جائزة نوبل في الطب 2021 لاكتشاف مستقبلات درجة الحرارة واللمس

5 دقائق
جائزة نوبل في الطب 2021

قدرتنا على الشعور بالحرارة والبرودة واللمس ضرورية للبقاء، ويرتكز عليها تفاعلنا مع العالم من حولنا. في حياتنا اليومية، نأخذ هذه الأحاسيس كأمر مسلم به؛ ولكن كيف تنشأ التنبيهات العصبية بطريقة تجعلنا قادرين على الشعور بدرجة الحرارة والضغط؟

تمّت الإجابة على هذا السؤال من قبل الحائزين على جائزة نوبل لهذا العام.

استخدم «ديفيد جوليوس» مركّب «الكابسيسين» اللاذع الموجود في الفلفل الحار؛ والذي يسبب إحساساً حارقاً، لتحديد مستشعر في النهايات العصبية في الجلد يستجيب للحرارة. بينما استخدم «أرديم باتابوتيان» خلايا حساسةً للضغط لاكتشاف فئة جديدة من المستشعرات التي تستجيب للمنبهات الميكانيكية في الجلد والأعضاء الداخلية. حفّزت هذه الاكتشافات الهامة أنشطة بحثيّة مكثفة أدت إلى زيادة سريعة في فهمنا لكيفية استشعار نظامنا العصبي للحرارة والبرودة والمحفزات الميكانيكية. كشف الفائزون بجائزة نوبل في الفيزيولوجيا أو الطب لهذا العام روابطَ مفقودةً بالغة الأهمية في فهمنا للتفاعل المعقّد بين حواسنا والبيئة.

كيف ندرك العالم حولنا؟

إحدى أكبر الألغاز التي تواجه البشرية هو سؤال: كيف نستشعر البيئة من حولنا؟ أثارت الآليات الكامنة وراء حواسنا فضول البشر لآلاف السنين. على سبيل المثال: كيفية تحسس العين للضوء، وكيفية تأثير الموجات الصوتية على آذاننا الداخلية، وكيفية تفاعل المركبات الكيميائية المختلفة مع المستقبلات الموجودة في الأنف والفم لتوليد إحساسات الرائحة والذوق. لدينا أيضاً طرق أخرى لإدراك العالم من حولنا. تخيل أنك تمشي حافي القدمين على العشب في يوم صيفي حار، يمكنك أن تشعر بحرارة الشمس، ومداعبة الهواء، والعشب تحت قدميك. هذه الانطباعات عن درجة الحرارة واللمس والحركة ضرورية للتكيف مع البيئة المحيطة المتغيرة باستمرار.

في القرن السابع عشر، تصوّر الفيلسوف «رينيه ديكارت» وجود خيوط تربط أجزاء مختلفة من الجلد بالدماغ. بهذه الطريقة، فإن ملامسة القدم للهب مثلاً ترسل إشارة ميكانيكية إلى الدماغ. بيّنت الاكتشافات لاحقاً وجود خلايا عصبية حسيّة متخصصة تتحسس التغييرات في بيئتنا. حصل «جوزيف إرلانغر» و«هربرت غاسر» على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا أو الطب لعام 1944 لاكتشافهما أنواعاً مختلفةً من الألياف العصبية الحسية التي تتفاعل مع محفزات مميزة. على سبيل المثال: في الاستجابات للمس المؤلم وغير المؤلم، ومنذ ذلك الحين، ثبت أن الخلايا العصبية متخصصة للغاية في الكشف عن أنواع مختلفة من المحفزات ونقلها؛ ما يسمح لنا بإدراك محيطنا بشكل دقيق، كقدرتنا على الشعور باختلاف ملمس الأسطح عن طريق أطراف الأصابع، أو قدرتنا على تمييز الدفء الممتع والحرارة المؤلمة. 

قبل الاكتشافات التي أنجزها جوليوس وباتابوتيان، كان فهمنا لكيفية استشعار الجهاز العصبي لبيئتنا وتفسيرها لا يزال ينطوي على سؤال أساسي لم تتم الإجابة عنه: كيف يتم تحويل محفّزات الحرارة والمحفزات الميكانيكية إلى إشارات كهربائية في الجهاز العصبي؟

May be an image of text that says 'LHOMME DE RENE DESCARTES ET VN TRAITTE LA FORMATION DV FOETVS DV MESME AVTHEVR. Auec les Remarques de Lovrs DELA AFORGE, Docteur Medecine demeurant alaFleche, Traittéd Homme RENE DESCARTES Efur les Figures par luy inuentées. Sur A Chez HARLES ANGO T, Libraire luré, ruẻ たRAች Iacques, Lion fOr 63/ M. AVEC PRIVILEGE ROY. Bibliothecam efferatur. Ex obedientiã.'

