إذا كنت قد استخدمت قارئاً مخصصاً للكتب الإلكترونية، مثل كيندل (Kindle)، فأنت تعلم أن شاشة العرض مختلفة تماماً عن تلك الموجودة على هاتفك أو كمبيوترك. لكن ما الفرق؟ ولماذا قد يجعله ذلك أفضل للقراءة؟
إنه سؤال وجيه، وهناك في الواقع بعض الجوانب العلمية المثيرة للاهتمام وراء ذلك. تستخدم أجهزة الحبر الإلكتروني (e-ink) الإلكترونيات والحبر الفعلي لمحاكاة مظهر الحبر على صفحة ورقية. وهي ليست مثالية، فالخلفية عموماً ليست بيضاء تماماً مثل الورق الحقيقي، وعادةً ما تكون معدلات تحديث هذه الشاشات بطيئة جداً. لكن عند استخدامك شاشة الحبر الإلكتروني للقراءة، قد تلاحظ أنها أكثر راحة للعينين. كنت أتساءل عن سبب ذلك، وعما إذا كان هناك أي دليل علمي يثبت دقة ذلك، لذا أجريت بعض البحث، وإليك ما وجدته.
اقرأ أيضاً: علمياً: فحص العيون في مراكز البصريات قد ينقذ بصرك!
أجهزة تعمل بصورة أفضل في ضوء النهار
عادة ما تكون قراءة أجهزة الحبر الإلكتروني أسهل في ضوء الشمس المباشر من الهواتف أو الأجهزة اللوحية. ولكن ما السبب؟ لفهم ذلك، علينا أن نتحدث قليلاً عن كيفية عمل الحبر الإلكتروني.
لتبسيط الأمر، معظم شاشات العرض هو مجموعة من المصابيح الضوئية الإفرادية الصغيرة، كل مصباح يمثل بكسلاً واحداً. هذا يعني أنك عندما تستخدم هاتفك أو جهازك اللوحي أو جهاز الكمبيوتر أو التلفاز لديك، فأنت تنظر مباشرةً إلى آلاف المصابيح الضوئية الصغيرة. يمكنك تجربة ذلك من خلال خفض درجة السطوع على جهازك بالكامل، يكاد يكون من المستحيل رؤية أي شيء، خاصةً في غرفة مضاءة جيداً. وهذا هو السبب أيضاً في أن استخدام الهاتف أو الكمبيوتر المحمول في الأماكن المفتوحة في يوم مشمس قد يكون صعباً، أو على الأقل يستهلك مخزون البطارية في جهازك بسرعة، حيث يحتاج الضوء في هاتفك إلى التنافس مع الضوء المحيط.
لا تتبع شركة إي إنك (Eink) هذا الأسلوب في العمل. فوفقاً لهذه الشركة الرائدة في هذا المجال، والتي تُستخدم شاشاتها في كل شيء بدءاً من أجهزة كيندل إلى أجهزة ريماركابل (remarkable)، تستخدم هذه الشاشات الحبر الفعلي بدلاً من ذلك لعرض النصوص أو الصور.
ويتكون نظام الحبر الإلكتروني الثنائي الجسيمات الخاص بشركة إي إنك من ملايين الكبسولات الدقيقة الصغيرة، حيث يبلغ قطر كل منها قطر شعرة الإنسان. تحتوي كل كبسولة دقيقة على جسيمات بيضاء ذات شحنة سالبة وجسيمات سوداء ذات شحنة موجبة، وهذه الجسيمات معلقة كلها في سائل شفاف. عند تطبيق مجال كهربائي موجب أو سالب، تتحرك الجسيمات المقابلة إلى أعلى الكبسولة الدقيقة حيث تصبح مرئية للمشاهد، ما يجعل سطحها يبدو أبيض أو أسود في تلك البقعة.
تحتوي بعض أجهزة الحبر الإلكتروني على إضاءة خلفية حتى يتمكن الأشخاص من القراءة في الظلام، ولكن في معظم الأجهزة يمكنك إطفاء هذه الإضاءة تماماً مع الاستمرار في القراءة بسلاسة، شريطة أن يكون هناك إضاءة كافية في الغرفة.
