للذاكرة هفواتها التي قد تكون مربكة، مثل أن تنسى اسم أحد معارفك الذي التقيته عشرات المرات، أو المكان الذي وضعت فيه المفاتيح، أو حتى سبب دخولك الغرفة. لكن في حين أن مثل هذه الحوادث العرضية تعد جزءاً طبيعياً من الحياة، فإنها تصبح مزعجة وبحاجة إلى تدخلات فورية عندما تؤثر في الحياة اليومية. لحسن الحظ، فإن التراجع الملحوظ في الذاكرة غالباً ما يكون من الممكن التحكم فيه وعكسه باتباع بعض الممارسات والاستراتيجيات، إليك ما يمكنك فعله.
تقليل تناول السكر
بينما يعد سكر الغلوكوز الوقود الأساسي للدماغ، حيث تستهلكه الخلايا العصبية للحصول على الطاقة، فإن الإفراط في استهلاكه، كما في المشروبات السكرية والحلويات، قد يؤدي إلى ضعف الذاكرة وانكماش حجم الدماغ (فقدان الخلايا والمشابك العصبية)، وخاصة في المنطقة التي تخزن الذكريات قصيرة المدى، وقد يتجلى ذلك بصعوبات في تعلم أشياء جديدة، وتذكر أحداث الماضي، وتدهور الوظائف الإدراكية عموماً.
ومع ذلك، فإن الضرر الالتهابي الناتج عن الإفراط في استهلاك السكر ليس دائماً، حيث وجدت دراسة نشرتها مجلة "الشهية" أنه يمكن عكس تلف الذاكرة الناتج عن استهلاك السكر، باتباع نظام غذائي منخفض السكر ومنخفض المؤشر الغلايسيمي.
عموماً، توصي جمعية القلب الأميركية بألا يزيد استهلاك الفرد للسكر عن 6 ملاعق صغيرة (25 غراماً) للنساء، و9 ملاعق صغيرة (36 غراماً) للرجال.
اقرأ أيضاً: المشي اليومي ليس ترفاً: إليك أهم فوائده في تحسين المزاج والذاكرة
ممارسة الرياضة بانتظام
يبدأ تحسين الذاكرة والقدرة على استدعاء المعلومات واسترجاعها مع اتباع نمط حياة صحي، بما في ذلك ممارسة التمارين الرياضية، لأنها تساعد على:
- وصول الأوكسجين والمغذيات: أشارت دراسة نشرتها دورية آفاق في علم الأعصاب إلى أن النشاط البدني يحسن الذاكرة العاملة من خلال زيادة تدفق الدم إلى الدماغ، موفراً المزيد من الأوكسجين والمغذيات التي تدعم صحة الأعصاب ووظائفها.
- تعزيز المرونة العصبية: تزيد التمارين الرياضية مرونة التشابكات العصبية، أي القدرة على تكوين الروابط العصبية بين الخلايا في الدماغ، وهو ما يساعد على التذكر والتعلم.
- زيادة حجم الحصين: يمكن للتمارين الهوائية المنتظمة أن تزيد حجم الحصين، وهي منطقة الدماغ الأساسية للذاكرة اللفظية والتعلم، وخاصة لدى كبار السن.
توصي منظمة الصحة العالمية البالغين بممارسة ما لا يقل عن 150-300 دقيقة من النشاط البدني المعتدل أو 75-150 دقيقة من النشاط البدني الشديد في الأسبوع، للحصول على الفوائد الصحية للرياضة. يمكن لهذا النشاط أن يتضمن الأعمال المنزلية والنشاط البدني في العمل أو ممارسة الرياضة بهدف التسلية أو اللياقة البدنية.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تكون الرياضة سر الحفاظ على الذكاء والذاكرة في الشيخوخة؟
الحد من التوتر
على الرغم من أن التوتر الحاد قد يكون في بعض الأحيان محفزاً للذاكرة ويساعد على تركيز الطاقة والانتباه، باعتباره جزءاً من استجابة الكر والفر التي طورها الجسم لمواجهة ما قد يعتقد أنه تهديد للحياة، فإن التوتر المزمن أو طويل الأمد قد يؤثر في مناطق من الدماغ مسؤولة عن تكوين الذكريات واسترجاعها، مثل الحصين.