الاكتشافات العلمية تتراكم

في أواخر التسعينيات، رأى ديفيد جوليوس -من جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، الولايات المتحدة الأميركية-، إمكانية تحقيق تقدم كبير من خلال تحليل كيف يتسبب المركّب الكيميائي «الكابسيسين» في الشعور الحارق الذي نشعر به عند التعرّض للفلفل الحار. كان معروفاً من قبل أن الكابسيسين ينشّط الخلايا العصبية؛ مما يسبب الإحساس بالألم؛ ولكن الآلية التي تجعل هذه المادة الكيميائية لها هذه الوظيفة كانت لغزاً لا حل له. أنشأ جوليوس وزملاؤه مكتبةً من ملايين أجزاء الحمض النووي التي تقابل المورّثات التي يتم التعبير عنها في الخلايا العصبية الحسية التي يمكن أن تتفاعل مع الألم والحرارة واللمس.

افترض جوليوس وزملاؤه أن المكتبة ستشمل قطعةً من الحمض النووي تُشفّر البروتين القادر على التفاعل مع الكابسيسين. قام الباحثون بالتعبير عن مورّثات فردية من هذه المجموعة في خلايا مستنبتة لا تتفاعل عادةً مع الكابسيسين. بعد بحث شاق، تم تحديد مورّثة واحدة قادرة على جعل الخلايا حساسة للكابسيسين - تم العثور أخيراً على مورثة استشعار الكابسيسين! كشفت تجارب أخرى أن المورثة التي تم كشفها تُشفّر نوعاً جديداً من بروتينات تدعى «بروتينات القناة الأيونية»، وتمّت تسمية مستقبل الكابسيسين المكتشف حديثاً «TRPV1». عندما درس جوليوس قدرة هذا البروتين على الاستجابة للحرارة، أدرك أنه اكتشف مستقبلاً مستشعراً للحرارة يتم تنشيطه في درجات حرارة تتسبب بالإحساس بالألم.

May be an image of text that says 'Temperature Heat pain TRPV1 Sensory neuron RNA Closed 50 TRPM3 TRPA1 TRPV1 0CH3 DNA fragments 40 Capsaicin TRPM2 30 >43°C Open TRPM8 20 10 lons NobelCotee Physiologyor Medicine. llustration:'

كان اكتشاف مورثة TRPV1 إنجازاً كبيراً أدى إلى فهم مستقبلات أخرى مستشعرة للحرارة. بشكل مستقل عن بعضهما البعض، استخدم كل من جوليوس وباتابوتيان مادة «المنثول» الكيميائية لتحديد «TRPM8»؛ وهو مستقبل تم تنشيطه عن طريق البرد. تم تحديد قنوات أيونية إضافية متعلقة بـ TRPV1 وTRPM8، ووُجد أنها تُنشّط استجابةً لمجموعة من درجات الحرارة المختلفة. اتبعت العديد من المخابر برامجَ بحثيةً للتحقيق في دور هذه القنوات في الإحساس الحراري باستخدام الفئران المعدّلة وراثياً؛ والتي تفتقر إلى هذه المورثات المكتشفة حديثاً. كان اكتشاف جوليوس لـ TRPV1 هو الاختراق الذي سمح لنا بفهم كيف يمكن للاختلافات في درجات الحرارة أن تحفز الإشارات الكهربائية في الجهاز العصبي.

إجراء الأبحاث تحت الضغط

بينما كانت آليات الإحساس بدرجة الحرارة تتكشّف، ظل من غير الواضح كيف يمكن تحويل المحفزات الميكانيكية إلى حواس اللمس والضغط. وجد الباحثون سابقاً مستشعرات ميكانيكيةً في البكتيريا؛ لكن الآليات الكامنة وراء اللمس عند الفقاريات ظلت مجهولة. أراد باتابوتيان؛ والذي يعمل في معهد«سكريبس ريسيرتش» في لاخويا - كاليفورنيا - الولايات المتحدة الأميركية، تحديد المستقبلات المراوغة التي تُنشّط بواسطة المحفزات الميكانيكية.

حدد باتابوتيان ومعاونوه أولاً خطاً خلوياً يعطي إشارةً كهربائيةً قابلةً للقياس عندما يتم وخز الخلايا الفردية باستخدام الماصات المجهرية. كان من المفترض أن المستقبل الذي يتم تنشيطه بواسطة تطبيق قوة ميكانيكية هو قناة أيونية، وفي الخطوة التالية، تم تحديد 72 مورثة مرشحة تُشفر المستقبلات المحتملة.

