دراسة جديدة تبيّن أن فضلات الإنسان قد تساعد على محاربة البكتيريا

كيف يمكن أن يساعد زرع البراز على معالجة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية؟
"صورة لبكتيريا المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (باللون الأصفر) وخلية دم بيضاء بشرية (باللون الأحمر). المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية/معاهد الصحة الوطنية"

استخدم المصريون القدماء من آلاف السنين الخبز المتعفن لعلاج الجروح الملتهبة. وربما لم يدركوا أن هذه الممارسة الطبية الغريبة تعتمد على الفطريات التي تركّب المواد الكيميائية التي تقتل البكتيريا المسببة للعدوى. بتعبير آخر، كانت هذه الممارسة نموذجاً أولياً لأدوية المضادات الحيوية. ساعدت هذه النماذج ألكسندر فليمنغ على اكتشاف البنسلين بعد قرون. والآن، يلجأ العلماء على نحو متزايد إلى مصدر آخر غير تقليدي قاتل للجراثيم لمكافحة الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية، وهو البراز الصحي.

الكائنات الحية الدقيقة البرازية توقف نمو البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

على وجه التحديد، ووفقاً لدراسة ضيقة نُشرت بتاريخ 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في مجلة ساينس ترانزليشونال ميديسن (Science Translational Medicine)، عمليات زرع الكائنات الحية الدقيقة البرازية آمنة وفعالة في وقف نمو البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. إذا أثبت المزيد من التجارب السريرية نجاح هذه العمليات، فقد تمثّل هذه الأخيرة طريقة واعدة لعلاج الأشخاص المعرضين لخطر حالات العدوى المقاومة للمضادات الحيوية، مثل المرضى الذين يخضعون لعمليات زرع الأعضاء.

أنقذت المضادات الحيوية الملايين من حالات العدوى القاتلة، وارتفع متوسط العمر المتوقع للإنسان بمقدار كبير بعد اكتشافها. لكن حفّز الاستخدام المفرط لها بعض السلالات البكتيرية على اكتساب طرق تحميها من هذه الأدوية. تمثل السلالات المقاومة للمضادات الحيوية مشكلة عالمية تسببت بـ 5 ملايين حالة وفاة في عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، هناك انتشار مقلق لما يُدعى الجراثيم الخارقة، وهي سلالات من البكتيريا تتمتع بمقاومة عالية على نحو استثنائي للعديد من الأدوية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكننا حماية الميكروبات النافعة في الأمعاء من المضادات الحيوية؟

يقول الأستاذ المساعد للطب في كلية الطب بجامعة إيموري والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، مايكل وودوورث، إنه بمجرد إصابة المريض بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، "لا توجد طريقة للتخلص من الغزو البكتيري. ولا توجد حالياً علاجات معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية". حاول الأطباء في الماضي التخلص من الجراثيم الخارقة باستخدام المزيد من المضادات الحيوية، ما قد يؤدي إلى تشكّل "حلقة مفرغة" يعزز فيها الدواء نمو البكتيريا الأكثر مقاومة للمضادات الحيوية.

ظهرت فكرة استخدام طُعوم البراز لقتل الجراثيم الخارقة بعد أن بيّنت مجموعة متزايدة من الأدلة أنها يمكن أن تساعد على علاج حالات العدوى الشديدة ببكتيريا المطثية العسيرة، وهي جرثومة يمكن أن تصيب المرضى في المستشفيات. لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين تلقّوا طعوم البراز كانوا أقل عرضة للإصابة بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.

الدراسة الجديدة هي تجربة سريرية في المرحلة الأولى شملت 11 شخصاً على قوائم الانتظار للخضوع إلى عمليات زرع الكلى. يتناول الأشخاص الذي يخضعون لعمليات زرع الأعضاء المضادات الحيوية الوقائية بعد العمليات عادة، لكن هذا لم يخفض انتشار حالات عدوى المسالك البولية المقاومة للمضادات الحيوية في هذه الفئة من السكان.

اختار مؤلفو الدراسة الجديدة المشاركين عشوائياً لتلقي طعم برازي بعد الخضوع لعملية زرع الكلى مباشرة، أو في وقت لاحق إذا بيّن تحليل عينات البراز وجود البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية بعد 36 يوماً. وتلقّى المرضى طعماً برازياً ثانياً إذا اتضح أن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية بقيت موجودة في أجسامهم.

