سابقة: علماء ينجحون في بناء وجه سيدة نبطية عاشت قبل ألفي عام في السعودية

للمرة الأولى: علماء ينجحون في بناء وجه بالكامل لسيدة نبطية عاشت منذ ألفي عام في السعودية
حقوق الصورة: الهيئة الملكية لمحافظة العُلا.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كشف فريق دولي من علماء الآثار والأكاديميين في علم الطب الشرعي وصناعة النماذج، يعملون في الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، النقاب عن صورة تقريبية لوجه امرأة نبطية دُفنت في مقبرة عمرها 2000 عام في منطقة الحِجر، أحد المواقع المسجلة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في مدينة العلا القديمة.

الأنباط في مدينة الحِجر

تقع مدينة الحِجر في الصحراء شمال غرب شبه الجزيرة العربية، على مسافة قصيرة من وادي العلا، وقد كانت مركزاً تجارياً مهماً للأنباط الذين سكنوا وسط الجزيرة العربية وجنوب بلاد الشام، وكانت عاصمتهم مدينة البتراء في الأردن اليوم.

عملوا في تجارة اللبان والتوابل والأدوية والنسيج والسلع الكمالية الأخرى ما جعلهم أغنياء، فوسعوا مملكتهم، وأسسوا مراكز جديدة للتجارة والثقافة، واستقروا في الحِجر على بعد 500 كيلومتر جنوب البتراء في القرن الأول قبل الميلاد، ونحتوا ما يقارب 18 مقبرة في منحدرات الحجر الرملي المحيطة بالحجر.

اقرأ أيضاً: طالب دكتوراة يحل لغزاً في اللغة السنسكريتية عمره آلاف السنين

أهمية المقابر النبطية في الحِجر

بعد ألفي عام، وتحديداً عام 2015، نقّب علماء الآثار في المقابر المنحوتة في الجبل الأحمر، وهو نتوء جبلي يقع على حافة منطقة الحجر السكنية، واختاروا واحداً للدراسة عن كثب، ووجدوه مملوءاً بالمواد المحفوظة جيداً مثل البقايا البشرية المدفونة من عظام وجلد وشعر، بالإضافة إلى المنسوجات والجلود والمواد النباتية وغيرها.

لم تترك الحضارة النبطية نصوصاً تاريخية مهمة، وجمع علماء الآثار المعلومات عنها من النقوش على المقابر والصخور في جميع أنحاء الشرق الأوسط أو من الاكتشافات الأثرية. لذلك جذب هذا القبر المنقبين بشكل خاص، فقد قالت عالمة الآثار اللبنانية الفرنسية ومديرة المشروع ليلى نعمة، لمجلة ناشونال جيوغرافيك: “الأنباط يتحلون بالغموض بعض الشيء، فنحن نعرف الكثير، ولكننا في الوقت ذاته لا نعرف سوى القليل جداً، لأنهم لم يتركوا أي نصوص أو سجلات أدبية”، مؤكدة أن “التنقيب في القبر كان فرصة رائعة لمعرفة المزيد عن نظرتهم للحياة ما بعد الموت”. إلى جانب ذلك، يحتوي هذا القبر على نقش جميل للغاية منحوت على واجهته، يقول إنه يخص امرأة تدعى حنّات”.

اقرأ أيضاً: عمرها 4500 عام: علماء آثار يكتشفون طرقاً ومقابر قديمة على جانبيها في السعودية

السيدة النبطية ذات المكانة المرموقة: حنّات

يقول النقش المنحوت فوق مدخل القبر: “هذا هو القبر الذي صنعته حنّات ابنة وهبو لنفسها ولأطفالها ونسلها إلى الأبد. ولا يحق لأحد أن يبيعه أو يرهنه أو أن يكتب لهذا القبر عقد إيجار. ومن فعل غير ذلك يعود نصيبه إلى وريثه الشرعي. في السنة الحادية والعشرين للملك مليكو ملك الأنباط”.