تم تعطيل هذه المورثات واحدة تلو الأخرى لاكتشاف المورثة المسؤولة عن الحساسية الميكانيكية في الخلايا المدروسة. بعد بحث شاق، نجح باتابوتيان وزملاؤه في تحديد مورثة واحدة جعل تعطيلها الخلايا غير حساسة للضغط بالماصات الدقيقة. تم اكتشاف قناة أيونية جديدة حساسة للتنبيه الميكانيكي، ومُنحت اسم«Piezo1»؛ وهو اسم مشتق من الكلمة اليونانية «píesh»، أو «píesi»؛ والتي تعني «ضغط». اكتُشفت أيضاً مورّثة أخرى من خلال تشابهها مع Piezo1، وسُمّيت «Piezo2». تَبيّن أن الخلايا العصبية الحسية تحتوي على مستويات مرتفعة من Piezo2، وأثبتت دراسات أخرى أن Piezo1 وPiezo2 هما قناتان أيونيّتنا تُنشّطان مباشرةً عن طريق الضغط على أغشية الخلايا.

May be an image of text that says 'Gene silencing Mechanical force Measure Gene silencing Mechanical force Measure Cell Cell Candidate gene Candidate gene 72 PIEZ01 PIEZ02 Closed Touch Proprioception Mechanical force Open lons Nobel Committee for hysioloy or Medicine. Illustration: Mattias Karlén'

أدى الاكتشاف الذي حققه باتابوتيان إلى سلسلة من الأوراق العلمية التي ألفها باحثون من مجموعته ومن مجموعات أخرى. وبيّنت هذه الأبحاث أن قناة Piezo2 ضرورية لحاسة اللمس. علاوةً على ذلك؛ ثبت أن Piezo2 تلعب دوراً رئيسياً في الاستشعار المهم للغاية لموضع الجسم والحركة، والمعروف باسم «استقبال الحس العميق». من خلال أبحاث أخرى؛ ثبت أن قناتيّ Piezo1 و Piezo2 تنظمان عمليات فيزيولوجيةً مهمةً أخرى؛ ومنها ضغط الدم والتنفس والتحكم البولي في المثانة.

اكتملت الصورة

لقد أتاحت لنا الاكتشافات الرائدة لقنوات TRPV1 وPiezo من قبل الحائزين على جائزة نوبل لهذا العام أن نفهم كيف يمكن للحرارة والبرودة والقوة الميكانيكية أن تحفّز التنبيهات العصبية التي تسمح لنا بإدراك العالم من حولنا والتكيف معه. تُعتبر قنوات TRP ضروريةً في قدرتنا على الشعور بالحرارة، وتمنحنا قناة Piezo2 حاسة اللمس والقدرة على الشعور بمكان وحركة أجزاء الجسم.

تساهم قنوات TRP وPiezo أيضاً في العديد من الوظائف الفيزيولوجية الأخرى التي تعتمد على استشعار درجة الحرارة أو المحفزات الميكانيكية. تركز الأبحاث المكثفة المستمرة التي نشأت عن أبحاث العلماء الحائزين على جائزة نوبل لهذا العام على الاكتشافات التي تبيّن وظائف القنوات الأيونية الجديدة في مجموعة متنوعة من العمليات الفيزيولوجية. ستُستغل هذه المعلومات لتطوير علاجات لمجموعة واسعة من الحالات المرضية، ومنها الألم المزمن.

عن العلماء

وُلد «ديفيد جوليوس» عام 1955 في نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية. حصل على درجة الدكتوراه في عام 1984 من جامعة كاليفورنيا - بيركلي، وكان زميل في دراسات مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة كولومبيا في نيويورك. تم توظيف ديفيد جوليوس في جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو في عام 1989 حيث يعمل الآن أستاذاً.

وُلد «أرديم باتابوتيان» عام 1967 في بيروت - لبنان. في شبابه، انتقل من بيروت التي مزقتها الحرب إلى لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأميركية وحصل على شهادة الدكتوراه في عام 1996 من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا - باسادينا، الولايات المتحدة الأميركية. كان زميلاً في دراسات مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو. منذ عام 2000، يعمل باتابوتيان كعالم في معهد سكريبس ريسيرتش في كاليفورنيا؛ حيث يعمل الآن كأستاذ أيضاً، وهو محقق في معهد «هاوارد هيوز» الطبي منذ عام 2014.