الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

ماذا تخبرنا كلاب تشيرنوبل عن مخاطر الإشعاع النووي؟

4 دقيقة
صورة فوتوغرافية تُظهر كلاباً تمر بجوار عجلة دوارة ظاهرة في الخلفية في مدينة بريبيات المهجورة قرب محطة تشيرنوبل النووية لتوليد الطاقة في 29 مايو/أيار 2022، خلال الغزو الروسي لأوكرانيا. مصدر الصورة: ديميتار ديكوف/صور أسوشيتد برس عبر غيتي إميدجيز

تختلف الكلاب الضالة التي تعيش قرب تشيرنوبل على الصعيد الجيني عن أسلافها الذين نجوا من كارثة المحطة النووية عام 1986، لكن هذه التغيرات لم تنشأ على ما يبدو من تحولات جينية ناجمة عن النشاط الإشعاعي. تساعد هذه النتائج الجديدة الخبراء على وضع سياق مناسب لكيفية تأثير هذه الكوارث البيئية في البيئة المحيطة بها، وكيفية انتشار هذه التأثيرات مع مرور الزمن.

ما زال الانصهار النووي لمفاعل تشيرنوبل يمثل أحد أسوأ الكوارث النووية في التاريخ. تسبب الانفجار الأولي بمقتل عاملين في المنشأة في 26 أبريل/نيسان 1986، لكن تبع ذلك وفاة 28 شخصاً آخر على الأقل على مدى الأشهر الثلاثة التالية بسبب التسمم الإشعاعي الحاد والمشاكل المرافقة له. وقد شهدت العقود التالية للانصهار النووي 9,000 حالة وفاة متعلقة بالسرطان على الأقل في أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا، وما زالت هناك منطقة عازلة تبلغ مساحتها 259 كيلومتراً مربعاً تقريباً حول المنشأة، وتتضمن هذه المنطقة مدينة بريبيات المهجورة. إضافة إلى الوفيات المؤكدة، أشارت عدة دراسات إلى تأثيرات أخرى طويلة المدى، بما فيها المياه الملوثة وتلف النباتات والتشوهات الخلقية لدى البشر والحيوانات على حد سواء.

ما زال من الصعب تقدير الأضرار البيئية، لكن المنطقة لم تخلُ من الحياة تماماً. فقد بقيت حيوانات عديدة على قيد الحياة حتى بعد التعرض لطفرات جينية ناجمة عن الإشعاع، خصوصاً مجموعة من الكلاب الأليفة التي هجرها أصحابها خلال تنفيذ أوامر الإجلاء السريع من المنطقة المحيطة بتشيرنوبل. حالياً، تشير التقديرات إلى وجود عدة مئات من الكلاب الضالة التي تعيش في المنطقة، ما يمثل فرصة فريدة لدراسة تكيف هذه الكائنات مع التدهور البيئي الهائل والمفاجئ.

اقرأ أيضاَ: علماء أحياء ينجحون في تفقيس بيوض قراد معدلة جينياً بتقنية كريسبر

 اختلافات جينية بين الكلاب الضالة في المنطقة العازلة والكلاب التي تعيش في مدينة تشيرنوبل

 في دراسة منشورة العام الماضي، اكتشف الباحثون اختلافات جينية واضحة بين الكلاب الضالة في المنطقة العازلة والكلاب التي تعيش في مدينة تشيرنوبل على مسافة لا تكاد تتجاوز 16 كيلومتراً. وتتضمن هذه الاختلافات 391 منطقة جينية شاذة بين المجموعتين، ويتعلق بعضها بإصلاح الحمض النووي على وجه الخصوص.

لكن، وفقاً لدراسة استقصائية لاحقة أجراها الفريق ونشرها في مجلة "بلوس ون" (PLOS One)، يقول الفريق الآن إنه "لا يوجد دليل" على أن هذه الاختلافات ناجمة عن زيادة في معدل التحور الجيني.

توصل الباحثون إلى استنتاجهم هذا بعد تحليل عينات على مستوى الكروموسومات، متبوعاً بتحليل على مستوى المقاطع الجينومية الصغيرة الفاصلة والاختلافات بين النيوكليوتيدات الإفرادية. وقد ركز الفريق على وجه الخصوص على أي أدلة تشير إلى وجود شذوذات مثل الطفرات المتراكمة في الخيط الأصلي للحمض النووي، أي التغيرات التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء في الحمض النووي للخلايا التناسلية على مدى أجيال متعددة. ووفقاً للأستاذ المختص بعلم الأورام والجينات المقارن في جامعة كارولاينا الشمالية الحكومية والمؤلف المشارك في الدراسة عن طريق التراسل، ماثيو برين، فإن هذه العملية بأسرها تشبه استخدام وظيفة التكبير في كاميرا الهاتف.

