لماذا تتمتع الصراصير بقدرة هائلة على الصمود في أقسى البيئات؟

4 دقيقة
لماذا تتمتع الصراصير بقدرة هائلة على الصمود؟
الصراصير ضرورية للغابات المطيرة ويمكن أن تؤدي دوراً مهماً في النظم البيئية خارج مطبخك. حقوق الصورة: CSA Images via Getty Images

حظى الصراصير ببعض من أسوأ العلاقات العامة في مملكة الحيوان. وإذا كان لديها مسؤول أفضل للعلاقات العامة، يمكن أن تكون قصتها قصة حشرة قوية نجحت في الازدهار عبر القارات كلها باستثناء القارة القطبية الجنوبية. كان الناس سيتحدثون عن التنوع المذهل لأنواع الصراصير البالغ عددها 4,600 نوع من الصراصير وطقوسها السلوكية وأنماطها الاجتماعية المعقدة. لكن بدلاً من ذلك، تصدرت عناوين الصحف بضع عشرات من أنواع الصراصير التي تتفاعل مع الموائل البشرية. فقد أصبحت الصراصير كلمة مرادفة للقذارة والأوساخ، حيث يكمن معظم معرفتنا بهذه الحشرات في كيفية القضاء عليها في منازلنا.

ما الذي يجعل الصراصير ناجحة إلى هذا الحد، ولماذا تظل الغالبية العظمى من هذه الحشرات التي يُقدر عددها بالمليارات لغزاً غامضاً أمام العلم؟

ما الذي يجعل الصراصير ناجحة في التكيف مع مختلف البيئات؟

يُعد أكثر أنواع الصراصير انتشاراً على مستوى العالم -الصرصور الألماني- آفة منزلية سريعة التكيف. يقول عالم الحشرات في المناطق الحضرية، وارن بوث: "إنها ببساطة النوع المثالي الذي يمكنه الهيمنة". تتميز هذه الحشرات القوية بقائمة طويلة من القوى الخارقة التي تتمتع بها الآفات. إذا دخل زوج من الصراصير إلى منزل جديد، فيمكنهما المباشرة باجتياحه سريعاً. حيث يمكن لأنثى صرصور ألمانية واحدة أن تضع نحو 40 بيضة دفعة واحدة وسوف تضع نحو 200-250 بيضة خلال حياتها.

 يمكن لابن عم الصرصور الألماني الوثيق الصلة، الصرصور الأميركي، أن يذهب إلى أبعد من ذلك. فإذا أرادت أنثى صرصور أميركية واحدة أن تنشئ عائلة جديدة، يمكنها فعل ذلك دون انتظار ظهور أي ذكر من الصراصير. فهي قادرة على التكاثر العذري، ما يعني أن نسل الصرصور المكتمل النمو يمكن أن يتطور من بويضة غير مخصبة.

يقول بوث: "هذه الكائنات قوية بصورة لا تصدق". كما يمكن لأنواع الصراصير الضارة أن تجدد أطرافها المقطوعة دون عناء كبير. ويضيف: "يمكنها فعل ذلك بفضل أنسجتها الداخلية. قد تفقد قصبتها الهوائية بالكامل، ثم تتجدد بعد ذلك". وأخيراً، يمكن للصراصير أن تأكل أي شيء تقريباً، ويمكنها أن تعيش على الفضلات وحدها.

 اقرأ أيضاً: لماذا لم تعد مبيدات الحشرات فعّالة؟ هل اكتسبت الصراصير مناعة ضدها؟

وفي مواجهة حشرة تتمتع بقوى خارقة وسريعة التكاثر والتجدد، لجأ البشر إلى الأسلحة الكيميائية. وقد أدى اكتشاف المبيد الحشري دي دي تي (DDT) في أربعينيات القرن العشرين إلى إطلاق ما يسميه بوث "سباق التسلح" بين المواد الكيميائية الأكثر فتكاً وجينوم الصراصير القابل للتكيف.

ونجح الاستخدام العشوائي للمبيدات الحشرية على مدى العقود اللاحقة في القضاء على أعداد كبيرة من الحشرات النافعة مثل نحل العسل، وتراكم السموم داخل الأحياء البرية الأكبر حجماً، ما أدى إلى آثار صحية مدمرة، وأدى إلى ترقق قشور البيض لدى أنواع الطيور المعرضة للخطر، بل وزاد مخاطر الإصابة بالسرطان لدى الأشخاص الذين تعرضوا للسموم وكذلك لدى أطفالهم. وعلى الرغم من ضخامة هذه الأضرار الجانبية العبثية، لم يُحدث هذا الهجوم الكيميائي الساحق أدنى تأثير في صفوف فريق الصراصير. وفي غضون سنوات قليلة، بدأت الصراصير المقاومة لمادة دي دي تي تظهر. تقاوم مجموعات الصراصير في العصر الحديث تقريباً المبيدات الحشرية كلها التي ابتكرها البشر بين أربعينيات وتسعينيات القرن الماضي. ويوضح بوث أن هذه الصراصير يمكنها إنتاج إنزيمات إزالة السموم التي تعمل على تفكيك المواد الكيميائية الضارة بسرعة.

