النوم والإنتاجية: ماذا تقول الأبحاث عن أفضل عدد ساعات نوم للمدراء؟

5 دقيقة
5 نصائح للتغلب على مشكلات النوم والأرق في رمضان
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Nefedova Tanya

إذا كنت مديراً، فأنت تعلم حجم الضغط الذي يعانيه المدراء؛ اجتماعات لا تنتهي، وقرارات صعبة، ورغبة دائمة في إنجاز المزيد بوقت أقل. إلا أنك غالباً قد واجهت أيضاً "ثقافة العمل الجاد"، وهي التفاخر بالعمل بأقل قدر من الراحة، معتقداً أن التضحية بالنوم تؤدي إلى إنتاجية أكبر، أو قد تساعد على الارتقاء الوظيفي، لكن للعلم رأيه حول هذا النهج في العمل.

فهل يُمكن لتقليل النوم أن يُعزز الكفاءة حقاً، أم إنه يعوق الأداء بطرق لا تدركها فوراً؟ وما هو العدد الأمثل لساعات النوم للمدراء؟

مفارقة النوم والإنتاجية: هل يحصل المدراء على عدد ساعات نوم كافٍ؟

وفقاً لنظرية "الحفاظ على الموارد" (COR)، أو (Conservation of Resources)، التي تشير إلى أن الأفراد يسعون جاهدين لحماية مواردهم والحفاظ عليها، مثل الوقت والطاقة والقدرة العقلية، خاصة عندما يختبرون فقدان الموارد؛ فقد ينظر المدراء إلى النوم باعتباره مورداً منافساً بدلاً من أن يكون مفيداً، لذا فإنهم يستعيضون عن النوم بوقت العمل، معتقدين أن الساعات الإضافية تعزز الإنتاجية. في الواقع، وجدت دراسة أجريت على مدراء الفنادق، ونشرت نتائجها في مجلة علم نفس الصحة المهنية (Journal of Occupational Health Psychology)، أن متوسط ​​النوم لديهم يبلغ 6.6 ساعات في الليلة، حيث ينام 21% منهم أقل من ست ساعات. بالإضافة إلى ذلك، عندما نام المدراء أكثر من المعتاد، عملوا مدة 31 دقيقة و12 ثانية لكل ساعة نوم إضافية.

ومن المفارقات أنه في الأيام التي شعر فيها المدراء بعدم الإنتاجية، عوّضوا ذلك بالنوم 12 دقيقة و36 ثانية أطول في الليلة التالية، وهو ما يتوافق مع فرضية "دوامة الخسارة" في نظرية الحفاظ على الموارد (COR). وفقاً لهذه الفرضية، عندما يفقد الفرد موارد معينة، مثل المال أو الوقت، فإنه قد يشعر بالضغط أو القلق. بدوره، يقود الضغط إلى سلوكيات سلبية، مثل الانسحاب (النوم في حالة المدراء).

أفادت دراسة أخرى، نشرت في الأوراق العلمية لجامعة سيليزيان للتكنولوجيا (Scientific Papers of Silesian University of Technology) وأجريت على 80 مديراً، عن متوسط نوم يبلغ 6.52 ساعات في الليلة بين المدراء، مشيرة إلى أن هذا ليس عجزاً شديداً.

من المثير للاهتمام أنه كلما ارتفع مستوى الشخص في السلم الوظيفي، زادت احتمالية حصوله على قسط أكبر من النوم، حيث أظهرت بيانات استطلاع في المملكة المتحدة، أجرته شركة "مراجعات الخبراء" (Expert Reviews) أن الرؤساء التنفيذيين ورؤساء مجالس الإدارات يحصلون على قسط أكبر من النوم مقارنةً بالمدراء وغير المدراء. ومع ذلك، أفاد أصحاب الأعمال، الذين غالباً ما يكونون تحت ضغط كبير، بأنهم الأقل نوماً بين المناصب العليا، حيث لا ينام سوى 60% منهم 7 ساعات أو أكثر.

اقرأ أيضاً: لماذا تهتز أجسامنا قبل مرحلة النوم العميق؟

لماذا يُعدّ النوم بالغ الأهمية للمدراء؟

على الرغم من أن المدراء الذين ضحوا بالنوم وعملوا ساعات أطول أفادوا بأنهم شعروا بإنتاجية أكبر في ذلك اليوم، إلا أنه على المدى الطويل، لن يتمكنوا من الحفاظ على هذا المستوى من الإنتاجية فترة طويلة مع عدد غير كافٍ من ساعات النوم.

تعتمد القيادة الفعالة بدرجة كبيرة على وظائف تنفيذية تشمل العمليات المعرفية العليا مثل حل المشكلات، والتفكير المنطقي، والتخطيط، واتخاذ القرارات؛ حيث تتولى القشرة الجبهية مسؤولية هذه الوظائف. لكن في حين أن أجزاءً عديدة من الدماغ قادرة على تحمل الحرمان من النوم، فإن القشرة الجبهية هي الأكثر معاناة، حيث تتراجع القدرات الحركية والبصرية الأساسية تحت وطأة الحرمان من النوم، بالإضافة إلى المهام المعرفية المعقدة، مثل التفكير الاستراتيجي واتخاذ القرارات، ما يزيد الخيارات المحفوفة بالمخاطر ويُقلل الإبداع. 

عموماً، من أهم آثار الحرمان من النوم على المدراء:

  • انخفاض القدرة على التركيز: أفادت الدراسة المنشورة في دورية الطب المهني والبيئي (Occupational & Environmental Medicine) بأن الاستيقاظ نحو 17-19 ساعة، أي النوم ما بين 4-7 ساعات، يسبب تراجعاً في الانتباه والتركيز بحيث يصبح مماثلاً لأداء شخص نسبة الكحول في دمه 0.05%. أما النوم 4 ساعات فقط، فيسبب أداءً مماثلاً لشخص لديه كحول في دمه بنسبة 0.1%.
  • فقدان التفكير الإبداعي: في دراسة نشرتها دورية بي إم سي سايكولوجي (BMC Psychology)، تبين أن النوم في الليل يُعيد تنظيم الموارد اللازمة للمهام المعرفية المعقدة، بما فيها التفكير الإبداعي، فعندما تكون جودة النوم عالية، تتوفر للأفراد موارد معرفية وعاطفية أكبر، ما يُمكّنهم من الانخراط على نحو أعمق في العمليات الإبداعية مثل ربط المعلومات غير ذات الصلة، والتفكير المتباعد، وتوليد أفكار جديدة. في المقابل، يُؤدي ضعف جودة النوم إلى استنزاف هذه الموارد، وانخفاض الانتباه والطاقة والمرونة المعرفية.
  • اتخاذ القرارات: أظهرت الدراسة المنشورة في دورية آفاق في الطب النفسي (Frontiers in Psychiatry) أن المدير عندما يعاني قلة النوم، تتأثر قدرته على تقييم الأهمية النسبية للمدخلات المختلفة بدقة، ما قد يؤدي إلى ضيق الأفق وزيادة التحيز المعرفي، حيث أظهر المشاركون الذين عانوا الحرمان من النوم انخفاضاً ملحوظاً في قدرتهم على الاستفادة من ردود الفعل عند اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر، أي إن الأفراد المحرومين من النوم أقل قدرة على تعديل أحكامهم بناءً على معلومات جديدة أو تصحيحية.
  • الذكاء العاطفي ودعم الآخرين: لمساعدة فريق العمل، ينبغي للمدير أولاً فهم الموظفين، بما في ذلك تفسير مشاعرهم أو نبرة صوتهم. لكن في حالة الحرمان من النوم، قد يفتقد المدير لمثل هذا الذكاء العاطفي، حيث يكون الدماغ أكثر عرضة لسوء تفسير هذه الإشارات والمبالغة في رد الفعل تجاه الأحداث العاطفية، فيميل إلى التعبير عن مشاعره بأسلوب ونبرة صوت أكثر سلبية. أظهرت تجربة أخرى أن الموظفين يشعرون بانخفاض انخراطهم في عملهم عندما ينام قادتهم ليلة نوم سيئة.

في هذا السياق، يُذكر أن رئيسة تنفيذية لشركة ناشئة في مجال التكنولوجيا كانت تُولي النوم أولويةً قصوى في روتينها اليومي، ما كان له أثر واضح في فاعلية القيادة، حيث عزت صفاءَ فكرها وتعاطفها مع الآخرين إلى جدول نومها المُنضبط.

اقرأ أيضاً: من هم أكثر الشعوب العربية نوماً وفقاً لدراسة جديدة من آيكيا؟

أفضل عدد ساعات النوم للمدراء

بالنسبة للمدراء الذين يسعون لتحسين أدائهم القيادي، تتوافق مدة النوم المثالية مع توصيات الأكاديمية الأميركية لطب النوم (AASM) للبالغين، من 7 إلى 9 ساعات ليلاً، فهو العدد الذي يوفر الوظائف الإدراكية الأساسية للإدارة الفعالة، مثل اتخاذ القرارات وتنظيم المشاعر وحل المشكلات، بالإضافة إلى دعم الصحة العامة.

ومع ذلك، قد تتباين احتياجات النوم الفردية للمدراء بناءً على عوامل مثل الوراثة والعمر ونمط الحياة، فقد يعمل بعض الأفراد على النحو الأمثل مع زيادة أو نقص طفيف في النوم. 

على سبيل المثال، قد يكون النوم بين 6 و7 ساعات في الليلة الواحدة مناسباً للبعض، مع الاعتماد على الكثير من الكافيين وآليات التكيف مع التوتر، ولكنه أيضاً قد يؤدي إلى انخفاض اليقظة وتقلب المزاج على المدى الطويل.

ينبغي الإشارة إلى أن جودة النوم تبقى أهم من الكمية، أي النوم العميق والمتواصل بغض النظر عن إجمالي الساعات.

اقرأ أيضاً: كيف تحصل على نوم عميق ومريح كل ليلة؟

نصائح للمدراء لتحسين النوم والإنتاجية

نظراً لطبيعة عمل المدراء التي تتضمن ضغطاً مستمراً بسبب مسؤولياتهم، مثل اتخاذ القرارات المهمة وإدارة ديناميكيات الفريق وتحقيق الأداء المطلوب، فقد يتسلل القلق إليهم فيتحول وقت الراحة إلى "ساحة معركة"؛ حيث تتصارع الأفكار والمخاوف، ما يؤدي إلى الأرق ويؤثر بدوره في الإنتاجية. لذا، ولكسر هذه الحلقة المفرغة من قلة النوم وضعف الإنتاجية، ينبغي للمدراء تبنّي الاستراتيجيات التالية لتحسين جودة نومهم:

  • وضع حدود لوقت العمل: تجنب رسائل البريد الإلكتروني في وقت متأخر من الليل والعمل بعد ساعات العمل قدر الإمكان، أي احرص على تنظيم وقت نومك كما تفعل مع أي اجتماع مهم.
  • تجنّب المنبهات: قلل تناول الكافيين في وقت متأخر من الليل وخلال النهار.
  • إدارة عبء العمل: فوّض المهام ورتّب أولوياتها لتجنب الإرهاق المزمن، وهو سبب رئيسي لقلة النوم لدى المدراء.
  • تحديد جدول نوم ثابت: يساعد الذهاب إلى الفراش والاستيقاظ في الوقت نفسه يومياً على تنظيم الساعة البيولوجية للجسم.
  • الحد من وقت الشاشة قبل النوم: يمكن أن يؤدي التعرض للضوء الأزرق من الشاشات إلى تعطيل إنتاج هرمون النوم (الميلاتونين)، ما يُصعّب النوم.
  • ابتكار روتين مريح قبل النوم: أي ممارسة أنشطة مُهدئة، مثل القراءة أو التأمل.
  • تحسين بيئة النوم: من حيث الهدوء ودرجة الحرارة المعتدلة والإضاءة الخافتة.  

المحتوى محمي