ما هي الحلول المطروحة لحل عجز الاحتياطي النفظي الأميركي عن تلبية متطلبات الطاقة؟

احتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي لا يكفي لتغطية كافة متطلبات البلاد من الطاقة فما هي الحلول المطروحة؟
صورة لبارجة يتم تحميلها بالنفط من احتياطي النفط الاستراتيجي في 2014. حقوق الصورة: وزارة الطاقة الأميركية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في محاولة لاستعادة استقرار أسعار النفط العالمية بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي «جو بايدن» في 1 مارس/آذار 2022، جنباً إلى جنب مع عدد من دول أوروبا والمحيط الهادئ، عن خطة لبيع 60 مليون برميل من النفط من المخزونات الوطنية.

ستساهم الولايات المتحدة بـ 30 مليون برميل من احتياطي النفط الاستراتيجي، وهو مخزن ضخم للوقود أُنشئ بعد أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي. توجد هذه الكميات الاحتياطية من النفط في سلسلة من الكهوف تحت المائية على طول ممر البتروكيماويات في غرب خليج المكسيك (مجموعة من الأراضي تحتوي على سلسلة من مصافي النفط)، ويسمح لوزارة الطاقة الأميركية بالاحتفاظ بكمية احتياطية من النفط الخام لاستخدامه عند انخفاض الإمدادات. 

احتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي لا يكفي لتغطية كافة متطلبات البلاد من الطاقة فما هي الحلول المطروحة؟
مخزن «بايو تشاكتا»، أحد منشآت التخزين الأربع لاحتياطي النفط الاستراتيجي في وسط ولاية لويزيانا. حقوق الصورة: مركز تقييم استخدام الأراضي.

استخدمت الولايات المتحدة هذا الاحتياطي في نوفمبر/تشرين الثاني، مع تجاوز سعر برميل النفط الواحد 85 دولاراً نتيجة لجائحة كوفيد-19 بعد سنوات من استقراره على أسعار قريبة من 50 دولار. ولكن في أعقاب الحرب الروسية الاوكرانية في أواخر فبراير/شباط 2022، أدى التخوف العالمي من احتمالية امتناع روسيا عن تصدير النفط من احتياطها الضخم إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى. حالياً، يبلغ سعر برميل النفط الواحد أكثر من 100 دولار.   

لم تفرض دول العالم عقوبات مباشرة على روسيا فيما يتعلق بقطاع الطاقة، على الرغم من أن الصادرات الروسية من الوقود انخفضت بسبب إجراءات تضييقية أخرى. لذا، فإن كمية النفط التي ستبيعها الولايات المتحدة والبلدان الأخرى لن تعوض نقص الإمدادات بشكل مباشر، ولكنها تمثل خطوة أولى تجاه ما يمكن أن يكون إما قراراً لإنتاج المزيد من النفط، أو تراجعاً عن استخدام الوقود الأحفوري ذو الأسعار غير المستقرة.  

تقول «كاسي سيغل»، مديرة معهد قانون المناخ التابع لمركز التنوع الحيوي الأميركي: «هذه خطوة أفضل مما فعله [بايدن] في الماضي، إذ أنه لم يدعُ إلى زيادة إنتاج النفط».

وفقاً لحسابات مدير علوم المناخ في مركز التنوع الحيوي الأميركي، تعادل 30 مليون برميل تقريباً انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن تشغيل 4 محطات لتوليد الطاقة تعمل بالفحم لمدة عام. ولكن الأهم من ذلك، وفقاً لسيغل، هو أن بيع هذه الكمية يمثل حلاً مؤقتاً للتقلبات الهائلة في سوق النفط. تقول سيغل: «إذا ترك قطاع الطاقة دون رقابة، فسيحاول سحب المزيد من النفط من مخازن احتياطية جديدة. ثم حتماً، ستنخفض الأسعار مجدداً».   

