نظرة إلى مستقبل بطاريات الليثيوم أيون والسيارات الكهربائية

بطاريات الليثيوم أيون
حقوق الصورة: غوردينكوف/ شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

 تسعى العديد من الدول حول العالم للحد من انتشار السيارات التي تستخدم وقود البنزين أو الديزل، واستبدالها بالسيارات الكهربائية العاملة على بطاريات الليثيوم أيون التي سُوقت لأول مرة من قِبل شركة سوني في عام 1991. وعلى الرغم من ذلك؛ إلا أن صناعة هذا النوع من  البطاريات يواجه عدة تحديات، لذا فإن العلماء والمختصين في هذا المجال يحاولون التغلب عليها، وإيجاد الحلول المناسبة لها.

كيف تعمل بطارية الليثيوم أيون؟

تتألف بطارية الليثيوم أيون من خلية تضم عدة مكونات أهمها الأقطاب الكهربائية (الأنود والكاثود). يُعرف الأنود أيضاً بالمصعد؛ وهو القطب الموجب في الخلية، وهو يُصنع عادة من الكربون ويقوم بتخزين الليثيوم. أما الكاثود ويُعرف كذلك بالمِهبط؛ وهو القطب السالب للخلية، وهو يُصنع من مركب كيميائي هو أكسيد فلز، ويحتوي على مزيج من معادن المنجنيز والنيكل والكوبالت، وهو كذلك يقوم بتخزين الليثيوم. 

يفصل بين الأنود والكاثود فاصل يسمح للأيونات فقط بالمرور. ويوجد بين القطبين سائل ناقل للكهرباء، تنتقل أيونات الليثيوم موجبة الشحنة خلاله من القطب الموجب إلى القطب السالب والعكس بالعكس اعتماداً على ما إذا كانت البطارية قيد الشحن أو التفريغ. في حال التفريغ، أي إذا كان الجهاز أو السيارة الموجود داخلها البطارية قيد العمل، تنتقل الأيونات موجبة الشحنة من القطب الموجب إلى القطب السالب. نتيجة لذلك، تزيد كمية الشحنات الموجبة على القطب السالب عن كميتها في الأنود. وهذا بدوره يجذب الإلكترونات سالبة الشحنة إلى الكاثود. 

كما يشتمل الفاصل الموجود في الخلية على إلكتروليتات تشكل محفزاً لحركة الأيونات عبر محلول الإلكتروليت؛ وهذا بدوره ما يجعل الإلكترونات تتحرك عبر الجهاز الموصول بالبطارية.

وعندما تكون البطارية في حالة إعادة الشحن، تمر أيونات الليثيوم بنفس العملية، ولكن في الاتجاه المعاكس، ما يسمح بإعادة استخدام البطارية مرة أخرى. 

توفر بطاريات الليثيوم أيون العديد من الفوائد لمستخدمي الأجهزة التي تعتمد عليها؛ فهي تعمل لوقت أطول (18-20 عاماً) مقارنة بالبطاريات الأخرى، كما تتمتع بصفة الشحن السريع، والوزن الخفيف، ولا تسبب بطأً في عمل المعدات حين ينخفض ​​مستوى شحن البطارية.

اقرأ أيضاً: أسوأ مشكلةٍ في السيارات الكهربائية قد تصبح من الماضي

التحديات التي تواجهها صناعة بطاريات الليثيوم أيون 

أعلنت وكالة الطاقة الدولية أن التحول من سيارات الديزل إلى السيارات الكهربائية يمثل تحولاً من نظام كثيف الوقود إلى نظام طاقة كثيف المواد. وسنشهد في السنوات القليلة القادمة انتشار الملايين من المركبات التي تعمل باستخدام البطاريات على الطرق، وستحتوي كل من هذه البطاريات على عشرات الكيلوغرامات من المواد التي لم يتم تعدينها بعد.

 وهذا بدوره سيتسبب بوضع العلماء أمام تحديين كبيرين، الأول وهو تقليل المعادن في البطاريات لأن بعض هذه المعادن يعد نادراً، وبعضها باهظ الثمن، بالإضافة إلى العقبات البيئية والاجتماعية المترتبة على تعدينها. أما التحدي الآخر، فهو إيجاد الطريقة الأمثل لإعادة تدوير هذه البطاريات، بحيث يمكن إعادة استخدام المعادن القيمة في بطاريات السيارات المستهلكة بكفاءة. 

محتوى بطاريات الليثيوم أيون من المعادن

تختلف كمية المعادن في البطارية باختلاف نوعها وطراز السيارة، ولكن على العموم، تحتوي بطارية ليثيوم أيون من نوع «NMC532» على نحو 8 كغ من الليثيوم و35 كغ من النيكل و20 كغ من المنغنيز و14 كغ من الكوبالت، وهذه المعادن الثمينة تكون موجودة في كاثود البطارية؛ لذلك فهو العامل المحدد الرئيسي في أداء البطارية.

