رحلة قصيرة إلى مجتمع الحيتان في نصف الكرة الأرضية الجنوبي

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد ما يقرب العقد من جهود العلماء حول العالم، أصدرت أخيراً سلسلة الجينوم الخاص بالحوت الصائب الجنوبي. مما يعطينا نظرة أعمق على تاريخ جماعات الحيتان في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، وعلى طرق تعافيها (ازدياد أعدادها).

قُتل ما يصل إلى 150000 حوت صائب جنوبي بين سنتي 1790 و1980. وهذا دفع التعداد العالمي الحيتان للانخفاض من ما يعتقد أنه كان يساوي 100000 إلى 500 حوت في عام 1920. وبعد قرن، يُقدر عدد الحيتان الصائبة الجنوبية بـ 12000 حوت حول العالم. وهذه قصة بقاء ناجحة جديرة بالملاحظة، لكنه بقاءٌ يواجه تحديات جديدة.

يمثل الجينوم الخاص بكل نوع سجلاً بالحوادث التي واجهها هذا النوع. وباستخدام النماذج الرياضية الإحصائية، يمكننا استخدام المعلومات الموجودة في الجينوم لكشف المسارات التاريخية للجماعات، وأنماط تفاعل الأنواع وتباعدها.

يمكننا بعد ذلك أن نربط المعلومات بالمواطن التاريخية وأنماط المناخ. هذه النظرة إلى الماضي توفر لنا بصيرة حول الطريقة التي يمكن أن تتجاوب فيها الأنواع مع التغيرات المستقبلية. وهذا ما بينته الأبحاث على البطاريق والدبب القطبية.

ولكن بتنا نملك أيضاً وجهة نظر قصيرة الأمد جديدة ومفاجأة تتعلق بجماعات الحيتان التي تتوالد في مجموعة جزر أوكلاند القريبة من القطب الجنوبي، والتي اسمها ماونجاهوكا التي تقع على بعد 450 كم من نيوزيلندا.

التجسس على الحيتان باستخدام الأقمار الصناعية

كانت الحيتان الصائبة الجنوبية (والتي تدعى توهورا في نيوزيلندا) تمضي فترة الشتاء في خلجان وأخوار جزر أوتياروا الشمالية والجنوبية، حيث كانت تنجب أطفالها وتخالط بعضها اجتماعياً. اليوم، مناطق الحضانة الوحيدة لجماعات هذا النوع تقع في بورت روس، في جزر أوكلاند.

تخالط الحيتان البالغة بعضها اجتماعياً في كل من جزر أوكلاند وكامبل خلال الشتاء في نصف الكرة الجنوبي. وتعتبر هذه الجزر دولياً مناطق مهمة للثدييات البحرية.

في شهر أغسطس/ آب الماضي، قدت بعثة استكشافية من جامعة أوكلاند ومعهد كوثرون إلى جزر أوكلاند. وجمعنا عينات جلدية صغيرة بهدف تحليلها جينياً وكيميائياً، ووضعنا علامات تعقب عبر الأقمار الصناعية على 6 حيتان. هذه العلامات سمحت لنا بتعقب هجرات الحيتان إلى مناطق التغذي البحرية.

يهمنا أين تتغذى هذه الحيتان وكيف تتعافى جماعاتها من عمليات الصيد، لأن هذا النوع يعتبر من الأنواع التي تُنذر حالتها بتأثير التغيرات المناخية عبر نصف الكرة الجنوبي. هذه الحيتان تستخدم خلال مواسم التكاثر موارد مُخزنة قبل التكاثر. إذ أنها تصوم خلال مواسم التكاثر في المناطق التي تمضي الشتاء فيها مثل جزر أوكلاند، وتعتاش على مخزونها من الدهون التي جمّعتها في مناطق التغذي.

تحتاج إناث الحوت الصائب الجنوبي أن تخزن الكثير لأن عجولها تستهلك الكثير من الطاقة. إذ أن هذه الأخيرة تولد بطول 3.6 إلى 4.6 متر تقريباً، ويمكن أن تنمو بمعدل متر واحد شهرياً. هذا الاستثمار يكلف الأم 25% من حجمها خلال البضعة أشهر الأولى من حياة عجلها. وليس من الغريب أن نمو العجل يعتمد على كون الأم بحالة جيدة.

يمكن أن تتكاثر الإناث مجدداً بعد أن تكتسب المخزون الكافي من الدهون. تبين الدراسات الخاصة بجنوب المحيط الأطلسي أن مناطق التشتية في البرازيل والأرجنتين تنتج عدداً أكبر من العجلان عندما تكون الفرائس أكثر وفرة، أو عندما تبين الظروف البيئية أن الفرائس أكثر وفرة.

