الانعطاف نحو اليسار يُمثل تحدياً للسيارات ذاتية القيادة

ليس من السهل الانعطاف يساراً دون إشارات لحمايتك من السير القادم | حقوق الصورة: أنسبلاش، أديتيا تشينشوري
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الانعطاف يساراً أثناء القيادة صعب، وفي الواقع، من أصعب المناورات على أي سائق هي تلك المعروفة بـ “اليسار غير المحمي”، فتخيل مثلاً أنك تحاول الخروج من المسار الذي تقود فيه منعطفاً نحو اليسار في طريق ذو مسارين: لا توجد إشارة مرورية أو إشارة توقف لتوقف السيارات المنطلقة تجاهك من اليسار، كما أنه من الصعوبة المرور عبر ثغرة في السير المندفع من تلك الجهة، مع الحرص في الوقت ذاته، أنه لن تصدمك السيارات القادمة من جهة اليمين في المسار الذي تتوجه نحوه أيضاً.

توجد عدة أشكال لهذه المناورات الصعبة غير المحمية، ففي حالة أقل تعقيداً بقليل تكون متوقفاً عند الإشارة المرورية، ويظهر الضوء الأخضر الدائري -لا السهم الأخضر- ليعطيك الإذن بالانطلاق نحو الأمام، وأنت تريد الانعطاف يساراً، لذا عليك إيجاد ثغرة في السير القادم.

باتت الفكرة واضحة عندك الآن: الانعطاف يساراً بدون حماية صعب، والأمر لا يقتصر فقط على السيارات التي نقودها نحن، بل يمثل تحدياً أيضاً للسيارات ذاتية القيادة.

يقول “ناثانييل فيرفيلد Nathaniel Fairfield”، وهو مهندس برمجيات يرأس فريق السلوك في “ويمو” (Waymo) -مشروع غوغل للسيارات ذاتية القيادة سابقاً-: “من أصعب الأمور التي يمكن القيام بها أثناء القيادة هو الانعطاف نحو اليسار”. يركز فريق فيرفيلد على قضايا مثل الكيفية التي تخطط بها السيارات ذاتية القيادة مساراتها، وكيف تموضع نفسها في مسارات السير، وتتخذ القرارات، وتتنبأ بسلوك العربات الأخرى.

وتعتبر الانعطافات صعبة لأنه قد يتوجب على السائق القيام بحركات مثل إيجاد ثغرة في السير، وربما التفاوض شفهياً مع الآخرين -خاصةً إذا كان السير مزدحماً وبطيء التحرك ويتوجب دفع مقدمة السيارة نحو الخارج- مع قيامه بإدخال السيارة ضمن الثغرة.

يضيف فيرفيلد أن ما يجعل الانعطاف صعباً أحياناً هو تحرك الجميع بسرعة كبيرة مما يجعله مخيفاً، ورغم أن السيارات ذاتية القيادة لا تشعر بالخوف، إلا أن المشكلة تمثل تحدياً لهم أيضاً، لأنها تتضمن أشخاصاً آخرين على الطريق.

فمثل الحسابات الذهنية التي يقوم بها السائق عندما يريد الانعطاف، يجب على السيارات ذاتية القيادة التفاعل مع السيارات المقادة من البشر، وإجراء حسابات تشمل معرفة ما إذا كان الآخرون سيبطئون من أجلهم إذا بدأوا بالانعطاف، أو ربما يحتاجون لمعرفة كيف يمكن “طلب ذلك بتهذيب” بحسب فيرفيلد، بحيث تحقق السيارات الأخرى ذلك لهم، ولكن من دون الالتزام التام بالقيام بالانعطاف، وبالطبع، لا يتعاون الآخرون على الطريق دوماً.

لذا يقول فيرفيلد: “هذا ما يجعل الأمر صعباً، إذ من الصعب فهم السائقين الآخرين”.

توظيف المحاكاة لحل المشكلة

في الحياة اليومية، تتحسن قيادة البشر مع التدريب، لكن يمكن تمرين السيارات ذاتية القيادة باستخدام المحاكاة، حيث يتم تسريع الوقت هناك، ويمكن أن تقاد آلاف السيارات في وقت واحد، كما يمكن أن يعدل المهندسون الظروف المختلفة لاختبار أداء العربات، هكذا تحقق ويمو 10 ملايين ميل من المحاكاة يومياً، وفقاً للشركة.