الليثيوم

لا يعد الليثيوم معدناً نادراً، إذ تُقدر الاحتياطيات الحالية من هذا المعدن 21 مليون طن، وهي كمية تكفي -إلى منتصف القرن الحالي-  لكي يتحول العالم إلى هذه المركبات. لكن عندما يرتفع الطلب على السيارات الكهربائية سيزداد الطلب على هذا المعدن. بالإضافة إلى ذلك، يترتب على استخراج الليثيوم مشكلات بيئية، إذ يتطلب استخراجه من الصخور كميات كبيرة من الطاقة، كما يتطلب استخراجه من المحاليل الملحية استخدام كميات كبيرة من الماء، وكذلك يلزم طاقة حرارية لاستخراجه من المياه الجوفية؛ وهذه الطريقة تعد الأفضل مقارنة بالطريقتين السابقتين. وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يمكن القول أن المشكلات البيئية الناتجة عن عمليات الاستخراج تمثل ضرراً كبيراً على البيئة مقارنة بعمليات استخراج الوقود الأحفوري المدمر، إضافة إلى الفوائد التي ستقدمها بطاريات الليثيوم في المستقبل.

الكوبالت

الكوبالت هو المكون الأكثر قيمة لبطاريات السيارات الكهربائية الحالية، وهو المعدن الذي يُشكل المشكلة الأكبر في صناعة بطاريات الليثيوم أيون، لأن ثلثي الكميات المطلوبة منه في العالم تُستخرج من جمهورية الكونغو الديمقراطية التي يُثار حولها المخاوف من قبل نشطاء حقوق الإنسان بسبب عمالة الأطفال والإضرار بصحة العمال، وذلك لأن الكوبالت معدنٌ ثقيلٌ وسام، يجب التعامل معه بحذر. 

من أجل ذلك، يحاول الباحثون استخدام كاثودات منخفضة الكوبالت، مع مراعاة عدم كسر الهياكل البلورية للكاثود. أما محاولة التخلي عن الكوبالت تماماً من شأنه أن يقلل من كثافة طاقة البطارية لأنه يغير التركيب البلوري للكاثود ومدى إحكام ربطه بالليثيوم. على الرغم من ذلك، استطاع البعض استخدام مادة لها نفس التركيب البلوري لأكسيد الكوبالت والليثيوم ونفس كثافة الطاقة أو حتى أفضل دون وجود الكوبالت، وذلك عن طريق ضبط الطريقة التي يتم بها إنتاج الكاثودات وإضافة كميات صغيرة من المعادن الأخرى، مع الاحتفاظ بالهيكل البلوري لأكسيد الكوبالت في الكاثود. وقد صرحت شركة تسلا الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية أيضاً أنها تخطط لإزالة الكوبالت من بطاريات السيارات التي تنتجها في السنوات القليلة المقبلة. 

النيكل

النيكل هو المعدن الثالث والأساس في تركيب الكاثودات الخاصة ببطاريات السيارات الكهربائية، وقد يواجه العالم نقصاً في مصادره مستقبلاً. وعلى الرغم من عدم كون هذا المعدن من المعادن باهظة الثمن كالكوبالت؛ إلا أنه ليس رخيصاً أيضاً، لذا يسعى الباحثون إلى استبداله أيضاً.

إحدى الطرق التي تساعد في التخلص من النيكل هي استخدام أملاح صخرية غنية بالليثيوم؛ ومكونة من الأكسجين ومزيج من المعادن الثقيلة. تشكل هذه الأملاح هياكل بلورية ثابتة دون الحاجة إلى وجود الكوبالت أو النيكل، واستبدالهما بالمنغنيز الرخيص والوفير. 

إعادة تدوير بطاريات الليثيوم أيون

لايهتم الكثيرون بإعادة تدوير بطاريات الليثيوم؛ لأن تكلفة تعدين المواد التي تتكون منها وخاصة الليثيوم أقل من إعادة التدوير. ولكن، وللأسباب المتعلقة باستخراج المعادن التي ذكرت سابقاً يجب أن يفكر العالم في كيفية جعل هذه البطاريات قابلة لإعادة التدوير.

تقوم بعض المصانع الحالية بعمليات إعادة تدوير البطاريات، حيث يقومون بتقطيع البطاريات أولاً  للحصول على الخلايا التي تصبح عبارة عن خليط مسحوق من جميع المواد المستخدمة. ثم يتم تقسيم هذا المزيج إلى مكوناته الأولية، إما حرارياً عن طريق تسييله في مُصهر، أو عن طريق إذابته في حمض، أو بترسيب المعادن من المحلول كأملاح.

تعمل بعض الشركات في الصين واليابان وكوريا الجنوبية أيضاً على إعادة تدوير البطاريات، فعلى سبيل المثال تمتلك شركة «جوانغدونغ برونب» Guangdong Brunp الصينية أكبر مصنع صيني لخلايا أيونات الليثيوم، ويمكنها إعادة تدوير ألف طن من البطاريات سنوياً، وبذلك لم يعد هناك داعٍ لأن تستورد المعادن اللازمة لصناعتها.