أول خطوة في فهم العلاقة بين تعافي جماعات الحيتان والفرائس في نيوزيلندا؛ هي تحديد مواقع تغذي الحيتان ونوع غذائها. مناطق التغذية المحتملة بالنسبة إلى جماعة الحيتان التي درسناها في نيوزيلندا قد تغطي حوالي ثلث المحيط الجنوبي. ولهذا لجأنا إلى تقنيات مثل الأقمار الصناعية لتساعدنا في معرفة الأماكن التي تذهب إليها الحيتان وكيف تذهب إليها.

أين تذهب الحيتان؟

حتى الآن، كل الحيتان التي تتبّعناها هاجرت غرباً مبتعدة عن مناطق صيد الحيتان التقليدية الشرقية القريبة من جزر تشاتام. وبينما تركت الحيتان جزر أوكلاند، زار حوتان جزراً محيطية (قاما بالالتفاف حول جزيرة ماكواري وبزيارة جزيرة كامبل).

ويبدو أيضاً أن أحد الحيتان (إما بِل أو وايرمو، والذي اكتشف الباحثون أنه ذكر عن طريق تحليل جيني لعينة جلدية منه) قد وصل إلى منطقة التغذية خاصته، والتي تقع غالباً عند منطقة التقارب شبه الاستوائي. يكشف نمط التحرك ما يفعل الحوت، إذ بدلاً من الخط المستقيم غير المنقطع الذي تتبعه الحيتان أثناء هجراتها، يتبع هذا الحوت مساراً يبيّن أنه وجد جماعات متفرقة من الفرائس.

منطقة التقارب شبه الأستوائي هي منطقة من المحيط يمكن أن تتغير فيها درجات الحرارة والملوحة بسرعة. وهذا يسبب تجمع فرائس الحيتان. زار حوتان تتبعانهما قبالة سواحل جزر أوكلاند في 2009 منطقة التقارب شبه الأستوائي، على بعد مئات الكيلومترات شرقاً من موقع الحوت «بل» الحالي.

منطقة التقارب شبه الأستوائي هي منطقة من المحيط يمكن أن تتغير فيها درجات الحرارة والملوحة بسرعة. وهذا يسبب تجمع فرائس الحيتان. زار حوتان تتبعانهما قبالة سواحل جزر أوكلاند في 2009 منطقة التقارب شبه الأستوائي، على بعد مئات الكيلومترات شرقاً من موقع الحوت «بل» الحالي.

أثناء هجرة بل ورفاقه، بدأنا بتحليل البيانات التي ستعطينا معلومات حول تعافي جماعات الحيتان الصائبة الجنوبية خلال العقد الأخير. أحدث تقدير لحجم الجماعة لدينا هو من سنة 2009. وحينها كان هناك حوالي 2000 حوت.

أنا استخدم العلامات الجينية لأتعلم عن علاقات الحيتان القريبة، وبذلك، سأتعلم عن حجم الجماعات ومعدلات نموها. فكر بالموضوع كالتالي، كل شخص لديه والدين، وإذا كنت تدرس جماعة صغيرة، مثل بلدة صغيرة مثلاً، فمن المرجح أن تجد هذين الوالدين أكثر من لو كنت تدرس جماعة كبيرة، مثل مدينة.

هذه الحيلة الإحصائية تدعى بمقاربة «الأنساب القريبون» لتقدير حجم جماعة. وهي تعتمد على وجود فهم مفصل للعلاقات القريبة للحيتان. وهو أمر أصبحنا قادرين على فعله مؤخراً باستخدام تقنيات سلسلة الجينوم.

جهود عالمية لفهم آثار التغيرات المناخية

عالمياً، تكاثرت الحيتان الصائبة الجنوبية في في جنوب أفريقيا والأرجنتين بتواتر أقل خلال العقد الأخير. مما أدى إلى انخفاض معدل النمو في الأرجنتين.

القلق حول تباطؤ تعافي جماعات الحيتان دفع الباحثين من جميع أنحاء العالم ليعملوا معاً بهدف فهم العلاقة بين التغير المناخي، وتأثير البيئة على عملية البحث عن الطعام، وتعافي جماعات الحوت الصائب الجنوبي. وذلك كجزء من شراكة أبحاث المحيط الجنوبي الخاصة باللجنة الدولية لصيد الحيتان.

يساعدنا الجينوم عن طريق منحنا النظرة الواسعة لكيفية تجاوب الحيتان للتقلبات المناخية في الماضي. بينما التعقب عن طريق الأقمار الصناعية يعطينا نظرة عن كيفية تجاوبها على المستوى اليومي. وكلا الطريقتين تساعدان في فهم مستقبل هذه الكائنات المذهلة.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً