في 15 مليون سنة: هكذا انتقلت الديناصورات إلى جرينلاند

الديناصورات
shutterstock.com/Orla
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ظهرت ديناصورات «أشباه الصوروبوديَّات» أو شبيهات سحليات الأرجل؛ وهي ديناصورات عاشبة طويلة العُنق رباعيَّة الحركة، في أميركا الجنوبية منذ حوالي 230 مليون سنة، ولكن على الرغم من أنها كانت تعيش على القارة العملاقة «بانجيا»؛ قبل أن تنفصل إلى القارات الست التي نعرفها اليوم، فقد استغرق الأمر 15 مليون سنة لتصل إلى جرينلاند، في الوقت الذي كان ينبغي أن يستغرق 20 عاماً فقط. وبقي علماء الحفريات يتساءلون عن سبب التأخر الكبير بين ظهور هذه الديناصورات لأول مرة في الأرجنتين والبرازيل وظهورها في جرينلاند.

فجوة زمنية تم ملؤها

اقترح بحثٌ جديد أجراه باحثون من جامعة كولومبيا الأميركية أن ظاهرةً مناخيةً حصلت للأرض وسمحت لتلك المخلوقات بإكمال رحلتها. حيث تعرض غلاف الأرض الجوي لانخفاضٍ هائل في ثاني أكسيد الكربون  في الوقت الذي هاجرت فيه تلك الديناصورات قبل 214 مليون سنة.

من الممكن أن ظروف ثاني أكسيد الكربون المرتفعة جعلت المناطق الواقعة شمال أميركا الجنوبية جافة جداً، مما قد يكون دعم تحركات الديناصورات الكبيرة، والتي كانت محبوسةً في المناطق معتدلة الحرارة. ولكن بمجرد أن تغير المناخ، تمكنت الديناصورات طويلة العنق من قطع مسافة الـ6500 ميل.

قال «دينيس كينت»، عالم أبحاث مساعد في مرصد «لامونت دوهرتي» الأرضيّ بجامعة كولومبيا: «من حيث المبدأ، كان من الممكن أن تسير الديناصورات من قطب إلى آخر تقريباً .إذ لم يكن هناك محيط بينهما. ولم تكن هناك جبال كبيرة. ومع ذلك، فقد استغرق الأمر 15 مليون سنة. يبدو الأمر كما لو أن الحلزونات يمكنها فعل ذلك بشكل أسرع».

تشير التقديرات السابقة إلى أن تلك الحيوانات العاشبة ذات العنق الطويل وصلت إلى جرينلاند في وقت ما بين 225 مليون و 205 مليون سنة. ونظراً لأن الحفريات تُظهر أنها ظهرت لأول مرة في أمريكا الجنوبية منذ حوالي 230 مليون سنة، لم يكن الخبراء متأكدين من موعد قيام الديناصورات بالرحلة ولماذا استغرقت هذه الرحلة الطويلة.

قام الباحثون بتحليل الأنماط المغناطيسية القديمة في طبقات الصخور في مواقع الحفريات في جميع أنحاء أميركا الجنوبية وأريزونا ونيو جيرسي وأوروبا وغرينلاند لتضييق البحث عن تاريخ أكثر دقة. وعندما أظهرت النتائج أن تلك الديناصورات ظهرت في ما يعرف الآن بجرينلاند منذ حوالي 214 مليون سنة، نظر الفريق إلى المناخ خلال هذه الفترة الزمنية، ووجد أن الأرض كانت تعاني من انخفاض حاد في مستوى في ثاني أكسيد الكربون.

على الرغم من أن توقيت هذين الحدثين -هبوط ثاني أكسيد الكربون وهجرة الديناصورات- يمكن أن يكون مجرد صدفة، يعتقد الباحثون أنهما قد يكونان مرتبطين. إذ يقترحون في ورقتهم البحثية أن المستويات المعتدلة من ثاني أكسيد الكربون ربما تكون قد ساعدت في إزالة الحواجز المناخية التي ربما تكون قد حاصرت الديناصورات في أمريكا الجنوبية.

أقوى الكائنات لا تستطيع التكيف مع تغير المناخ

wsمصدر الصورة: دوغلاس هندرسونحتى ما يقرب من 215 مليون سنة مضت، شهدت فترة العصر الترياسي ارتفاعاً كبيراً في مستويات ثاني أكسيد الكربون عند حوالي 4000 جزء في المليون -أي حوالي 10 مرات أعلى من اليوم-. ولكن بين 215 و 212 مليون سنة، انخفض تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى النصف، لينخفض ​​إلى حوالي 2000 جزء في المليون.

يقترح الباحثون في دراستهم أن المستويات المعتدلة من ثاني أكسيد الكربون ربما تكون قد ساعدت في إزالة الحواجز المناخية التي ربما تكون قد حبست تلك الديناصورات في أميركا الجنوبية. إذ أنه من المعروف أن المناطق المحيطة بخط الاستواء تكون حارة ورطبة، بينما تميل المناطق المجاورة لخطوط العرض المنخفضة إلى أن تكون جافة جداً.

وفي كوكبٍ مليء بغاز ثاني أكسيد الكربون مثل الأرض، قد تكون الاختلافات بين تلك المناطق المناخية شديدة، وربما تكون شديدة للغاية بحيث يتعذر على الديناصورات عبورها. ومع ارتفاع ثاني أكسيد الكربون، يصبح الجفاف أكثر جفافاً والرطوبة أكثر رطوبة.

يلاحظ الباحثون أنه قبل 230 مليون سنة، من الممكن أن المستويات المرتفعة من ثاني أكسيد الكربون جعلت مناطق معينة جافة جداً للديناصورات الضخمة، إلى جانب تناقص الغطاء النباتي الذي تحتاجه للبقاء على قيد الحياة. ومع ذلك، نظراً لأن مثل هذه الظروف تسبب طقساً ماطراً ورياحاً موسمية في المناطق المدارية، لم تتمكن الديناصورات من السفر بعيداً عن مناطقها المعتدلة.

ولكن عندما انخفضت المستويات قبل 215 مليوناً إلى 212 مليون عام، ربما تكون قد حولت المناطق الاستوائية إلى مناطق أكثر اعتدالاً وأصبحت المناطق الجافة أقل جفافاً. مما سمح لتلك الحيوانات بسلك ممراتٍ على طول رحلة 6500 ميل إلى جرينلاند، حيث توجد حفرياتها الآن بكثرة.

في ذلك الوقت، كانت جرينلاند تتمتع بمناخ معتدل مشابه لمناخ ولاية نيويورك اليوم، ولكن مع فصول شتاء أكثر اعتدالًا، ذلك لأنه لم تكن هناك صفائح جليدية قطبية في ذلك الوقت. وبمجرد وصولها إلى جرينلاند، بدا أنها استقرت فيها.