بتحديد 27 مليون سلف: باحثون يرسمون أكبر شجرة عائلية للبشر

بتحديد 27 مليون سلف: باحثون يرسمون أكبر شجرة عائلية للبشر
حقوق الصورة: ماجكوت/ شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

شهدنا في العقدين الماضيين تطورات غير اعتيادية في الأبحاث الجينية البشرية، إذ تمت دراسة البيانات الجينومية لآلافٍ من الأفراد، بما في ذلك البشر الذين عاشوا في عصور ما قبل التاريخ، الأمر الذي أثار إمكانية تتبع أصول التنوع الجيني البشري وذلك لإنتاج خريطة كاملة تشرح كيفية ارتباط الأفراد في جميع أنحاء العالم بعضهم ببعض.

ما هو الجينوم؟

يُعرّف الجينوم على أنه خريطة من الوحدات الجينية التي تُظهر تكوين الكائن الحي، إذ يحمل كل إنسان نسخة فريدة منه في كل خلية من خلاياه. تحتوي هذه الوحدات الجينية على كمية كبيرة من المعلومات غير المتجانسة، يتم توارثها بين الأجيال، والتي تُظهر كل ما يتعلق بالفرد الواحد، من تاريخ أسلافه وحتى التنبؤ بالأمراض التي يُحتمل إصابته بها وتشخيصها بدقة.

يحتوي الجينوم البشري الكامل على 3 مليارات زوج أساسي من الحمض النووي “الدنا”، والتي تكون مرتبة بشكل فريد، الأمر الذي يمنحنا التشريح الخاص والخصائص الفردية لكل منّا مثل الطول ولون الشعر. وبحسب علم الوراثة، يتم توريث الأجزاء الجينومية الفردية من أحد الوالدين فقط، إمّا الأم أو الأب، حيث يمثل كل جزء جينومي شجرة بحد ذاته، ومنه يُعرّف مصطلح “تسلسل الشجرة” على أنه المناطق الجينية التي تربط الأسلاف عبر الزمن وصولاً للسلف الذي ظهر فيه الاختلاف الجيني لأول مرة.

اقرأ أيضاً: الجينوم السعودي: أكثر من مجرد برنامج للحد من الأمراض الوراثية

الإعلان عن أكبر شجرة عائلية بشرية

وجد باحثو معهد البيانات الضخمة، وهو معهد تابع لجامعة أوكسفورد البريطانية يختص بتحليل بيانات معقدة وغير متجانسة للمجموعات البشرية بحثاً في أسباب الأمراض والوقاية منها وعلاجها، من خلال دراسة قاموا بها، أن تنظيم تجميع المعلومات البشرية غير المتجانسة وتنسيقها ضمن سلسلة أنساب واحدة له دور مهم في الكشف عن العلاقات بين الأفراد والسكان من البشر، وذلك بدءاً من عصور ما قبل التاريخ وحتّى يومنا هذا.

وجد هؤلاء الباحثون أن أسلافنا جميعاً يعودون لسلالةٍ واحدةٍ، وذلك من خلال تحديد الارتباطات بين نمط الحياة والمتغيرات الجينية، إذ كشفوا عن أكبر شجرة عائلة بشرية تم إنشاؤها على الإطلاق من أصل مشترك والتي تم نسجها من أكثر من 3600 تسلسلاً جينومياً فردياً يعود تاريخه إلى أكثر من 100 ألف عام، ما يوفر لمحة غير مسبوقة عن الماضي السحيق والحاضر المعقد لجنسنا البشري.

اقرأ أيضاً: فك شيفرة التاريخ البشري من خلال دراسة الحمض النووي للأسلاف

نتائج الدراسة

تضمنت الدراسة تجميع المعلومات الوراثية لمجموعات بشرية حديثة من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى عينات من أسلاف الإنسان القديم مثل إنسان نياندرتال ودينيسوفان، وتمكن العلماء بقيادة “أنتوني وايلدر وونس”، الباحث في هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، من مقارنة تنبؤات هذه التسلسلات مع ما حدث في التاريخ، ووُجِد أن معظم النتائج تزامنت مع توقيت وقوع العديد من الأحداث التاريخية الموثقة، كالهجرات الإفريقية وغيرها من الأدلة الأثرية، ولكن بالمقابل، وُجدت بعض الاختلافات غير المتوافقة مع البيانات أيضاً، فعلى سبيل المثال، تنبأت شجرة العائلة بأن البشر وصلوا لأول مرة إلى أميركا الشمالية منذ 56 ألف عام، ولكن بالحقيقة وصل البشر إلى أميركا الشمالية منذ 20 ألف عام.

وقال العالِم “أنتوني وايلدر وونس” في ذلك: “نحن نعيد بناء جينومات أسلافنا بشكل يتيح لنا استخدامها لتكوين شبكة واسعة من الروابط العائلية، الأمر الذي يمكّننا من تقدير متى عاش أجدادنا وأين”، وأكد على أن قوة نهجهم البحثي تكمن في أنه يضع افتراضات قليلة جداً حول البيانات الأساسية للعينات القديمة والحديثة للحمض النووي.

كما أوضح العالِم “يان وونغ”، عالِم الوراثة التطورية في معهد البيانات البريطاني وأحد المؤلفين الرئيسيين لهذه الدراسة، في بيان له: “إن الاختلاف الجيني الذي نجده في البشر اليوم، يسمح لنا برؤية الطريقة التي يرتبط بها التسلسل الجيني لكل شخص بعضه ببعضٍ”.

ومن التحديات التي واجهتها هذه الرؤية إيجاد طريقة لدمج تسلسلات الجينوم من العديد من قواعد البيانات المختلفة وتطوير خوارزميات للتعامل مع بيانات بهذا الحجم. ومع ذلك، تمكن باحثو جامعة أوكسفورد من إيجاد طريقة جديدة تتيح تجميع بيانات تقدر بملايين تسلسلات الجينوم بسهولة من مصادر متعددة.

اقرأ أيضاً: من أين أتى الإنسان الأول؟

يخطط فريق العلماء لجعل هذه الخرائط الجينية أكثر شموليةً وغنىً، من خلال الاستمرار في دمج البيانات الجينية بطريقة عالية الكفاءة، الأمر الذي يمكّن مجموعة البيانات من استيعاب ملايين الجينومات الإضافية بسهولة أكبر. وعلى الرغم من أن وضع الخرائط الجينومية للجميع يتطلب الكثير من العمل، إلّا أن أسلوب الدمج الذي وجده العلماء وفر حلاً لهذه المهمة الأساسية.