استخدام التعلم الآلي للكشف عن العوامل الجينية لمرض التوحد

تمثيل رقمي للدماغ
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتبر إجراء الأبحاث على السبب الجيني لطيف أمراض التوحد أمراً عسيراً للغاية. حيث أنه من الصعب مقارنة العلامات الفارقة الجينية لهذا المرض لدى المرضى، نظراً لندرتها، وبالنظر إلى أكثر هذه العلامات الفارقة شيوعاً، نلاحظ أن نسبة وجودها لدى مرضى التوحد لا تصل حتى إلى 1%. وحتى عند اكتشاف شذوذات جينية، يجب مقارنتها مع جينات أفراد العائلة للتأكد من عدم ارتباطها بتحول جيني موروث بشكل مشترك ولا يتسبب بالمرض.

قام الباحثون في برينستون ومؤسسة سيمونز بقلب المقاربة التقليدية رأساً على عقب، وذلك باستخدام خوارزمية تعتمد على تقنيات التعلم الآلي للبحث عن العلاقات الجينية التي يمكن أن تتسبب بالتوحد. تقوم الخوارزمية بالبحث في شبكة رقمية لتفاعلات الجينات البشرية، باحثة عن علاقات أو صلات شبيهة بالعلامات الفارقة المعروفة لدى مرضى التوحد. يلقي هذا البحث الضوء على “اختباء” المرض ضمن جيناتنا، ويركز على 2,500 جيناً جاهزة لإجراء المزيد من الأبحاث عليها.

تقول أولجا ترويانسكايا، المؤلفة المشاركة في الورقة البحثية التي نشرت في مجلة Nature Neuroscience: “لم نعد نقتصر على تحديد احتمال ارتباط جين معين بالتوحد، حيث يمكننا الاعتماد على هذه الشبكة لنحدد كيفية ارتباطه بالتوحد أيضاً”.

“يمكننا الاعتماد على هذه الشبكة لنحدد كيفية ارتباطه بالتوحد”

لا يمكن استخدام النتائج بشكل مباشر لكشف المرض لدى المرضى. بدلاً من هذا، يمكن جعل عملية كشف الجينات المسببة للتوحد أكثر سرعة وأقل تكلفة. وبما أن العلماء أصبح لديهم فكرة لا بأس بها عن هذه الجينات، يمكن أن يحددوا تسلسل الحمض النووي بشكل اختياري لبعض أجزاء الجينوم البشري التي يشك بعلاقتها بهذا المرض. ويمكن للراغبين بتفحص البيانات الجينية الاطلاع على نتائج الفريق على الإنترنت.

تشرح ترويانسكايا أن هذه التفاعلات شبيهة بالدارات الكهربائية، حيث لا تتحقق الوظيفة العامة للدارة إلا بعمل كل جزء منها. وتوضح مثالاً يجب أن يرتبط فيه جينان لتفعيل جين ثالث ضروري لتطور الدماغ. وتقول: “إذا وقعت مشكلة ما، مثل عدم وجود أحد هذه الجينات التي يجب أن ترتبط، فلن تحدث عملية الارتباط مع الجين الثالث، ما يؤدي إلى تعطل هذه الدارة الصغيرة”.

هذه باختصار طريقة عمل الخوارزمية: فهي تحلل كيفية تعطل هذه الدارات الصغيرة، وطبيعة الجينات التي تتأثر بهذا، وكيف تتفاعل مع الجينات التي حولها، ومن ثم تعثر على أوضاع مشابهة في الجينوم البشري. على فرض وجود نمط ما يمكن العثور عليه بطبيعة الحال.

ولكن معرفتنا بالعلامات الفارقة في الجينوم محدودة، ولا يتجاوز عدد العلامات المعروفة لدينا 65، ولكن وفقاً للتقديرات، يوجد ما بين 400 إلى 1000 علامة فارقة غير مكتشفة بعد. ومن بين العلامات الفارقة الخمسة والستين، لا يوجد إلا 19 علامة تطابق “المعيار الذهبي” لباحثي برينستون، أي احتمالية عالية للتسبب بالتوحد.

على الرغم من قدرة خوارزميات التعلم الآلي على مسح كميات هائلة من البيانات بشكل أسرع من البشر بكثير، فإنها تفتقر إلى قدرة البشر على التعلم من بضعة أمثلة وحسب. وبوجود معلومات بهذا التعقيد، فإن 19 مثالاً لا تكفي للخوارزمية حتى تتعلم بشكل جيد. وبالتالي استخدمت ترويانسكايا وفريقها حيلة لزيادة هذه البيانات، وذلك بتقديم أمثلة معاكسة للمرض الجيني إلى هذه الخوارزمية. أي أنه يمكن للخوارزمية أن تحسّن من البحث عن العلاقات المميزة للتوحد عن طريق معرفتها بالأمراض الجينية الأخرى التي يجب أن تتجاهلها.

على الرغم من أن الخوارزمية قامت بكل العمل المجهد، تقول ترويانسكايا إن البحث لم يكن ممكناً لولا شبكة التفاعلات الجينية التي أنجزها الفريق ونشرها في 2015. تحتوي الشبكة على توقعات لكيفية العمل المشترك لـ 25,825 جيناً تتعلق بأحد الأنسجة، مثل الدماغ. إن هذه الشبكة ليست مجرد قائمة بالجينات، بل هي عبارة عن آلاف المصفوفات التي تمثل تصرف كل جين دماغي.

يخطط الفريق مستقبلاً لدراسة كيفية تطبيق هذه التقنية لمسح الجينومات الفردية لكل مريض.