ما هي الأعراض الجسدية المصاحبة للاحتراق الوظيفي؟

5 دقيقة
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: عبدالله بليد.

إذا وجدت نفسك يوماً متعباً بعد يوم عملك الاعتيادي، وتشعر بأن أي قدر من الراحة لا يكفي لاستعادة طاقتك، فأنت تعاني غالباً الاحتراق الوظيفي. إنه ظاهرة مهنية حقيقية ومنتشرة، لكنها تلقي بظلالها على حياتك على نحو خفي وتدريجي بينما أنت غارق في سعيك لبناء مسارك المهني.

وفي حين أنك قد تكون مدركاً للأثر النفسي لمثل هذا الإرهاق، من قلق واكتئاب، فإن أعراضه الجسدية قد لا تلحظها، أو تعتقد أنها مشكلات صحية غير ذات صلة، لكن تجاهل هذه العلامات التحذيرية قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، بل قد تُغير مجرى الحياة.

ما هو الاحتراق الوظيفي؟

الاحتراق الوظيفي هو حالة من الإرهاق البدني والنفسي والذهني، تنتج عن ضغوط العمل المستمرة أو التي لم تتمكن من إدارتها بنجاح؛ فعلى عكس الضغوط اليومية، التي قد تزول بزوال الضغط، يتراكم تأثير الاحتراق الوظيفي تدريجياً، حتى تجد نفسك تكافح مع أبسط المهام، وتشعر بالإحباط بسهولة مع زملائك في العمل أو أحبائك، وكأنك لا تستطيع القيام بأي شيء على نحو جيد.

بعبارة أخرى، إنه ليس مجرد "أسبوع سيئ"، بل هو حالة مزمنة يمكن أن تستمر أشهراً أو حتى سنوات إذا لم تعالجها، فتشعر بالاستنزاف والانفصال عن عملك وانخفاض الحافز والإنتاجية. 

عموماً، يتميز الاحتراق الوظيفي بثلاثة أبعاد أساسية:

  • إرهاق شديد أو استنزاف للطاقة.
  • زيادة المسافة الذهنية بين الفرد ووظيفته، وغالباً ما يصاحب ذلك سخرية أو سلبية.
  • انخفاض الكفاءة المهنية أو الشعور بالإنجاز.

أنواع الاحتراق الوظيفي

ثمة عدة أنواع للاحتراق الوظيفي بناء على أسبابه، أبرزها:

  1. الاحتراق الناتج عن الإجهاد: يحدث نتيجة العمل الجاد والسعي المفرط نحو النجاح، مع الاستعداد للتضحية بالصحة الشخصية.
  2. الاحتراق الوظيفي الناتج عن عدم كفاية التحديات: يحدث عندما تفتقر الوظيفة لفرص التعلم والنمو، فتشعر بالملل وفقدان الشغف، ما يدفعك للاستهتار بشأن مهام العمل والتهرّب منها.
  3. الاحتراق الناتج عن الإهمال: يظهر عندما يشعر الفرد بالعجز وعدم الكفاءة، وقد يرتبط بمتلازمة المحتال التي تجعل الشخص يشكّ في قدراته.
  4. الاحتراق الوظيفي المزمن: يُعتبر الأخطر، حيث يتطور التعب الجسدي والذهني إلى حالة مزمنة قد تؤدي إلى الاكتئاب وأفكار انتحارية، ما يستدعي طلب المساعدة.

اقرأ أيضاً: العمل في المكاتب المغلقة: خطر يتربص بصحتك وقدراتك الذهنية

مراحل الاحتراق الوظيفي

طوّر عالما النفس هربرت فرويدنبرغر (Herbert Freudenberger) وغيل نورث (Gail North)، نموذجاً معترفاً به على نطاق واسع يحدد 12 مرحلة للاحتراق الوظيفي. ومع ذلك، ليس من الضروري أن تمر في المراحل جميعها، فضلاً عن أنها لا تحدث دائماً بتسلسل دقيق. وهي:

  1. الحاجة الملحة لإثبات الذات: وفيها يتولد لديك دافع قوي لإظهار قيمتك الحقيقة وقدراتك، غالباً من خلال تحمل مسؤوليات مفرطة والسعي إلى الكمال.
  2. العمل بجدّ أكبر: تزيد بذل الجهد والوقت في العمل، في محاولة لتلبية توقعاتك الذاتية، وغالباً ما يكون ذلك على حساب راحتك وتوازنك.
  3. إهمال احتياجاتك: في هذه المرحلة تبدأ بإهمال احتياجاتك الشخصية مثل النوم والتغذية والحياة الاجتماعية لصالح متطلبات العمل.
  4. ازدياد الخلافات الشخصية: تعاني فيها خلافات مع أصدقائك أو شريك حياتك، وغالباً ما تظهر فيها علامات التوتر الجسدية.
  5. مراجعة القيم: يصبح العمل هو المحور الرئيسي، بينما تُهمل العلاقات والهوايات والعناية الذاتية.
  6. إنكار المشكلات الناشئة: تبدي استنكاراً لما قد يواجهك من مشكلات، وتصبح ساخراً أو غير متسامح، فيتراجع أداؤك، وتلقي اللوم على الآخرين فيما تواجه من صعوبات.
  7. الانسحاب: تعزل نفسك تدريجياً عن زملائك وأصدقائك وعائلتك.
  8. تغيرات سلوكية غريبة: مثل الانفعال، ونفاد الصبر، وتقلبات المزاج.
  9. فقدان الهوية: يتطور لديك شعور بالانفصال أو الاغتراب عن الذات والآخرين، فتبدو كما لو أنك رجل آلي، يقوم بأداء روتيني.
  10. الفراغ الداخلي: يسيطر عليك شعور عميق بالفراغ أو القلق، فتسعى إلى الراحة من خلال سلوكيات قهرية مثل الإفراط في تناول الطعام، أو تعاطي المخدرات، أو ممارسة أنشطة محفوفة بالمخاطر.
  11. اليأس أو الاكتئاب: تسيطر عليك مشاعر اليأس والقنوط والإرهاق، فتشعر باللامبالاة وكراهية الذات، وحتى قد تراودك أفكار انتحارية.
  12. متلازمة الاحتراق النفسي: تتضمن المرحلة الأخيرة انهياراً جسدياً وعاطفياً كاملاً، فتعجز عن أداء مهامك اليومية، وغالباً ما تتطلب تدخلاً طبياً فورياً.

اقرأ أيضاً: ما هو الروتين اليومي لمارك زوكربيرغ؟

الأعراض الجسدية للاحتراق الوظيفي: علامات يجب عدم تجاهلها

لا يقتصر الاحتراق الوظيفي على أعراض نفسية وتغيرات سلوكية فحسب؛ بل قد يكون له أيضاً آثاره في جسدك. إليك أهمها:

  • الإرهاق البدني، وهو شعور عام بالتعب والألم الجسدي لا يزول بمجرّد النوم لليلة كاملة، ويعوق أداء أبسط المهام.
  • الصداع المتكرر.
  • آلام العضلات، وتوتر الرقبة والكتفين.
  • اضطرابات النوم، بما فيها الأرق وصعوبة النوم، أو العكس؛ أي النوم الزائد. أظهرت دراسة نشرتها دورية آفاق في الصحة العامة (Frontiers in Public Health)، أن ما يصل إلى 55% من المصابين بالإرهاق النفسي يعانون صعوبات في النوم، وأن قلة النوم تُفاقم الإرهاق البدني والذهني.
  • مشكلات الجهاز الهضمي، مثل آلام المعدة وعسر الهضم والغثيان والإمساك والإسهال.
  • تغيرات في الشهية، فقد يلجأ البعض لتناول الأطعمة المريحة، وهي الأطعمة المصنعة الغنية بالسكريات والدهون، ما قد يؤدي لزيادة الوزن. أو على العكس من ذلك، قد تنخفض شهية البعض للطعام ما يسبب فقدان الوزن.
  • ضعف المناعة والإصابة المتكررة بالأمراض، مثل نزلات البرد، أو بطء التعافي.
  • ألم الصدر وخفقان القلب وحتى الدوار أو الإغماء، والتي قد تكون علامات على إجهاد القلب والأوعية الدموية المرتبط بالتوتر، ويجب تقييمها من قبل طبيب مختص. وجدت دراسة نشرتها دورية التقارير العلمية (Scientific Reports)، أن الموظفين الذين يعانون الاحتراق المهني لديهم خطر أعلى بنسبة 40% للإصابة بارتفاع ضغط الدم، وزيادة ملحوظة في خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية.
  • داء السكري من النوع الثاني.

كيف يُلحق الاحتراق المهني هذا الضرر الجسدي؟

كل ما يتعرّض له الفرد بتأثير ضغوط العمل سببه استجابة لا إرادية تطورت عبر مئات آلاف السنين، تدعى استجابة الكر والفر، أساسها غريزة البقاء ضد التهديدات البيئية، بما في ذلك الحيوانات المفترسة.