قال برين في بيان مرافق للدراسة في 13 يناير/كانون الثاني: "نبدأ برؤية شاملة لموضوع الدراسة، ونركز بعد ذلك على تفاصيل محددة. فعلى سبيل المثال، نعرف أن التعرض لجرعات عالية من الإشعاع يمكن أن يؤدي إلى انتشار عدم الاستقرار من مستوى الكروموسومات إلى المستويات الأدنى".

طفرات جينية على مدار 30 جيلاً

 أشار برين إلى أن مجموعات الكلاب الحالية مولودة بعد أكثر من 30 جيلاً من كارثة تشيرنوبل في 1986، وعلى الرغم من هذا فإن الفريق ربما يتمكن من تحديد الطفرات الجينية، إذا كانت، على سبيل المثال، توفر شكلاً من أشكال ميزة البقاء. غير أن الباحثين لم يجدوا أي دليل يشير إلى شذوذات كهذه.

ويخلص مؤلفو الدراسة إلى أن "الطفرة الجينية لا تبدو سبباً للاختلافات الجينية التي اكتشفنا وجودها بين هاتين المجموعتين المتقاربتين جغرافياً من الكلاب التي تتوالد بحرية. بالنظر إلى هذا، وبالتزامن مع الدراسات السابقة لتكوين السلالات والتوالد الداخلي (توالد حيوانين أبوين متشابهين ومرتبطين وراثياً، كالأخ والأخت، أو الابن والأم، أو غير ذلك) والمقارنة مع مجموعات أخرى من الكلاب التي تتوالد بحرية، فإننا لم نتمكن حتى الآن من تحديد السبب الفعلي لهذه الاختلافات الجينية".

تعتقد المرشحة لدراسة الدكتوراة في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية والمؤلفة الرئيسية للدراسة، ميغان ديلون، أن الجيل الأول من الكلاب التي بقيت على قيد الحياة بعد حادثة تشيرنوبل ربما تمكنت من ذلك بفضل بعض الميزات الجينية التي كانت تمتلكها مسبقاً، لا بسبب ميزات جينية اكتسبتها من خلال الطفرات الناجمة عن الإشعاعات.

تقول ديلون: "ربما كان هناك تأثير شديد للعوامل الانتقائية في البداية، وبعد ذلك، بقيت الكلاب في المنطقة المجاورة لمحطة الطاقة منفصلة عن المجموعات التي في المدينة ببساطة. إن دراسة هذه المسألة هي الخطوة التالية المهمة التي نعمل عليها".  

لا تقتصر أحدث النتائج التي توصل إليها الباحثون على الكلاب فقط. فنظراً لعدد الأجيال من الكلاب التي عاشت هناك منذ حادثة الانصهار النووي، تشبّه ديلون هذه المجموعات الحالية بالبشر "الذين تفصل قرون عديدة بينهم وبين أولئك الذين كانوا حاضرين وقت الكارثة".

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: الكلاب تشمُّ رائحة التوتر عند البشر وتتشاءم بسببها

آثار صحية ما زالت موجودة على البشر والحيوانات

لكن عدم وجود طفرات جينية ناتجة عن الغبار الذري المتساقط لدى كلاب تشيرنوبل لا يعني أنها لا تعاني مشاكل صحية، شأنها شأن البشر الذين ما زالوا يشاركون في جهود تنظيف المنطقة.

وأضاف المؤلف المشارك في الدراسة وأستاذ علوم الصحة البيئية في كلية الصحة العامة في جامعة كولومبيا، نورمان كلايمان، قائلاً: "ينظر معظم الناس إلى حادثة تشيرنوبل النووية بوصفها كارثة إشعاعية في منطقة نائية بأوكرانيا، غير أن نطاق الآثار الصحية الوخيمة المحتملة أوسع من ذلك بكثير".

وأوضح كلايمان أنه بالإضافة إلى الإشعاع، شهدت البيئة المحيطة إطلاق سموم أخرى مثل مسحوق الرصاص، والمبيدات الحشرية، والأسبستوس، والمعادن الثقيلة على مدى 3 عقود من أعمال الإصلاح التي تولى تنفيذها الآلاف من الناس.

 يقول كلايمان: "لا يسعنا سوى التشديد على أهمية الاستمرار في دراسة جوانب الصحة البيئية للكوارث الواسعة النطاق مثل هذه الكارثة".

المحتوى محمي