هل يمكن أن تسهم القهوة في الوقاية من مرض باركنسون؟

3 دقيقة
هل يمكن أن تسهم القهوة في الوقاية من مرض باركنسون؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Pixel-Shot

القهوة، الرفيق الصباحي المحبوب للملايين حول العالم، قد تُقدم أكثر من مجرد دفعة من الطاقة أو لحظة من السكينة في حياتنا الصاخبة. فإلى جانب رائحتها الآسرة وجرعة الكافيين المُنعشة، أثبتت دراسة حديثة أن لها فائدةً مهمة؛ وهي الوقاية من مرض باركنسون أو تأخيره! 

كيف تؤثر القهوة في خطر الإصابة بمرض باركنسون؟

في الدراسة الحديثة التي نُشرت في فبراير/شباط 2025 على خادم ما قبل الطباعة بايو أركايف (bioRxiv)، لكن لم تخضع لمراجعة الأقران بعد، تحقق الباحثون من العلاقة السببية بين تناول القهوة والسن عند ظهور مرض باركنسون، مستخدمين بيانات "دراسة الارتباط على نطاق الجينوم" (GWAS) المتاحة للعامة من مجموعة أوروبية كبيرة تضم 27,693 فرداَ.

اعتمد الباحثون نهج التوزيع العشوائي المندلي (Mendelian randomization)، وهو نهج بحثي يستخدم المعلومات الجينية لتقييم العلاقات السببية بين عامل معين (شرب القهوة) ونتائج صحية (تأخر ظهور مرض باركنسون). 

كشفت الدراسة عن علاقة سببية بين زيادة استهلاك القهوة وتأخر ظهور مرض باركنسون، لكنها لم تجد دليلاً على تأثير القهوة في خطر الإصابة بمرض باركنسون أو تطوره إجمالاً. وتشير هذه النتائج إلى أن استهلاك القهوة قد يكون له أثر وقائي ضد المرض.

اقرأ أيضاً: أبرز الفوائد لشرب القهوة يومياً

ما هو مرض باركنسون؟

مرض باركنسون هو اضطراب عصبي تدريجي يؤثر بصورة رئيسية على الحركة. يحدث نتيجة تلف بعض الخلايا العصبية التي تنتج ناقلاً كيميائياً يُسمى الدوبامين في الدماغ. يؤدي الدوبامين دوراً حاسماً في تنظيم الوظائف الحركية، ويؤدي نقصه إلى ظهور الأعراض المميزة لمرض باركنسون. 

تظهر الأعراض تدريجياً، وقد لا يمكن تمييزها في المراحل المبكرة من المرض، مثل تعبيرات الوجه الغريبة، أو صعوبة النطق المؤقتة، أو عدم تأرجح الذراعين أثناء المشي. بمرور الوقت، يكون المصاب بمرض باركنسون قد فقد بالفعل 60-80% من الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين، فتزداد حدة الأعراض سوءاً لتشمل الرعشة وتيبس العضلات وبطء الحركة ومشكلات في التوازن. ومع تقدم المرض، قد يعاني الفرد من تغيرات في القدرة على الكلام أو المزاج أو الوظائف الإدراكية. 

وعلى الرغم من أن مرض باركنسون يرتبط عادةً بكبار السن، فهو يصيب أحياناً الأفراد الأصغر سناً أيضاً.

اقرأ أيضاً: ما يجب أن تعرفه عن ملازمة مريض باركنسون وكيفية التعامل معه على المدى الطويل

كيف تساعد القهوة على الوقاية من مرض باركنسون؟

يعتقد الباحثون أن القهوة تؤدي دوراً وقائياً ضد مرض باركنسون للأسباب التالية:

  • محتواها من الكافيين: يعمل مركب الكافيين في القهوة من خلال التفاعل مع مستقبلات الأدينوزين في الدماغ. الأدينوزين هو ناقل عصبي يعمل على تثبيط الجهاز العصبي المركزي عند تراكمه في الدماغ، ما يسبب الشعور بالنعاس والتعب مع مرور الوقت، بالإضافة إلى دوره في تثبيط إطلاق الدوبامين. من خلال تفاعل الكافيين مع مستقبلات الأدينوزين، فإنه يمنع ارتباط الأدينوزين بها، ما يقلل أثره المسبب للنعاس ويزيد اليقظة والانتباه، ويزيد بطريقة غير مباشرة من إطلاق الدوبامين، وبالتالي قد يُساعد على الوقاية من مرض باركنسون.
  • الخصائص المضادة للالتهاب في القهوة: يثبط الكافيين إنتاج الجزيئات المسببة للالتهابات، مثل السيتوكينات. في الواقع، ربطت بعض الدراسات بين الالتهاب الجهازي ومرض باركنسون، بما فيها الدراسة المنشورة في دورية الأمعاء (Gut)، والتي أشارت إلى أن المصابين بداء الأمعاء الالتهابي يزداد لديهم خطر الإصابة بمرض باركنسون بنسبة 22%، مقارنةً بأقرانهم غير المصابين. بالإضافة إلى الكافيين، تحتوي القهوة على بعض المواد الكيميائية غير الكافيينية، مثل مركب "ايكوسانويل-5-هيدروكسي تريبتاميد" (EHT)، التي تساعد على حماية خلايا الدماغ من الالتهاب والتلف.

اقرأ أيضاً: بين فوائده وأضراره: ما الذي لا يعرفه العرب عن الكافيين؟

تأثير القهوة في المصابين بمرض باركنسون

على الرغم من أن الدراسة الحديثة لم تظهر أي تأثير على المصابين بمرض باركنسون، فإن دراسة سابقة نشرتها دورية بي إم سي علم الأعصاب (BMC Neurology)، كشفت أن تناول القهوة قد قلّل الرعشة بدرجة ملحوظة لدى الرجال، بينما لم تشهد النساء مستوى التحسن نفسه في الرعشة، وبالتالي يمكن للكافيين في القهوة تعزيز فعالية بعض علاجات باركنسون.

الدواء الرئيسي الموصوف لهذا المرض هو مزيج من "ليفودوبا" و"كاربيدوبا". يساعد ليفودوبا الخلايا العصبية على إنتاج الدوبامين، بينما يمنع كاربيدوبا التحلل المبكر لليفودوبا، ما يضمن وصوله إلى الدماغ لتخفيف الأعراض الحركية مثل الرعشة. على الرغم من أن هذا المزيج يُخفف الأعراض، فهو لا يُوقف تطور المرض.

مع ذلك، فإن الاستخدام المُطوّل لليفودوبا يُمكن أن يكون له أثر جانبي يتمثل بحركات لا إرادية في الوجه أو الأطراف أو الجذع. وهنا قد يساعد الكافيين على تقليل خطر الإصابة بخلل الحركة لدى المرضى الذين يخضعون لعلاج طويل الأمد بالليفودوبا، لأنه يعمل على مُستقبلات الأدينوزين، والتي يُمكن أن تُؤثر على التحكم الحركي. كما قد يُساعد في تقليل تراكم تحمّل الدواء، ما يعني أن المرضى قد لا يحتاجون إلى زيادة جرعة ليفودوبا باستمرار لتحقيق التأثيرات العلاجية نفسها.

الجانب الآخر لتأثير شرب القهوة في مرض باركنسون

في حين أن الكافيين يُظهر فعالية واعدة في تأخير الإصابة بمرض باركنسون، فإن آثاره يمكن أن تختلف باختلاف عوامل فردية مثل الوراثة والصحة العامة ونمط الحياة. 

أشارت دراسة سابقة نُشرت في دورية علوم الأعصاب والعلاجات في الجهاز العصبي المركزي (CNS Neuroscience & Therapeutics)، إلى أن الاستهلاك "المزمن" للقهوة، يؤدي إلى انكماش ما يدعى بـ "الجسم المخطط"؛ وهي منطقة مهمة في الدماغ تشارك في التحكم بالحركة. ومع ذلك، فإن هذا التغيير ليس دائماً، أي أن الآثار المزمنة للكافيين على مورفولوجيا الجسم المخطط قد تتلاشى، ويمكن عكسها لدى التوقف عن تناول القهوة.

ومن الجدير بالذكر، أن كل الدراسات السابقة قد ركزت على القهوة غير منزوعة الكافيين، إلا أن دراسة نشرتها مجلة مرض باركنسون (Journal of Parkinson’s Disease)، أفادت بأن مادة كيميائية تُستخدم لإزالة الكافيين من القهوة، وتدعى "ثلاثي كلورو الإيثيلين" (TCE)، وهي مادة كيميائية صناعية شائعة الاستخدام، تُستخدم لإزالة الشحوم من المعادن والتنظيف الجاف للملابس، قد يُسهم في انتشار مرض باركنسون.

المحتوى محمي