مجرة صغيرة كادت تصطدم بدرب التبانة

تخيل فني لسرعات النجوم التي تتعرض للسحب في درب التبانة.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو أن تاريخ مجرتنا كان عصيباً أكثر مما كنا نعتقد؛ ففي بحث جديد نُشر مؤخراً في مجلة Nature، وجد الفلكيون أن مجرة درب التبانة كانت قد أوشكت منذ مئات ملايين السنين على التعرُّض لحادث تصادم، مما أدى إلى اختلال حركة ملايين النجوم في قرصها.

تبدو لنا درب التبانة هنا على الأرض شريطاً من النجوم اللامعة في سماء الليل، غير أن شكلها الفعلي عبارة عن لولب معقَّد الشكل، تمتدُّ أذرعه المنحنية على شكل قرص يحيط بمركز منتفخ، وتقع أغلبية نجوم المجرة في القرص لا في المركز، وقد كان الفلكيون يفترضون عموماً أن نجوم القرص تتحرك بطريقة متناظرة ومملة نسبياً حول قلب المجرة، بعد أن استقرت في حالة توازن على مدى 13 مليار سنة بعد ولادتها.

ويعمل مرصد جايا الفضائي -التابع لوكالة الفضاء الأوروبية- على تشكيل خريطة ثلاثية الأبعاد لأكثر من مليار نجم في المجرة بدقة غير مسبوقة؛ وذلك من أجل الحصول على المزيد من المعلومات حول أصل درب التبانة وتطورها وبنيتها، وقد ركز العلماء في دراسة جديدة على مواضع ستة ملايين نجم وسرعاتها.

واكتشف الباحثون -بشكل غير متوقع- نمطاً شبيهاً بقوقعة الحلزون في حركة هذه النجوم؛ ففي حين تتحرك النجوم الأخرى في المجرة بشكل رزين ومتَّزن، نجد أن هذه النجوم قد تعرضت إلى اختلال حركي، تماماً مثل ذرات غبار في هبَّة هواء مفاجئة؛ تقول تيريزا أنتويا (المؤلفة الأساسية للدراسة، وهي فلكية فيزيائية في جامعة برشلونة في إسبانيا): “اعتقدنا في البداية أن هناك مشكلة في البيانات، ولهذا أمضينا فترة من الوقت نتحقق من دقتها”.

ولم تتمكن الدراسات السابقة من التقاط هذا النمط لأنها كانت تقوم على رصد عدد أصغر من النجوم بمقدار أقل من الدقة؛ تقول كاثرين جونستون (الفلكية الفيزيائية في جامعة كولومبيا، والتي لم تشترك في هذا البحث): “على الرغم من أن النتائج مذهلة، إلا أن هذا التأثير المكتشف ضعيف للغاية، ولكن مجرد قدرتنا على رصد أي شيء بهذه الدقة يعتبر شاهداً على روعة بيانات جايا”.

وتشير النتائج الجديدة إلى أن هذا النمط بدأ منذ 300 إلى 900 مليون عام، في نفس الوقت الذي ذكرت الأدبيات العلمية المنشورة سابقاً أن درب التبانة كادت فيه أن تتصادم مع مجرة ساجيتاريوس القزمة التي كانت تدور حولها؛ تقول أنتويا: “يمكن لنا -بدراسة سرعات النجوم التي قِسناها حالياً- أن نعود إلى ماضي المجرة ونرى الاضطراب الحادث فيها بوضوح”.

وتحتوي مجرة ساجيتاريوس القزمة على بضعة عشرات من الملايين من النجوم، (ونذكر -للمقارنة- أن درب التبانة تحتوي على حوالي 100 إلى 400 مليار نجم)، وهي تتعرض حالياً لافتراس ممنهج من قِبل مجرتنا، ومن المرجح أن آخر عبور لها قرب درب التبانة أدى إلى تعرض نجوم مجرتنا لجذب ثقالي وجيز؛ تقول أنتويا: “لدينا مؤشرات سابقة على تأثير المجرات القزمة التي تدور حول مجرتنا عليها، ولكنني أعتقد أن هذا هو الدليل الأوضح حتى الآن، وهو يشير إلى أن هذا التأثير قد يكون قوياً للغاية”.

وتضيف جونستون: “عادة ما نميل إلى اعتقاد أن مجرتنا تتمتع بتاريخ هادئ نسبياً، ولكن هذه النتائج تُظهر لنا المزيد عن تاريخ تفاعلاتها مع الوسط المحيط، وهو ما قد يساعدنا على فهم المجرات عموماً بطريقة أفضل”.

ومع ذلك فما زلنا نجهل الكثير حول هذا الحادث الوشيك؛ تقول أنتويا: “لا نعرف أي أجزاء مجرتنا التي تعرَّضت لأكبر تأثير، كما أننا لا نعرف ما إذا كانت الشمس -على وجه الخصوص- قد تعرضت له أيضاً أم لا”.

ويرى لورنس ويدرو (الفلكي الفيزيائي من جامعة كوينز في كينجستون بكندا، والذي لم يشارك في هذه الدراسة) أن من الممكن للأبحاث اللاحقة حول هذا النمط الحلزوني أن تساعد في إلقاء الضوء على بعض الخواص المخفية لمجرتنا. فمن المفترض -على سبيل المثال- أن يتطور هذا النمط الحلزوني مع الزمن؛ بحيث يزداد التفافاً في المستقبل، ويمكن بدراسة وتيرة التفاف هذا الحلزون أن نكتشف بعض الأمور حول الحقل الثقالي لدرب التبانة، وهو ما يمكن أن يساعد بدوره على التوصل إلى المزيد من المعلومات حول كتلتها، وبالتالي نعرف بعض التفاصيل حول طبيعة الهالة غير المرئية للمادة المظلمة، وذلك كما يقول ويدرو.