لماذا تعتمد الولايات المتحدة على النفط المُخزّن؟

من الناحية النظرية، تمتلك شركات الوقود الأحفوري الأميركية كميات احتياطية كافية من النفط لزيادة الإنتاج استجابة لارتفاع الأسعار. منحت إدارة الرئيس بايدن على مدار السنتين الأخيرتين عدداً من تصاريح التنقيب عن النفط والغاز في المناطق الفيدرالية أكبر مما منحته إدارة ترامب في نفس الفترة الزمنية. لكن شركات النفط قالت إنها إما لا تستطيع زيادة إنتاج النفط استجابة لارتفاع الأسعار، أو إنها لا ترغب بذلك. 

قال «سكوت شيفيلد»، الرئيس التنفيذي لشركة «بايونير إنرجي»، وهي إحدى أكبر شركات التصديع الهيدروليكي في الولايات المتحدة، في مقابلة مع مجلة بلومبرغ في فبراير/شباط 2022 إنها تعتزم زيادة إنتاجها ببطء نسبياً ( بنسبة 5% على الأكثر) خلال السنوات العديدة المقبلة، على الرغم من ارتفاع الأسعار. قال شيفيلد إن الشركة «ستلتزم بخططها … بغض النظر عما إذا كان سعر برميل النفط 150 دولاراً، أو 200 دولار، أو 100 دولار». 

أضاف شيفيلد قائلاً: «لا تنتج الولايات المتحدة حالياً كمية البراميل التي كانت تنتجها على مدى السنوات العديدة الماضية». (قال شيفيلد في مقابلة لاحقة إن الشركة قد تكون منفتحة على احتمالية تغيير خططها كجزء من استراتيجية تشمل قطاع الطاقة بأكمله). 

يعود ذلك جزئياً إلى أن شركات التنقيب لا تستطيع الحصول على الأنابيب الفولاذية ومواد الحفر ولا تستطيع توظيف العمال بسبب نقص العمالة ومشكلات الشحن أثناء الجائحة، كما أن أحد الأسباب الأخرى هو الالتزام بالطرق التقليدية لإنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة. من عام 2014 إلى عام 2020، استخرجت شركات التصديع الهيدروليكي الأميركية كمية هائلة من الوقود الأحفوري، ما حول البلاد من مستورد إلى مصدر للنفط. لكن وفقاً لـ «كلارك ويليامز-ديري»، محلل سوق الطاقة في معهد اقتصاد الطاقة والتحليل المالي، والذي يدرس الانتقال إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة، خلال ذلك الوقت، لم يكن القطاع ككل مربحاً. تكلّف عمليات التصديع أكثر من الأرباح التي يمكن أن تحصّلها الشركات من بيع المنتج، وتنخفض أسعار النفط كلما خفضت شركات التصديع تكاليف أعمالها.    

مع بداية جائحة كوفيد-19، عندما كانت الشركات التي تشتري النفط تدفع الأموال لجهات أخرى حتى تشتري براميل النفط الزائدة عن الحاجة، أعلنت 600 شركة أميركية عن إفلاسها، وتكبدت ديوناً إجمالية قدرها 70 مليار دولار.

يقول ويليامز-ديري إنه الآن، «تعلّمت [الشركات المتبقية] دروس الانهيار المالي الكبير في سوق النفط الصخري، ولم تقم بزيادة إنتاجها».

تستطيع شركات التصديع جني أرباح كبيرة من التنقيب عن النفط أثناء ارتفاع الأسعار، وذكرت مجلة بلومبرغ أن شركات التصديع كانت بالفعل في طريقها لتحقيق أرباح قياسية قبل أن تتجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل الواحد. يقول ويليامز-ديري: «لا أريد أن أتهم هذه الشركات بالتربّح، لكن هذه هي اللحظة المناسبة لجني الأرباح بالنسبة لها». 

على الرغم من تصريحات شركات النفط، تتوقع شركة التحليل العالمية «رايستاد إنرجي» أن إنتاج شركات التصديع الهيدروليكي الأميركية سيزداد بنحو مليوني برميل يومياً على مدار العام المقبل، وتشير إلى أن شركتي «إكسون موبيل» و«شيفرون» قد أشارتا إلى خطط للتوسع في حقلي النفط في غرب ولايتي تكساس ونيو مكسيكو.