لتقليل مستويات التوتر، يمكن ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل أو اليوغا أو اليقظة الذهنية. في الواقع، أثبتت دراسة نشرتها دورية اللدونة العصبية أن التأمل يزيد المادة الرمادية في الدماغ، والتي يؤثر انخفاضها المرافق للتقدم في العمر سلباً في الذاكرة والإدراك.
التمارين الذهنية
مثلما تحتاج عضلات الجسم للتمرين للحفاظ على قوتها وقدراتها، فإن الدماغ يحتاج أيضاً لبعض التمارين التي تحافظ على مهاراته. تعزز التمارين الذهنية، مثل الألغاز والكلمات المتقاطعة والشطرنج وتعلم لغات ومهارات جديدة، تكوين روابط عصبية جديدة في الدماغ، وإعادة تنظيم اتصال خلاياه. تعرف هذه العملية باسم اللدونة العصبية، وهي قدرة الدماغ على التكيف والتغيير استجابة للتجارب والتعلم والإصابات. بعبارة أخرى، تعزز الألعاب الذهنية الدارات العصبية المشاركة في تكوين الذاكرة واسترجاعها، ما يسهل تخزين المعلومات والوصول إليها.
اقرأ أيضاً: العمل في المكاتب المغلقة: خطر يتربص بصحتك وقدراتك الذهنية
القراءة بصوت عال
بالنسبة للطلاب الذين يحاولون الدراسة وجمع أكبر قدر من المعلومات في ذاكرتهم، يمكنهم اتباع طريقة القراءة الجهرية بصوت عال، حيث يمكن للناس أن يتذكروا الكلمات والنصوص فترات أطول إذا قرؤوها بصوت عال، مقارنة بالقراءة الصامتة. في دراسة قديمة نشرتها المجلة الكندية لعلم النفس، كلف الباحثون مجموعة من البالغين تتراوح أعمارهم بين 67-88 عاماً بمهمة القراءة بصمت وبصوت عال، ثم تدوين كل ما يمكنهم تذكره. تمكن المشاركون من تذكر 27% من الكلمات التي قرؤوها بصوت عال، بينما لم يتذكروا سوى 10% من الكلمات التي قرؤوها بصمت. استنتج الباحثون أن القراءة بصوت عال تساعد على تكوين روابط بصرية وسمعية في مسارات ذاكرتنا، ما يساعدنا على تذكر الأشياء بطريقة أفضل ويحسن في النهاية مهارات الفهم والإدراك.
التكرار يؤدي إلى التعلم بصورة أسرع
عندما نبدأ بتعلم شيء جديد، تتشكل بين الخلايا العصبية في الدماغ روابط جديدة. في البداية تكون تلك الروابط ضعيفة، وبالتكرار تزداد قوتها؛ حيث تزداد سرعة نقل المعلومات التي تحملها السيالات العصبية عبر الروابط العصبية، حتى يتم استحضارها تلقائياً في مراحل متقدمة من التكرار. هذا ما يمكن أن نلحظه من دروس تعلم قيادة السيارة، والتي تكون صعبة في البداية، ولكن مع التمرن والتكرار تصبح عملية قيادة السيارة تلقائية.
لتوضيح تأثير التكرار، يمكن مقارنة الروابط بين الخلايا العصبية في الدماغ بالمسارات التي نرسمها بخطواتنا في الغابة، والتي نستدل بها على الطريق في كل مرة نمر بها، فكلما مشينا فوق تلك المسارات أصبح المرور في الغابة أسرع وأسهل، لكن بمجرد توقفنا عن استخدام تلك الممرات تنمو فوقها النباتات وتخفيها حتى يصبح من الصعب المرور في تلك الغابة.