وجد العلماء أن المقبرة تضم رفات 80 شخصاً، من بينهم هيكل أكثر اكتمالاً من غيره لامرأة دُفنت بعمر 40-50 عاماً وطولها 1,6 متر، ذات مكانة اجتماعية متوسطة، منحوها اسم حنّات. 

جمع العلماء قدراً كبيراً من المعلومات من المواد المكتشفة في المقبرة، وقرروا الجمع بين علم الطب الشرعي وعلم أمراض الحفريات لإعادة بناء وجه المرأة التي ماتت ودُفنت في هذه المقبرة، في محاولة هي الأولى من نوعها لامرأة نبطية. ستساعد هذه العملية في سرد قصة هيغرا (Hegra) والحضارة النبطية إلى العالم. 

وقد حددت خبيرة تنظيم المعارض التراثية وعالمة الآثار الدكتورة هيلين ماكغوران قيمة مثل هذا العمل قائلة: “هناك خيوط مشتركة للإنسانية يمكن التعرف عليها في القصة النبطية، الانفتاح على العالم الخارجي والتفاعل مع الثقافات والمجتمعات الأخرى”.

عملية إعادة بناء وجه حنّات

بتمويل من الهيئة الملكية لمحافظة العلا، اجتمع فريق كامل من الخبراء الدوليين في لندن، لرسم خطة إعادة تشكيل وجه حنّات. ضم الفريق علماء آثار مختصين بالحضارة النبطية، ومتخصصين في إعادة بناء الوجه رقمياً ومادياً، وخبراء في الطب الشرعي.

لم تكن مهمة الفريق سهلة، إذ لا توجد في الفن النبطي صورٌ، والبقايا البشرية الموجودة قليلة جداً، لذلك كان على المختصين اتخاذ قرارات عن مميزات حنّات بصرامة، بما في ذلك لون عينيها ولون بشرتها وعدد التجاعيد في وجهها، وملابسها، ومجوهراتها وزينتها.

اقرأ أيضاً: الهندسة النسيجية: متى سنشهد أول عملية لزرع قلب صناعي؟

أخذ الفريق العديد من العناصر بالاعتبار، بسبب أهميتها في تحديد شكل الرأس والفم، فقد كشف التصوير المقطعي المحوسب للجمجمة أنها كانت تعاني من هشاشة العظام المزمنة ووجدوا آثار الأمراض المعدية في الأسنان.

كان على الفريق أيضاً استخدام البيانات الفنية حول عضلات الوجه وسمك الجلد لإعادة بناء ميزات حنّات رقمياً بتفاصيل دقيقة، وضبط شعيرات الرموش ومسام الجلد بعناية.

بدأت بعد ذلك مرحلة التجسيد، فقد استخدم الفريق الطباعة الحجرية المجسمة، وهي تقنية طباعة صناعية ثلاثية الأبعاد تنشر الراتنجات طبقة فوق الأخرى، ونتج في النهاية تمثال نصفي لحنّات من السيليكون. أضاف الفريق شعر رأس لها، شعرة شعرة، ووضعوا على بشرتها مساحيق التجميل، وأقراطاً مصممة على غرار المجوهرات التي وجدوها في الموقع، وألبسوها ملابس من الكتان المنسوج يدوياً المماثل لبقايا القماش الموجود في المقبرة.

وعقّبت الدكتورة هيلين ماكغوران خبيرة تنظيم المعارض التراثية، أن “عملية ترميم ملامح حنّات، جمعت بين الدقة العلمية والتطوير الفني المعاصر لتوسيع الفهم حول حضارة الأنباط والتي لا تزال تقدم الكثير من الأسرار والقصص وتسلّط الضوء على تاريخ العلا”.

اقرأ أيضاً: الأقدم في العالم: كشف أثري جديد في السعودية

بعد أشهر من العمل الدؤوب، نظرت حنّات مجدداً إلى العالم بعد أكثر من ألفي عام على وفاتها. وأتاح مركز الاستقبال بمنطقة الحِجر الفرصة أمام الزوار لمشاهدة وجهها بدءاً من يوم الاثنين 6 فبراير/ شباط 2023.