عمليات زرع البراز

استخدم الباحثون الحُقن الشرجية لإدخال الطعوم البرازية جميعها، وهي طريقة تبيّن الدراسة أن آثارها الجانبية هي الأكثر استبعاداً. استخدم الباحثون اختبارات التصفية للتحقق إن كانت الطعوم البرازية تحتوي على مسببات الأمراض المعروفة بأنها تقاوم المضادات الحيوية، وذلك لتقليل خطر انتقال البكتيريا الضارة من خلال عمليات زرع البراز.

لاحظ الفريق نتائج تحسّن كبيرة في المجموعتين على الرغم من قلة عدد المشاركين؛ إذ تسببت جائحة كوفيد-19 بتعطيل عملية إلحاق المرضى في الدراسة. كانت العلاجات جميعها آمنة بالنسبة للأشخاص الذين تلقّوا الطعوم البرازية مرة أو مرتين. بالإضافة إلى ذلك، بينت النتائج أن أجسام 8 من أصل 9 مشاركين لم تحتوِ على البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية بعد 36 يوماً.

بيّن التحليل الجيني لعينات البراز أن عمليات الزرع ساعدت على تقليل عدد الجراثيم الخارقة. قد يساعد إنهاء غزو البكتيريا هذا على الوقاية من تكرار حالات العدوى المقاومة للمضادات الحيوية، على الرغم من أنه لم يُختبر مباشرة.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى: علماء يكتشفون وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في دم الإنسان

يقول المتخصص في طب الجهاز الهضمي في مركز ميموريال هيرمان الطبي في مدينة هيوستن الأميركية، سيف الدين حكيم، الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: "تمثّل هذه الدراسة أساساً لإجراء دراسة واسعة منضبطة باستخدام عيّنات عشوائية تهدف إلى تقييم تأثير [عمليات زرع الكائنات الحية الدقيقة البرازية] في إنهاء غزو الكائنات المقاومة للعديد من الأدوية". يضيف حكيم أنه من المنطقي نظرياً أن يؤدي خفض عدد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في الأمعاء إلى تقليل خطر الإصابة بالعدوى السريرية أو الإنتان، ولكن هناك حاجة إلى التوصّل إلى المزيد من النتائج القائمة على الأدلة لإثبات ذلك.

مزيج من البكتيريا المفيدة

يقول وودوورث إن عمليات زرع البراز توفّر مزيجاً من البكتيريا "المفيدة" لتحسين صحة القولون وتقوية الحاجز المعوي. من المحتمل أيضاً أن فائدة هذه العمليات تنجم عن آلية حيوية أخرى. يفترض وودوورث أن عمليات زرع البراز أدت إلى تحفيز منافسة بين البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية والجراثيم غير المقاومة من النوع نفسه. ربما أسهم ذلك في زيادة حساسية السلالات البكتيرية للمضادات الحيوية.

اقرأ أيضاً: مضاد حيوي قديم قد يمثّل أداة جديدة لمكافحة البكتيريا المقاومة للأدوية

يقول وودوورث إن هناك العديد من التساؤلات التي تجب معالجتها لأن التجربة كانت اختباراً في المرحلة الأولى، مثل تحديد الجرعة المناسبة من الطعوم البرازية. يجري فريقه حالياً تجربتين سريريتين أخريين للبحث في تطبيقات أوسع تهدف إلى مكافحة مسببات الأمراض المقاومة للأدوية. ويخطط الباحثون حالياً لإجراء دراسة متابعة أكبر على الأشخاص الذين خضعوا لعمليات زرع الكلى للتوصّل إلى فهم أعمق للطريقة التي تساعد وفقها المنافسة بين السلالات على مقاومة الغزو البكتيري.

يقول وودوورث إن عمليات زرع البراز تعاني مشكلات يجب حلها. مع ذلك، فهو يأمل أن تكون هذه الدراسة نقطة انطلاق لإلهام تطوير علاجات أخرى متعلقة بالميكروبيوم بهدف محاربة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. يبدو أن البراز هو نظير الخبز المتعفّن الذي سيساعدنا على تطوير الجيل التالي من العلاجات.