تعلم لغة جديدة له فوائد عديدة ويفتح لك أبواباً كثيرة، فهو يعد من أفضل الاستثمارات الشخصية. حيث إنه ينشط الذاكرة ويتيح لك فرصاً مهنية أكثر، ويساعدك على التواصل مع أشخاص من ثقافات مختلفة. ويعد تعلم اللغات مهارة مهمة في عالمنا المتصل، سواء أردت التقدم في عملك أو اكتساب هواية جديدة أو تقوية صحة دماغك.
إليك أساليب وخطوات اعتمدتها في رحلتي لتعلم اللغات، والتي كانت أساس تعلمي خمس لغات بنجاح وإتقان، ثلاث منها بطلاقة.
حدد طريقة التعلم التي تناسبك
طريقة تحديد أسلوب التعلم الذي يناسبك سهلة. فحسب تصنيف الكاتبة غريتشين روبن في كتابها "الميول الأربعة: كيف نستجيب للتوقعات وننجز أهدافنا؟" ينقسم الناس من حيث الاستجابة للدوافع إلى أربعة أنماط: الملتزمون خارجياً؛ يتجاوبون مع الالتزامات الخارجية أكثر من الدوافع الذاتية، والمنضبطون ذاتياً وخارجياً؛ يلتزمون بالتوقّعات الخارجية والداخلية على حد سواء، والتحليليون؛ يحتاجون إلى فهم المنطق خلف كل خطوة قبل الالتزام، والمتمردون؛ يرفضون الالتزامات المفروضة ويفضلون الحرية الكاملة.
فعلى سبيل المثال، إذا كنت من نمط الملتزمين خارجياً، فإن أفضل استراتيجية لك هي التسجيل في دورة جماعية أو دروس منتظمة مع معلم، حتى تكون مرتبطاً بجدول زمني، وتجري متابعتك من طرف خارجي. أما إذا كنت من التحليليين، فقد يكون من الأفضل أن تبدأ بالتعرف إلى أبحاث حول فوائد اللغة، وتفهم بعمق لماذا هذا الجهد يستحق وقتك.
اجعل اللغة تحيط بك في كل مكان وطوال الوقت
من الطرق الأكثر فاعلية لتعلم لغة جديدة هي أن تجعلها جزءاً من حياتك اليومية. لا يكفي أن تدرس بضع ساعات، بل عليك أن تجعلها محور حياتك قدر الإمكان.
كان أحد متطلبات دراستي في الجامعة الحصول على شهادة اللغة الفرنسية بالمستوى المتقدم. وخلال سنة واحدة، تمكنت من الحصول عليها بفضل هذه الطريقة، وهي بالنسبة لي أكثر الطرق فاعلية لتعلم أي لغة بأقصر وقت.
ولذا أنصح بالبدء عبر تغيير لغة هاتفك وتطبيقاتك إلى اللغة المستهدفة، ومشاهدة البرامج والمسلسلات بتلك اللغة (مع ترجمة في البداية)، وقراءة القصص المخصصة للأطفال أو المقالات المبسطة، والاستماع إلى البودكاست أو البرامج بلغتك المختارة خلال تنقلاتك اليومية. فكلما زاد تعرضك للغة، تسارعت قدرتك على فهمها بصورة طبيعية دون مجهود.
اقرأ أيضاً: علمياً: تقليل وقت الشاشات قد يحمي طفلك من اضطراب اللغة
مارس اللغة فالممارسة هي الأساس
قد يبدو الأمر بديهياً، ويجب ألا تصدق المصادر التي تزعم أنه يمكنك تعلم لغة خلال أسبوع أو أسبوعين. لكن يمكنني أن أضمن لك تعلم أي لغة بأسرع وقت ممكن إذا تدربت ومارستها كل يوم. المفتاح الحقيقي لتعلم أي لغة هو الممارسة المستمرة، حتى لو بضع دقائق فقط في اليوم. وهذا هو مفتاح نجاح أي شيء. فإذا سألت أشهر لاعبي الكرة على سبيل المثال عن سر نجاحهم، سيكون التمرين المستمر من ضمن أهم الأسباب.
ومن أفضل أساليب التمرين: التحدث بصوت عال حتى لو كنت وحدك، واستخدام تطبيقات تساعدك على التواصل مع الناطقين باللغة، إضافة إلى قراءة مقالات قصيرة وترديد الجمل. ويعد الالتزام اليومي، حتى لو مدة 5 أو 10 دقائق، أكثر فاعلية من جلسات طويلة متقطعة. التكرار يثبت المعلومات في الذاكرة ويكسر حاجز الخوف من التحدث.
ضع هدفاً رسمياً
أحد أكثر العوامل المحفزة هو وجود هدف تسعى له. التسجيل في امتحان رسمي، مثل DELF للغة الفرنسية أو JLPT لليابانية أو DELE للإسبانية أو الآيلتس والتوفل للإنجليزية، يمنحك هدفاً واضحاً وسبباً للالتزام، ويتيح لك قياس مدى تقدمك. حتى لو لم تكن تنوي استخدام الشهادة لأي غرض، فإن التحضير لامتحان يجعل التعلم منظماً.
وخلال رحلة تعلمي اللغة الصينية، وضعت اختبار اللغة الصينية الرسمي HSK (المستوى الثاني) هدفاً لتحديد مستوى تقدمي بعد عام من الدراسة. ساعدني ذلك على المثابرة في التعلم والتدرب على اللغة. ولأنها تعد من أصعب اللغات، لم أكن واثقة من اجتياز الاختبار، ولكن نجاحي فيه منحني دافعاً ومحفزاً كبيراً للاستمرار في تعلم الصينية وإتقانها.
ركز على المفردات والنطق
من السهل الوقوع في فخ التركيز المفرط على القواعد، لكن المفردات والنطق في الواقع هما مفتاح التواصل الفعلي.
يمكنك أن تتواصل على نحو فعال حتى إذا كانت جملك غير سليمة نحوياً بالكامل، لكن من الصعب إيصال أي فكرة إذا لم تكن تمتلك الكلمات المناسبة أو لا يستطيع الآخر فهم نطقك. اجعل هدفك الأول أن يفهمك المستمع، لا أن تتحدث على نحو سليم لغوياً.
عندما كنت في بداية رحلتي لتعلم اليابانية، كان تركيزي على تعلم المفردات ونطقها مفيداً جداً؛ حيث إنني تمكنت من التواصل والتحدث مع الناس بفعالية خلال رحلة لي إلى اليابان، مع أن عباراتي لم تكن صحيحة لغوياً بعد.
اقرأ أيضاً: غيّر لغة هاتفك إلى اللغة التي تريد تعلمها وإتقانها
هل تريد تعلم أكثر من لغة؟
تعلم لغات من العائلة اللغوية نفسها سيساعدك على تعلم عدة لغات بسهولة. فاللغات التي تنتمي إلى عائلة واحدة يجمعها عدد من الكلمات المتطابقة وقواعد النحو المتشابهة. على سبيل المثال، الفرنسية تفتح لك الباب نحو الإسبانية والإيطالية بسهولة. أما الكورية واليابانية فتستخدمان الكثير من المفردات ذات الأصل الصيني، ما يسهل الانتقال بينهما.
إن تعلم لغة جديدة ليس مجرد مهارة نضيفها إلى سيرتنا الذاتية، بل هو باب نفتح به عوالم جديدة. اللغة تعزز الذاكرة، وتمنحنا ثقة في التواصل، وتقربنا من الآخرين، وتضيف لحياتنا نكهة جديدة مع كل لغة جديدة نتعلمها.