تواجه مراكز إعادة تدوير البطاريات مشكلة في اختلاف نسب المواد التي تتركب منها الكاثودات، وهذا يؤدي إلى تعقيد العملية، لذلك يُوصى بوضع نوع من الباركود القياسي يدل على محتوى خلية البطارية من المعادن. ومع التغيرات التي تطرأ على تركيب الكاثودات، سيتعيّن على الشركات المصنعة أن تصمم البطاريات بطريقة تسهّل عملية تفكيكها، وتجميعها في النهاية لإعادة تدويرها. وهذا ما يحدث في بطاريات الرصاص الحمضية التي تشغل السيارات التي تعمل بالبنزين.

إن ما يدعو للتفاؤل اليوم، أن عمر البطارية الكهربائية أطول من عمر السيارة التي تسيّرها، لذا عندما تُرسل المركبات الكهربائية القديمة إلى الخردة، لا يتم التخلص من البطاريات في كثير من الأحيان أو إعادة تدويرها؛ بل يتم إخراجها وإعادة استخدامها لتطبيقات أقل حاجة للطاقة.

مستقبل بطاريات الليثيوم أيون

يصب الباحثون من حول العالم جهودهم لإيجاد النوع الأمثل من بطاريات السيارات الكهربائية، وفيما يلي أبرز هذه المحاولات في صنع البطاريات:

بطاريات المكونات الهيكلية

أنتج باحثون من جامعة تشالمرز للتكنولوجيا بطارية هيكلية تحتوي على ألياف الكربون التي تعمل في نفس الوقت كقطب كهربائي وموصل ومادة حاملة. قد يؤدي ذلك إلى مركبات خفيفة للغاية تكون فيها أجزاء الجسم عبارة عن بطاريات.

أقطاب أنابيب الكربون النانوية

تستخدم هذه التقنية أنبوباً نانوياً كربونياً يمكنه تعزيز طاقة البطارية وزيادة تخزين الطاقة وإطالة دورة حياة البطارية. 

بطاريات خالية من الكوبالت

تعمل جامعة تكساس على بطارية ليثيوم أيون خالية من الكوبالت، وتستخدم 89% من النيكل والألمنيوم والمنغنيز. 

بطاريات أنود السيليكون

طور باحثون في جامعة شرق فنلندا طريقة لإنتاج أنود هجين يستخدم أنابيب الكربون النانوية وجزيئات السيليكون متوسطة المسام بدلاً من الجرافيت.

بطاريات مياه البحر

اكتشفت شركة «آي إم بي» بطارية خالية من المعادن الثقيلة يمكن أن تتفوق على بطاريات أيونات الليثيوم، يتم استخلاص موادها من مياه البحر. 

بطاريات الرمل

عمل باحثون في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد على تطوير بطاريات تستخدم الرمال من أجل إنتاج السيليكون النقي لتحقيق أداء أفضل بثلاث مرات من بطاريات الليثيوم أيون الحالية القائمة على الجرافيت. 

بطاريات الحالة الصلبة

يختبر العلماء في شركة تويوتا بطارية الحالة الصلبة التي تستخدم موصلات فائقة الكبريتيد للحصول على بطارية أفضل يمكنها العمل بمستويات مكثف فائق لشحنها في غضون سبع دقائق فقط. 

بطاريات فوسفات الحديد الليثيوم

من أجل جعل بطاريات الليثيوم أيون أرخص، بحث العلماء في جامعة ولاية بنسلفانيا عن بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم، التي تستخدم عناصر إلكترود مختلفة لديها القدرة على تشغيل السيارة لمسافة 250 ميلاً في أقل من عشر دقائق من الشحن.

المواد العضوية

تعمل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية على مشروع يهدف إلى استخدام مواد عضوية لتخزين الطاقة لتحل محل بطاريات الليثيوم التي تعد ذات كفاءة عالية. تعد البطاريات العضوية القابلة لإعادة الشحن (ORBs) بديلًا مميزاً للتقنيات التقليدية لاستخدامها الصوديوم المتوفر بكميات كبيرة وبقدرات أعلى استيعاباً للطاقة؛ إضافة إلى كونها صديقة للبيئة مقارنةً بنظيراتها من أكسيد الحديد. 

 يوفر استخدام الأقطاب العضوية عدداً من المزايا مقارنة بنظيراتها غير العضوية، مثل: سهولة ضبط خصائصها المادية، وقدرة تحملها العالية، واستخدامها مواد متجددة، وهذا هو الاتجاه المتنامي للتحرك نحو بدائل أكثر ملاءمة للبيئة لتخزين الطاقة.

يهدف المشروع إلى تطوير مجموعة من البطاريات العضوية القابلة للشحن باستخدام مواد مؤكسدة نشيطة، ثم البدء في تصنيعها واختبارها، وتطوير مركبات لها أقفاص عضو معدنية لاستخدامها في البطاريات. وفي هذا الصدد، تم تطوير مركبات ذات أقفاص عضو معدنية باستخدام عنصر الكوبالت كبطارية قابلة للشحن، وتم تخليق مركبات رباعية الأسطح مصنوعة من الفيلوجين لتعمل كبطارية عضوية قابلة لإعادة الشحن، بالإضافة إلى معرفة وإتقان الخلفية العلمية الأساسية الكيميائية لكيفية ارتباط البنية الجزيئية بأداء البطارية الذي تم الحصول عليه.