القيادات النسائية كانت الأفضل في إدارة جائحة كورونا

4 دقائق

دار الكثير من النقاش خلال الأشهر الماضية حول أساسيات القيادة الجيدة في ظل جائحة فيروس كورونا. ما هي القيادة الجيدة؟ وما هي البلدان كان أداؤها أفضلـ وأيها أسوأ؟ في الواقع، حققت القيادات النسائية في العديد من البلدان نجاحاتٍ مبكرة في مواجهة الجائحة، مثل «جاسيندا أرديرن» رئيسة وزراء نيوزيلندا، و«تساي إنغ-وين» رئيسة وزراء تايون، والمستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل». قدمت هذه الدول التي تقودها النساء مثالاً يُحتذى به في إدارة الوباء.

قررنا التحقق فيما إذا كان هذا التصور السردي يصمد أمام التدقيق المنهجي في البيانات المتوفرة من مختلف البلدان. فقمنا بتحليل رد فعل القادة في جميع أنحاء العالم في الأيام الأولى للوباء لمعرفة فيما إذا كانت الاختلافات في الأداء تُعزى لاختلاف الإجراءات المُتخذة التي اعتمدها القادة الذكور والإناث على حد سواء.

في البداية، هناك أمران يجب أن يُؤخذا بعين الاعتبار؛ الأول هو أننا ما زلنا في بداية الوباء ويمكن أن تتغير الكثير من الأمور خلال الأشهر القليلة المقبلة. وثانياً، نوعية البيانات المُتاحة حالياً منخفضة، حيث من الممكن أن تكون أرقام الوفيات، على سبيل المثال، أقل من الواقع بسبب اختلاف طريقة تسجيل الوفيات من بلدٍ لآخر.

هناك عدد قليلٌ جداً من الدول التي تقودها النساء في العالم، حيث يبلغ نسبة الدول التي تقودها االنساء 10% فقط من أصل العينة التي درسناها والتي تبلغ 194 دولة. ونظراً لقلة عدد البلدان التي تقودها النساء، فإن الطريقة الأنسب لدراسة أدائها هي مقارنتها مع البلدان «المماثلة» التي يقودها الرجال، وذلك من خلال مطابقة البلدان ذات الملامح المتماثلة من ناحية الخصائص الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية، والتي تُعتبر عوامل هامة في انتشار الوباء.

في المقام الأول، قمنا بمقارنة البلدان المتماثلة من ناحية الناتج المحلي الإجمالي للفرد وبعدد السكان والكثافة السكانية، بالإضافة إلى عدد السكان الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً. ثم قمنا بتوسيع متغيرات المطابقة لتشمل 3 نواحٍ أخرى؛ وهي إنفاق الفرد على الصحة سنوياً، وعدد السياح الذين يدخلون البلاد، والمساواة بين الجنسين.

كشفت هذه المقارنات عن اختلافات واضحة بين البلدان التي تقودها النساء، والدول التي يقودها الرجال خلال الربع الأول من الجائحة (حتى منتصف مايو/ أيار).

فقد سجلت هونج كونج -التي تقودها امرأة- 1056 حالة إصابة و4 وفياتٍ فقط، بينما سجلت سنغافورة، والتي تتمتع بخصائص اقتصادية وديموجرافية مماثلة، ولكن يقودها رجل، 28794 حالة إصابة و22 حالة وفاة في نفس الفترة. وبالمثل، سجلت النرويج -التي تقودها امرأة- 8257 حالة إصابة و233 حالة وفاة، بينما سجلت أيرلندا التي يقودها رجل وتشبه النرويج- 24200 حالة إصابة و1547 حالة وفاة. وسجلت تايوان 440 حالة إصابة و7 وفيات، بينما سجلت كوريا الجنوبية 11078 حالة إصابة و263 حالة وفاة.

من الواضح أن أداء البلدان التي تقودها النساء كان أفضل، لا سيما من حيث عدد الوفيات، وذلك يصح سواء قارنا أي دولة تقودها امرأة بأقرب دولة مماثلة، أو بأقرب دولتين مماثلتين حتى 3 و5 أيضاً. تعد بلجيكا الاستثناء الوحيد، حيث يظهر أن أدائها منخفضٌ من حيث عدد الإصابات والوفيات رغم أن امرأة تقودها. ولكن بالرغم من إدراجها في التقييم، تصمد النتائج الإجمالية المتعلقة بالأداء الأفضل للدول التي تقودها النساء.

على سبيل المثال، كانت فنلندا أفضل من السويد والنمسا وفرنسا من حيث عدد الإصابات والوفيات. وكانت ألمانيا أيضاً أفضل من فرنسا والمملكة المتحدة. وبالمثل، كان أداء بنغلاديش أفضل من الفلبين وباكستان من حيث عدد الوفيات. جميع الدول المتفوقة الأداء السابقة تقودها النساء.