بدأت ويمو باستخدام المحاكاة قبل عدة سنوات للإجابة على سؤال حول فك الارتباط (disengagement) – وهو المصطلح المستخدم لوصف الحالة عندما يتولى الشخص في سيارة ذاتية القيادة التحكم من البرنامج الآلي-. تقوم الشركات في كاليفورنيا بإعداد “تقارير فك ارتباط” حول سياراتها، وهنا تقدم لهم المحاكاة طريقة لاختبار واقع مغاير، وكما يقول جيمس ستاوت James Stout، التقني الرئيسي في فريق المحاكاة في ويمو “السؤال المنطقي في هذه الحالة: ما الذي كان سيحدث لو لم نتدخل؟ كيف كانت ستنتهي تلك الحالة؟”

تتيح المحاكاة الآن القيام بأكثر من ذلك، ففي حالة الانعطافات يساراً غير الآمنة، يعتبر زمن الكمبيوتر مفيداً لأنه بإمكان ويمو الاستفادة من تجارب العالم الحقيقي، وتعديلها حسب الحاجة، والطريقة الأساسية التي تستخدم المحاكاة بها هي “تضخيم مجموعة متنوعة من الحالات التي نقابلها في العالم الحقيقي بشكل كبير”، كما يقول فيرفيلد مشرف مجموعة السلوك.

يمكن أيضاً في المحاكاة تغيير الصفات الجغرافية لتقاطع، مثل عدد ومواضع المسارات، وما إذا كان هناك عوامل معقِّدة للأمور مثل وجود خطوط سكك حديدة أو ممرات مشاة.

ويقول فيرفيلد أيضاً أنه من الممكن إضافة كل العوامل الديناميكية، وهي في هذه الحالة العربات الأخرى، من دراجات نارية إلى شاحنات ضخمة، والتي تتنوع سرعاتها، وعددها ونمط حركتها إذ قد تتحرك في مجموعات، كما من الممكن حتى تعديل مزاجيات السائقين الآخرين بين أن يكونوا متعاونين أو عدوانيين.

تساعد المحاكاة أيضاً مهندسي ويمو في التأكد أنه حال تحديث برنامج القيادة الذاتية، لن يصبح الكمبيوتر سائقاً أسوأ أو أن تتراجع قدراته.

هكذا يستخدم الفريق المحاكاة لأمرين، الأول استكشاف المساحات بعناية فائقة، أثناء تصميم وبناء النظام في البداية، والثاني تقييم أي تراجع في الأداء أثناء تعديله أو تطويره أو تحسينه النظام.

هل ستُحل المشكلة في حال أزلنا السائقين من المعادلة؟

تطرح كل هذه المشاكل المتعلقة بوجود السائقين من البشر السؤال التالي: ألن يكون من الأسهل على السيارات ذاتية القيادة القيام بالمناورات الصعبة مثل الانعطاف يساراً في حال كانت كل السيارات الأخرى على الطريق ذاتية القيادة؟

يعتقد فيرفيلد أن ذلك قد يكون لحد معين صحيحاً، لكنه لا يؤمن كثيراً بعالم خال من السائقين كحل للمشكلة، وذلك لأن الطرقات ليست مليئة بالسيارات وحسب، إذ أنها مليئة بالبشر الذين يقومون بالمشي والركض وقيادة الدراجات. فضلاً عن ذلك، حتى لو كانت كل السيارات تابعة لشركة ويمو، وكان بإمكانها أن تتواصل فيما بينها لإيصال نياتها، ستمثل محاولة تنسيق مسارات كل هذه السيارات بواسطة كمبيوتر مركزي ما خارق بشكل جنوني تحدياً كبيراً وخطراً.

أما المشكلة الأخرى، فتتمثل في أنه لن يتخلى الجميع عن عشقهم للقيادة، إذ يمكن تخيل شخص ما مولع بسيارته، لن يتخلى أحد كهذا عن حبه لقيادتها أبداً.