وجد فريق من الباحثين في جامعة نيويورك أبوظبي جزيئاً صغيراً ضمن الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) يؤثر في إنتاج البروتينات الأساسية داخل الخلايا العصبية النامية وتطور المحاور العصبية، والخلل في هذه العملية يرتبط بالتوحد وانفصام الشخصية، ما يؤثر في تطور الدماغ.
العلاقة بين نمو الدماغ واضطراب التوحد والفصام
تتكون الخلايا العصبية بصورة أساسية من 3 أجزاء، هي جسم الخلية العصبية والتغصنات الشجيرية التي تحيط به بالإضافة إلى محور عصبي يعمل على توصيل الخلايا العصبية بعضها ببعض وتوصيل الإشارات على نحو صحيح في الدماغ. كلما زادت هذه الارتباطات العصبية تطورت الخلايا العصبية وزادت قدرات الدماغ. يؤدي الفهم العميق للآليات الداخلية لهذه العمليات إلى زيادة فهمنا لبعض التداعيات الشديدة الناتجة عن التغيرات الدقيقة في الخلايا.
كشفت الدراسة الحديثة المنشورة في دورية "سيل ريبورتس" العلمية أن مؤشراً جزيئياً صغيراً ضمن الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) يعرف باسم "إم 6 أيه ميتيليشن" (m6A methylation)، يؤثر في إنتاج البروتينات الأساسية داخل الخلايا العصبية النامية، وبالتحديد في إنتاج بروتين يدعى "أدينوماتوس بوليبوسيس كولي" (APC)، وهو بروتين يؤثر في تنظيم البنية الداخلية للخلايا العصبية، بالإضافة إلى أنه بروتين ضروري لإنتاج بروتين "بيتا-أكتين" (β-actin) الذي يدعم نمو المحور العصبي.
وجد فريق الباحثين أيضاً أن الطفرات الجينية ذات الصلة بالتوحد وانفصام الشخصية يمكن أن تعرقل هذه العملية، وتعوق تطور المحاور العصبية ونموها على نحو طبيعي ما قد يؤثر في تطور الدماغ. فقد قالت أستاذة علم الأحياء دان أوتان وانغ التي قادت البحث: "يربط هذا البحث بين عملية موجودة في الجسم بأكمله، وهي إنتاج البروتينات في الخلايا، وتأثيرات محلية للغاية في الخلايا العصبية تحديداً من شأنها أن تؤثر في تطور الدماغ. لقد وجدنا أن حدوث خلل في هذه العملية الدقيقة قد ينتج اضطرابات مثل التوحد وانفصام الشخصية. ومن خلال فهم هذه التفاصيل الجزيئية، قد نتوصل إلى طرق جديدة للعلاج والتدخل المبكر".
يسهم فهم آليات عمل هذه البروتينات أيضاً في تحديد أهداف علاجية جديدة للأمراض التي تنطوي على خلل في تطور الجهاز العصبي أو وظائفه، مثل الاضطرابات العصبية النمائية أو الإصابات العصبية.
اقرأ أيضاً: اضطراب طيف التوحد: دليل شامل من الأسباب إلى الأعراض والعلاج
تغيرات الخلايا العصبية المؤدية إلى التوحد والفصام
بالإضافة إلى الطفرات والخلل في محاور الخلايا العصبية، هناك عدة تغيرات في الخلايا العصبية تؤدي إلى الإصابة بالتوحد، ومنها نشاط الخلايا الدبقية الصغيرة، وهي الخلايا المناعية الأساسية للجهاز العصبي المركزي، إذ يتغير شكل هذه الخلايا وعددها لدى المصابين، ما قد يؤثر في كل من نمو الخلايا العصبية والاستجابات المناعية في الدماغ.
يتغير أيضاً شكل الخلايا العصبية، بما في ذلك وجود الأشواك الشجيرية، لدى الأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد، ما يؤثر في التواصل الشامل بين مناطق الدماغ.
والجدير بالذكر أن كلاً من حالتي التوحد والفصام تظهران خللاً في مناطق مهمة للإدراك الاجتماعي، مثل القشرة الجبهية والصدغية والجدارية، بالإضافة إلى التغيرات في الاتصال والحجم في المخ، ما يزيد تعقيد التمييز بين الأعراض وأساليب العلاج.
اقرأ أيضاً: باحثة إماراتية تعزز التواصل البصري لأطفال التوحد
تؤثر تغيرات خلايا الدماغ المرتبطة باضطراب طيف التوحد والفصام في الحياة اليومية والأداء العام، وفي مختلف القدرات المعرفية والاجتماعية، إذ غالباً ما يعاني الأفراد المصابون بالتوحد اختلافات في معالجة الحواس البصرية والسمعية واللمسية، ما يؤدي بالمصاب إلى التوتر والقلق. إضافة إلى أن التغيرات في توصيلات الدماغ تعوق التواصل والتفاعل الاجتماعي وتسبب العزلة الاجتماعية للمريض.