 اقرأ أيضاً: 8 حقائق عن الصراصير قد تثير دهشتك

ويكمن جزء من المشكلة في اتساع نطاق مجتمعات الصراصير. ويوضح بوث أنه في حين أن بعض أنواع النحل تعتمد على ملكة واحدة للتكاثر، يمكن للصراصير الاعتماد على الآلاف من أقاربها للتكاثر على نطاق واسع. وهذا يوفر مجالاً أكبر بكثير لظهور طفرات جينية مقاومة مفيدة.

تعقيد جيني 

لقد اكتسبت أنواع الصراصير الضارة سمعتها الواسعة على أنها حشرات عملاقة لا يمكن قتلها. لكن هذا المظهر الخارجي المخيف يخفي وراءه عالَماً متنوعاً من الحشرات الأكثر حساسية التي تؤدي أدواراً حيوية في محيطنا الحيوي. تدير الباحثة السلوكية في معهد فلوريدا للتكنولوجيا (Florida Institute for Technology)، داربي بروكتور، مختبر الصراصير (Roach Lab)، وهو منصة تعليمية تعلم الطلاب الجامعيين كيفية إجراء التجارب السلوكية باستخدام الصرصور القرصي بصفته نموذجاً لهذا النوع من الحشرات.

اقرأ أيضاً: افعلها بنفسك: كيفية القضاء على الصراصير من دون مبيدات

الصراصير القرصية ليست من أنواع الآفات وتُظهر تعقيداً سلوكياً مدهشاً، ويمكن تدريبها على أداء مهام بسيطة. تظهر دراسات علم النفس البشري أن الناس ينجزون المهام بأسلوب مختلف إذا كانوا تحت أنظار غيرهم من البشر. في أحدث أعمال بروكتور في مجال الصراصير، يختبر طلابها قدرة أزواج من الصراصير على إنجاز مهام اجتياز المتاهة في وقت أقصر مما لو كانت بمفردها. كما تتحقق أيضاً مما إذا كانت الصراصير لديها شركاء اجتماعيون مفضلون. وتضيف: "لو كانت هذه الصراصير من الرئيسيات، لأطلقنا عليها اسم ’أصدقاء‘".

تتوافق هذه الديناميات الاجتماعية المعقدة مع العدد الهائل من الأدوار المهمة التي تؤديها أنواع الصراصير. حيث تُعد الصراصير مصدراً غذائياً حيوياً للزراعة وتربية الأحياء المائية، وتُستخدم لإدارة النفايات في بعض البلدان الآسيوية وحتى ضمن مكونات مستحضرات التجميل. ويعيش العديد من أنواعها في الغابات المطيرة، حيث تشكل نسبة هائلة تبلغ 25% من الكتلة الحيوية في غطاء الغابات. يقول بوث: "لو لم تكن الصراصير موجودة، لكان مصير الغابات المطيرة الانهيار لأنها تمثل المحلِلات الرئيسية". ويقول أيضاً إن هذه الأنواع غير الضارة هي أيضاً حيوانات أكثر حساسية بكثير وقد تموت في بيئة منزلية.

اقرأ أيضاً: 13 خرافة عن الحشرات يكشف العلم حقيقتها

يعيش العديد من الأنواع الأندر والأكثر فائدة بعيداً عن أعين البشر، بينما تعيش الصراصير الألمانية داخل مساكن البشر فقط. يقول بوث إن النظرة السائدة هي أن "الصرصور حشرة ضارة دائماً". لكن إلقاء نظرة أعمق على هذه المجموعة المذهلة من الحيوانات يُظهر أن هذه النظرة، في أحسن الأحوال، لا تقدّر الحيوانات الضارة التي نجت بفضل قدرتها المذهلة على الصمود، وفي أسوأ الأحوال، تتجاهل مساهماتها الأساسية في أثمن بيئاتنا. على الأقل، تمكنت بروكتور في مختبرها الخاص بالصراصير من جعل مجموعتها الصغيرة -ممن سيصبحون علماء حشرات في المستقبل- تقدر قيمة هذه الحشرات الصغيرة. وتقول: "إذا مات أحد صراصيرهم، فإن ذلك يحزنهم كثيراً".

 

المحتوى محمي