اليوم، لا نتعرض لمخاطر مهددة للحياة، مثلما تعرض لها أسلافنا، لكن هذا لا يعني أننا فقدنا استجابة الكر والفر اللاإرادية. يلجأ الجسم لهذه الاستجابة في مواقف عديدة يومية، مثل التأخر عن موعد إنجاز المهمة النهائي، أو التحدث أمام جمهور، أو التعرض للسرقة أو لصدمة ما. تؤدي هذه الاستجابة إلى تحفيز الغدة النخامية والغدة الكظرية على إفراز هرمونات التوتر الكورتيزول والأدرينالين.

في الحالة الطبيعية، تكون هرمونات التوتر بجرعات صغيرة تساعد على الاستجابة للتهديدات المباشرة، مثل زيادة سرعة التنفس وتسارع ضربات القلب لإيصال الأوكسجين إلى الأعضاء المهمة، واتساع حدقة العين للسماح بأكبر كمية من الضوء من الوصول للعين.

لكن عندما تتعرض لضغط نفسي مزمن، يُغمر جسمك بهرمونات التوتر، فتبقى استجابة الكر والفر في حالة تنشيط منخفضة المستوى، والذي بدوره يرتبط بمشكلات صحية خطيرة، أهمها:

  • تعطيل دورات النوم.
  • قمع وظيفة المناعة.
  • تلف الأوعية الدموية والشرايين، بسبب الارتفاع المستمر في الإيبينيفرين.
  • زيادة ضغط الدم وخطر الإصابة بالنوبات القلبية أو السكتات الدماغية.
  • زيادة تراكم الأنسجة الدهنية وبالتالي زيادة الوزن، لأنه يزيد الشهية.

بمرور الوقت، قد يصبح الجسم أقل استجابة للكورتيزول، ما يؤدي إلى حالة متناقضة من (نقص الكورتيزول)، والتي ترتبط بالتعب المزمن والالتهاب وزيادة التعرض للمرض.

علاوة على ذلك، كشفت دراسة تصوير عصبي حديثة، نشرتها مجلة البحوث الطبية الدولية (Journal of International Medical Research)، أن الاحتراق المهني لا يؤثر فقط على مشاعرك، بل يُحدث تغييرات بنيوية في دماغك أيضاً قد تؤدي إلى ضعف التركيز ومشكلات الذاكرة وعدم الاستقرار العاطفي، حيث أظهر الأشخاص المصابون بالاحتراق المهني ما يلي:

  • ترقق القشرة الجبهية الأمامية الوسطى المسؤولة عن اتخاذ القرار وتنظيم العواطف.
  • تضخم اللوزة الدماغية؛ مركز الخوف والتوتر في الدماغ.
  • انكماش النواة المذنبة، التي تشارك في التحفيز والمكافأة.

اقرأ أيضاً: 13 تمريناً بسيطاً لممارستها في المكتب لتجنب آلام الرقبة والظهر والكتفين

كيفي تحمي نفسك من الاحتراق الوظيفي؟

تساعد بعض تقنيات مواجهة استجابة الكر والفر المزمنة، على الحماية من التوتر المزمن وما يسببه من مشكلات صحية، والوقاية من الاحتراق الوظيفي، مثل:

  • تقنيات الاسترخاء: بما فيها التنفس العميق من البطن، والتركيز الذهني على السلام أو الهدوء، وتصور المشاهد الهادئة، وممارسة اليوغا والتاي تشي.
  • النشاط البدني: يمكن تحرير التوتر بممارسة بعض التمارين، مثل المشي السريع، لأنه يساعد على تقليل هرمونات التوتر، وزيادة الإندورفينات (مسكنات الألم الطبيعية)، وتحسين النوم.
  • الدعم الاجتماعي: يوفّر الأصدقاء والأقارب والعائلة وزملاء العمل شبكة اجتماعية ودعماً عاطفياً، يساعد بصورة غير مباشرة على الحماية من التوتر والأزمات المزمنة.
  • تقنيات التأريض الذهني: تتضمن الغناء أو كتابة الشعر، أو ممارسة ألعاب عقلية مثل السودوكو.
  • تقنيات التأريض المادي، وتتضمن التنفس، والتركيز على سرعتك وثباتك، والإمساك بجسم ما بإحكام، وشد الجسم ثم تحريره ببطء من الجبهة إلى أصابع القدمين.
  • معالجة المشكلات الأساسية في مكان العمل: بما أن عملك هو المصدر الرئيسي لتوترك المزمن، ففكّر في إمكانية إجراء بعض التغييرات، ربما البحث عن وظيفة جديدة أو مسار مهني جديد.

المحتوى محمي