تحمل المخاطرة

عند البحث عن السبب الكامن وراء أفضلية قيادة النساء، وجدنا أن البلدان التي تقودها النساء أغلقت حدودها في وقتٍ أبكر بكثير من البلدان التي يقودها الذكور. فقد اتخذت تدابير الإغلاق في الدول التي تقودها النساء مثل نيوزيلندا وألمانيا بسرعة وصرامةٍ أكبر بكثير من الدول التي يقودها الرجال؛ مثل بريطانيا. وقد كان متوسط عدد الوفيات أقل بـ 22 حالة مقارنةً بالدول التي يقودها الرجال عند فرض اجراءات الاغلاق.

في هذا الصدد، درسنا ما إذا كانت هذه النتائج قد توحي بأن القيادات النسائية تميل لتكون أكثر تجنباً للمخاطرة. في الواقع، تشير الأدبيات المتعلقة بالمواقف تجاه المخاطر وعدم اليقين إلى أن النساء -حتى أولئك الذين يشغلن مناصب قيادية- يبدون أكثر تجنباً للمخاطر من الرجال.

وبالفعل، فقد أبلغ خلال الأزمة الحالية عن العديد من حوادث السلوك المحفوف بالمخاطر التي قام بها القادة الذكور. على سبيل المثال، رفض الرئيس البرازيلي «بولسونارو» اعتبار مرض كوفيد-19 مرضاً خطيراً قائلاً انه عبارة عن أنفلونزا «صغيرة» أو زكام خفيف. وكذلك صرّح رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون» أنه لم يكن خائفاً و«صافح الجميع» في زيارةٍ تفقدية له للمستشفى. أصيب كلا الرجلين فيما بعد بفيروس كورونا.

ومع ذلك ، فإن هذا التفسير مبسط. ففي حين ظهر أن القيادات النسائية تتجنّب المخاطر المهددة للحياة، إلا أنهن كن على استعداد لتحمل مخاطر كبيرة تعود على اقتصادات دولهن في حال إغلاق البلاد مبكراً. لذلك، بدت القيادات النسائية أكثر تجنباً من المخاطرة في مجال الحياة البشرية، ولكنهن أكثر عرضة لتحمل المخاطرة في المجال الاقتصادي.

ونجد بعض الدعم لهذه الفكرة في الدراسات التي تفحص سلوك المخاطرة عندما يُنظر إلى شراء بطاقات اليانصيب كخسائر. فقد وُجد أن الرجال يتجنبون المخاطرة أكثر من النساء عندما ينظرون إلى شراء اليانصيب كخسائر مالية مؤكدة في مقابل الاحتمال الضئيل جداً للربح. من المحتمل أن قرارات الإغلاق المتأخرة نسبياً التي اتخذها القادة الذكور قد تعكس خوف الذكور من المخاطرة بسبب الخسائر المتوقعة من إغلاق الاقتصاد.

أسلوب القيادة

يوجد تفسير آخر للاختلافات بين الجنسين في الاستجابةً للوباء، وهو نمط القيادة. حيث تقترح الدراسات أن نمط قيادة الرجال يميل غالباً إلى أسلوب «القيادة الموجهة نحو المهام»، بينما يميل نمط القيادة لدى النساء إلى «القيادة الموجهة نحو العلاقات». لذلك تميل النساء إلى تبني أسلوب أكثر ديمقراطية وتشاركية في القيادة، وامتلاك مهارات اتصال أفضل.

لقد بدا ذلك جلياً خلال الأزمة في أساليب الاتصال الحاسمة والواضحة التي اعتمدتها القيادات النسائية، حيث ظهرت، على سبيل المثال، رئيسة وزراء النرويج «إرنا سولبرج» وهي تتحدث مباشرة إلى الأطفال حول كيفية الوقاية من فيروس كورونا، بينما تواصلت رئيسة وزراء ايرلندا مباشرة مع مواطنيها في بثّ حي عدة مرات عبر فيسبوك.

تظهر النتائج التي توصلنا إليها أن إحصائيات مرض كوفيد-19 في المراحل المبكرة من الجائحة كانت أفضل بشكل منهجي وكبير في الدول التي تقودها النساء. ويمكن تفسير ذلك، إلى حد ما، من خلال استجابات السياسات الاستباقية التي اعتمدنها. وحتى لو أخذنا في الاعتبار السياق المؤسسي والضوابط الأخرى في نتائجنا، تبقى القيادة النسائية ميزة استثنائية في مواجهة الجائحة الحالية.