تقليل إجهاد العين وإرهاقها
لقد تحدثنا عن أن شاشات العرض التقليدية هي في الأساس مصابيح مضيئة. يتعلم كل طفل عدم التحديق في الشمس، أو حتى المصابيح الكهربائية. ومن المنطقي، بناءً على ذلك، أن يكون الحبر الإلكتروني ألطف على العينين. وهناك ما يدعو للاعتقاد بأن الأمر قد يكون كذلك: فقد قارنت دراسة أجراها باحثون من جامعة باريس عام 2013 بين إصداري جهاز كيندل، اللذين يستخدم أحدهما شاشة الكريستال السائل (إل سي دي)، في حين يستخدم الآخر الحبر الإلكتروني للعرض، والكتب الورقية المطبوعة. قرأ المشاركون في الدراسة عدداً من الكتب على جهاز إل سي دي، وجهاز الحبر الإلكتروني، وقرؤوا كتاباً ورقياً. وقد وجد الباحثون أن الأشخاص الذين قرؤوا على شاشة إل سي دي كانوا يرمشون بأعينهم كثيراً، وهي علامة على الإرهاق البصري. كما أفادوا بشعورهم بتعب أكبر. على حد تعبير الدراسة:
تشير النتائج من كل من المقاييس الموضوعية (عدد المرات التي تطرف فيها العين في الثانية) والذاتية (مقياس التعب البصري) إلى أن القراءة على شاشة إل سي دي (كيندل فاير إتش دي [Kindle Fire HD]) تؤدي إلى زيادة الإرهاق البصري مقارنةً بكل من الحبر الإلكتروني (كيندل بيبروايت) (Kindle Paperwhite) والكتاب الورقي.
قارنت ورقة بحثية أعدها باحثون من جامعة تشجيانغ في مدينة هانغتشو بالصين عام 2020 بين شاشات الحبر الإلكتروني وشاشات المصابيح الثنائية العضوية الباعثة للضوء أو اختصاراً "أوليد" (OLED) الأكثر حداثة ووجدوا الأمر نفسه:
زاد معدل طرف العينين تدريجياً في المجموعات الفرعية لشاشات أوليد خلال مهمة القراءة، في حين لم يلاحظ أي فرق ذي دلالة إحصائية في المجموعات الفرعية لشاشات الحبر الإلكتروني. يشير بحثنا إلى أن القراءة على شاشة أوليد يمكن أن تسبب اضطراباً في سطح العين وانزعاجاً ذاتياً واضحاً، في حين أن القراءة على شاشة الحبر الإلكتروني يمكن أن تقلل اضطراب سطح العين في كل من البيئات المظلمة والمضيئة.
قد يبدو هذا وكأنه ضربة قاضية، ولكن من المهم أن تضع في اعتبارك أن هذه دراسات صغيرة نسبياً. ثمة ملخص جيد عن الموضوع على الموقع الإلكتروني للمدون الذي يكتب كثيراً عن شاشات الحبر الإلكتروني، دان داتون. على الرغم من أن الأبحاث تشير إلى أن الحبر الإلكتروني والمطبوعات الورقية يسببان إجهاداً أقل للعين، فهناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث.
أما عن موقفي الشخصي بصفتي مستخدماً، فأنا أمضي وقتاً أفضل بكثير في قراءة أجهزة الحبر الإلكتروني. يمكنك تفسير موقفي كما تشاء.
اقرأ أيضاً: هل يمكن حقاً تغيير لون العينين جراحياً بأمان؟
تحسين عمر البطارية
تحدثنا سابقاً عن أن شاشات العرض التقليدية هي في الأساس مصابيح ضوئية، ولعلك تعلم أن المصابيح الضوئية تحتاج إلى الكهرباء. الشيء المثير للاهتمام بشأن الحبر الإلكتروني هو أنه بعد رسم الصفحة على الشاشة، لا حاجة إلى الكهرباء على الإطلاق لإبقاء الصورة في مكانها، وهذه ميزة كبيرة بالنسبة إلى أشياء مثل قراءة الكتب: فالشاشة لا تستهلك الطاقة إلا عندما تقلب الصفحة. وهذا سبب رئيسي يجعل الأجهزة مثل كيندل تعمل على البطارية فترة تدوم لأسابيع بين عملية شحن وأخرى.
وهذا ينطبق بصورة خاصة على حالة الاستخدام في ضوء الشمس. كما ذكرت، يتعين على شاشات العرض التقليدية زيادة السطوع للتنافس مع الضوء المحيط، أما أجهزة الحبر الإلكتروني فلا تحتاج إلى فعل ذلك.
وفيما يخص مزايا عمر البطارية من حيث مخزونها من الطاقة، فإنها أقل وضوحاً إذا كنت تتسبب بتحديث الشاشة باستمرار، ولهذا السبب لا تكون شاشات الحبر الإلكتروني عادةً الأجهزة المثلى لأي شيء يتطلب الكثير من تمرير الصفحات. أما بالنسبة إلى قراءة سلسلة متتابعة من الصفحات المنفردة، فستجد في نهاية المطاف أن عمر البطارية أفضل بكثير، خاصةً إذا كنت تستخدم خطاً صغيراً بحيث تقلب الصفحات بوتيرة أقل. لا تقتصر فائدة أجهزة الحبر الإلكتروني على الكتب فحسب، فهي تُستخدم حتى لتغيير لون السيارة ديناميكياً أو جعل الدبابات غير مرئية. قد تُستخدم هذه التكنولوجيا على نطاق أوسع مع تطورها، ومع ذلك، فإن أفضل حالة استخدام في الوقت الحالي هي القراءة، وأجهزة الحبر الإلكتروني المخصصة هي أفضل أداة لفعل ذلك.