة للمشتري من المركبة الفضائية جونو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا شك في أن المشتري هو عملاق النظام الشمسي، ولكن العلماء اكتشفوا الآن احتمال أن يكون وابل الضربات المتكررة الذي تعرَّض له هذا الكوكب في بداياته قد أخَّر نموه لملايين السنين.

تبلغ كتلة المشتري حوالي 300 كتلة أرضية (أي 300 ضعف ملن كتلة الأرض)، وهو أكبر الكواكب التي تدور حول الشمس، وبالمقارنة مع زحل -وهو ثاني أكبر كواكب المجموعة الشمسية- فنجده يبلغ بكتلته فقط حوالي 95 كتلة أرضية. وتقترح الأبحاث السابقة أن المشتري ساعد على تشكيل أشقائه الأصغر حجماً، وذلك بقذف المواد الأساسية لبناء الكواكب في أرجاء النظام الشمسي بقوته الثقالية الهائلة، ولكننا ما نزال نجهل الكثير حول كيفية وصول المشتري نفسه إلى هذا الحجم؛ يقول عالم الفيزياء الفلكية جريجوري لوفلين من جامعة يال: “تُعد كتلة المشتري الضخمة -والوقت الذي احتاجه حتى يتشكَّل- تحدياً مستعصياً على العلماء منذ 50 سنة”.

وقد تعقدت قصة نمو المشتري بشكل إضافي عندما تم تحليل بعض النيازك في السنة الماضية؛ حيث تقترح النتائج أن نواة المشتري تضخَّمت بسرعة إلى حوالي 20 كتلة أرضية خلال مليون سنة بعد ولادة النظام الشمسي، ولكن النمو تباطأ بعد ذلك، فقد استغرقت مليونين إضافيين لجمع ما يكفي من المواد للوصول إلى 50 كتلة أرضية؛ يقول يان أليبرت (وهو فيزيائي فلكي في جامعة بيرن في سويسرا، والمؤلف الأساسي لدراسة نشرت هذا الأسبوع في مجلة Nature Astronomy): “لقد شعرنا بحيرة عميقة، فقد بدا لنا من خبرتنا أن من المستحيل لنواة بكتلة 20 كتلة أرضية أن تجمع الغاز بالبطء الذي تقترحه النتائج”.

ولحل هذا اللغز استخدم العلماء أحدث النماذج الحاسوبية لتشكُّل الكواكب؛ وذلك لمحاكاة كيفية نشوء المشتري من الغازات والغبار والحصيات الصغيرة التي لا تتجاوز أبعادها السنتيمترات، إضافة إلى الكتل الأكبر المعروفة باسم الكواكب المصغرة، والتي يتراوح حجمها ما بين بضعة كيلومترات إلى مئات الكيلومترات. ويقترح النموذج المعياري لتشكُّل الكوكب العملاق أن الكواكب المصغرة تمثل بذرة أولية تتكتل حولها الصخور، ثم تبدأ هذه البذرة -بعد أن تتخطى الكتلة الحرجة- اجتذاب الغازات بسرعة، وتتضخم متحولة إلى عملاق غازي.

 

مراحل نمو المشتري منذ بداية النظام الشمسي حتى 3 ملايين سنة بعد بداية النظام الشمسي؛ والأجسام الزرقاء في الصورة هي حصيات، أما الحمراء فهي كواكب مصغرة.
مصدر الصورة: جامعة يونيبي

وتقسم النتائج الجديدة نمو المشتري إلى عدة مراحل؛ ففي البداية تكتَّلت الحصيات بسرعة حول الكوكب المصغر، حتى وصلت كتلته إلى حوالي 20 كتلة أرضية خلال مليون سنة، وبعد ذلك تعرضت النواة الكوكبية إلى وابل من الكواكب المصغرة الأكبر حجماً؛ فزادت إلى 50 كتلة أرضية خلال مليوني سنة بعد المرحلة الأولى.

أما الاكتشاف الهام في هذا البحث الجديد هو أن التصادمات من الكواكب المصغَّرة أطلقت -كما يُفترض- كميات هائلة من الحرارة، مما منع المشتري اليافع من تجميع كميات كبيرة من الغاز، برغم الجذب الثقالي الكبير الذي كان يتمتع به نتيجة كتلته البالغة 20 كتلة أرضية.

تقول جوليا فينتوريني (وهي مؤلفة مشاركة في الدراسة، وفيزيائية فلكية في جامعة زيورخ في سويسرا): “إن القدرة على تجميع الغاز لا تعتمد فقط على الثقالة، بل على قدرة الغلاف الجوي على التبرُّد والتقلص؛ حيث يسمح هذا التبرد والتقلص بدخول المزيد من الغازات مجالَ التأثير الثقالي للكوكب، وبالتالي يسمح للمزيد من الغازات أن تتراكم في غلافه الجوي، فإذا تعرض هذا الغلاف الجوي للتسخين، فسيستغرق تبرده وقتاً أطول بكثير”، ولولا هذه الحرارة لاستغرق النمو من 20 إلى 50 كتلة أرضية بضع عشرات أو مئات من السنوات، “لا مليوني سنة” كما يقول أليبرت.

وبمجرد أن تبرَّد المشتري إلى حد كافٍ، تجمَّع الغاز حوله بسرعةٍ أدت إلى وصوله إلى حجمه الحالي بكتلة أكبر من 300 كتلة أرضية؛ تقول فينتوريني: “إن الحرارة التي سبَّبتها الكواكب المصغرة كانت عاملاً حاسماً في تأخير تجمع الغاز، وهي توافق الجداول الزمنية التي تعبر عنها النيازك”.

يقول لوفلين الذي لم يشارك في هذه الدراسة: “إن هذه النتائج تخبرنا بقصة معقولة ومتسقة. من الممكن -نعم- ألا نراها حاسمة فيما يتعلق بتشكل المشتري، وقد لا نصل إلى نتائج حاسمة على الإطلاق، ولكنها خطوة في الاتجاه الصحيح”.

كما يقول أليبرت إن من الممكن للأبحاث اللاحقة أن تدرس كيف يمكن أن يؤثر نموذج تشكل المشتري هذا على تشكل كواكب أخرى في النظام الشمسي، ويضيف أن من الممكن أيضاً أن تدرس كيف يمكن أن يساعد هذا النموذج على تفسير تشكل الكواكب خارج النظام الشمسي.