باحثون يطورون عدسة مجهر خاصة ترصد نمو الخلايا السرطانية

3 دقيقة
باحثون يطورون عدسة مجهر خاصة ترصد نمو الخلايا السرطانية
حقوق الصورة: شترستوك

طور باحثون في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، عدسة جديدة ذات جودة تحاكي التصميم الدقيق للعدسات المستخدمة في منارات السفن، مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وبتكلفة منخفضة. توضع هذه العدسة ضمن جهاز بصري يسمى مجهر "تشتُّت رامان"، ما قد يسهّل رصد التفاصيل الجزيئية للعمليات الحيوية، بما فيها نمو الخلايا السرطانية، بالإضافة إلى فحص محتويات أطباق بِتري الشفافة التي تستخدم عادة كأداة مخبرية في مجال البيولوجيا.

مجهر تشتُّت رامان

مجهر تشتت رامان هو مجهر ضوئي يعتمد على تقنية تسمى "مطيافية رامان" وهي تقنية تحليل كيميائي توفر معلومات مفصلة حول التركيب الكيميائي للعينة المدروسة والطور الذي تمر فيه وتعدد أشكالها وتبلورها والتفاعلات الجزيئية بين المواد التي تتركب منها، بالاعتماد على تفاعل الضوء مع الروابط الكيميائية بين جزيئات المادة.

لا يستخدم الضوء العادي في هذا النوع من المجاهر، بل يستخدم ضوء الليزر. ويتم فحص العينات من خلال تشتت ضوء الليزر، حيث ينثر الجزيء الذي تتركب منه المادة  الضوء الوارد إليه من مصدر الليزر عالي الكثافة. حقيقةً، تتبعثر كمية ضئيلة جداً من الضوء ذي الأطوال الموجية (أو الألوان) المختلفة عن الليزر، تختلف وفقاً  للتركيب الكيميائي للمادة؛ وهذا ما يسمى "تشتت رامان"، في حين يتبعثر معظم الضوء الناتج عن مصدر الليزر وهذا لا يوفر أي معلومات مفيدة.

اقرأ أيضاً: كار تي-سل: دواء «حي» لعلاج السرطان ساعد مريضين في التخلص من السرطان لعقد من الزمن

استخدامات تقنية مطيافية رامان

استُخدمت مطيافية رامان في التحليل المجهري لفحص العينات بطول 0.5-1 ميكروناً بدقة عالية، وذلك عبر مجهر تشتت رامان، الذي تُدمج فيه تقنية مطيافية رامان بالمجهر الضوئي. ولكونه عبارة عن مجهر ضوئي، تُفحص فيه العينات بسهولة، حيث تُوضع العينة تحت المجهر، ويتم ضبط الرؤية عبر العدسات، ومن ثم إجراء القياس.

وتُستخدم هذه التقنية لتحليل طيف واسع من المواد الصلبة والسائلة والغازية، والمساحيق، والمواد الهلامية والعضوية وغير العضوية والحيوية وغيرها، مهما كان مجال دراسة هذه العينات، كيمياء أو جيولوجيا أو علم الأحياء أو علم الآثار وحتى أشباه الموصلات.

في علم الأحياء، يفحص مجهر رامان الخلايا والأنسجة المفردة، ويدرس التفاعلات الدوائية، وله دور في تشخيص الأمراض، كالسرطان، وهنا يأتي دور الباحثين في جامعة كاوست.

اقرأ أيضاً: دليلك للتعرف على المجاهر الإلكترونية التي ساعدت حتى على رؤية الذرة

استخدام مجهر تشتت رامان في تشخيص الأمراض

بفضل قدرة مجاهر تشتت رامان على إنتاج صورٍ عالية الدقة بسرعاتٍ آنية، فكّر الباحثون في جامعة كاوست في استخدامها في دراسات تشخيص الأمراض في الجسم الحي، على الرغم من أن لها أوجه قصور، ففي هذه المجاهر يتأثر نظام الرصد بإشارة في الخلفية تُعرَف باسم التعديل متعدد الأطوار، وتحدث نتيجة التفاعلات المكثَّفة بين نبضات الليزر والعينات.

يقول الدكتور "كارلو ليبرالي"، أستاذ العلوم الحيوية المساعد في كاوست: "هذه الإشارة الخلفية واسعة الانتشار كما أنها تقلِّل التباين وقت الرصد المجهري للعينات المعقدة، مثل الخلايا الحية، بل وتجعل من الصعب تمييز الجزيئات المستهدفة".

لذلك يجب تفادي آثار التعديل متعدد الأطوار، ولا يتم هذا الأمر إلّا باستخدام عدسات شيئية زجاجية ضخمة في المجهر، قادرة على تجميع زوايا عريضة من الضوء. وهنا يواجه الباحثون عقبة أخرى، إذ يستحيل تركيب هذه العدسات في الحاضنات التي توضَع فوق منصات المجاهر، والتي تُستخدم لإنماء الخلايا الحية بهدف التصوير الحيوي.

لحل هذه المعضلة، أشرف الدكتور "أندريا برتونشيني" من فريق الباحثين، على دراسةٍ لتصنيع عدسة فائقة الصغر تعمل بتقنية "تشتُّت رامان" وذلك باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد بالليزر. ومن خلال محاكاة التصميم الدقيق لعدسات المنارات، طبع الفريق خصائص دقيقة تشبه العدسات والمرايا داخل بوليمر شفَّاف سُمكه أقل من الملليمتر.

يقول "برتونشيني": "تصميم العدسة بهذه الطريقة يجعلها فعَّالة جداً في تجميع الضوء القادم من مصادر عريضة الزاوية وإعادة توجيهه إلى كاشف الليزر. ولأن العدسة دقيقة جداً، يكون من السهل تركيبها داخل الغُرَف المغلقة للحاضنات".

وبعد أن أكَّدت تجارب المعايرة أنَّ العدسة الجديدة تستطيع استبعاد إشارة التعديل متعدد الأطوار، وجَّه الباحثون أنظارهم نحو خلايا سرطانية بشرية مزروعة في طبق بتري تقليدي. 

اقرأ أيضاً: إليك أحدث ما توصل إليه العلم في علاج السرطان

وكشفت هذه التجارب أنه يمكن للعدسة تصوير المكونات الداخلية للخلية بدرجة من الدقة تضاهي مجاهر "تشتُّت رامان"، لكن بتصميم أكثر ملاءمة وأقل تكلفة، وذلك بحسب ما ورد على موقع الجامعة. وفي هذا الصدد يقول برتونشيني: "تبلغ تكلفة العدسات الشيئية التي نستخدمها عادةً لجمع الإشارات في مجاهر تشتُّت رامان المحفَّز بضعة آلاف من الدولارات. أما الآن، فأصبح لدينا عدسة بمزايا مشابهة يكلّفنا إنتاجها أقل من عُشر هذه التكلفة".