حدود احتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي

في الوقت الحالي، تجعل هذه الظروف استغلال احتياطي النفط الاستراتيجي الحل الوحيد.

تعتبر الكهوف تحت المائية التي يُخزّن فيها احتياطي النفط الاستراتيجي أعجوبة جيولوجية. توجد في بداية الكهوف قُبب من الملح، وهي بقايا قاع بحري مدفون يعود إلى العصر الجوراسي دفعت الصخور فوقها كما تدفع الفطور حشائش أرضية الغابات. هذه القبب هي مصدر كمية كبيرة من مخزونات الوقود الأحفوري في خليج المكسيك، وهي أحواض من النفط والغاز محفوظة تحت مظلات من الصخور المحيطة. لكن الأحواض نفسها تم نحتها من قبل البشر من خلال رش الماء المضغوط مباشرة داخل القبب.

  

حدود احتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي
صور تحت سطح البحر للنتوءات التي سببتها قبب الملح في خليج المكسيك. حقوق الصوة: الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.

وفقاً لوزارة الطاقة الأميركية، يبلغ متوسط ارتفاع الكهف الواحد 726 متراً، وتعتبر هذه الكهوف كبيرة لدرجة أن الاختلافات في درجات الحرارة بين أعلاها وأسفلها تتسبب في تولّد تيارات الحمل في الوقود السائل باستمرار. يمكن لأكبر كهف من هذه الكهوف أن يتسّع لمركز التجارة العالمي وما يزيد. 

عندما يكون النفط وفيراً في الولايات المتحدة، تملأ وزارة الطاقة الكهوف ببطء بالنفط الخام غير المكرر. (تبيع الشركات النفط للدولة مباشرة، أو ترسل كميات من الوقود بدلاً من الدفع مقابل إجراء عمليات التنقيب على الأراضي الفدرالية). عندما تشح الإمدادات، غالباً بسبب الأعاصير، تضخ وزارة الطاقة المياه في الكهوف، ما يتسبب بصعود النفط إلى السطح حتى يتم تكراره.  

حدود احتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي
رسم توضيحي للفجوات المحفورة في قبب الملح في مواقع تخزين النفط. حقوق الصورة: وزارة الطاقة الأميركية.

تحتوي الكهوف في 4 مواقع في ساحل ولايتي تكساس ولويزيانا على ما يقرب من 600 مليون برميل من النفط الخام، أكثر من نصف إجمالي مخزون النفط الخام في البلاد. لذا في حين أن الكمية التي تخطط وزارة الطاقة لبيعها هي مجرد جزء بسيط من الإجمالي، إلا أنها تمثل الحد الأقصى الذي يُسمح للولايات المتحدة ببيعه دفعة واحدة. في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تم ضخ 50 مليون برميل من الاحتياطي، ولكن تم إقراض أغلبها بدلاً من بيعها.  

تنتج الولايات المتحدة حالياً نحو 10 ملايين برميل من النفط يومياً، ما يعني أن الكمية التي ستُباع تمثّل أقل من نقطة مئوية واحدة من الإنتاج السنوي. لكن ويليامز-ديري يقول إن أسعار النفط تميل إلى التأثر حتى بالتغيرات البسيطة نسبياً في العرض. يقول ويليامز-ديري: «تؤثّر التغييرات الصغيرة في المخزون على الأسعار. قد تعتقد أن الأسعار لن تتأثر حتى تصبح نسبة العجز 10%، ولكن حتّى لو كانت هذه النسبة قليلة، سيبدأ التجار في المزايدة على السعر».  

اقرأ أيضاً: أهم تحديات ومميزات استخراج الوقود الحيوي من الطحالب

مستقبل النفط الأميركي

مع ذلك، لا يعتقد الباحثون أن بيع هذه الكمية من النفط سيؤثر كثيراً على الأسعار، وذلك نظراً لقلة المعلومات حول إمدادات النفط الروسية.

تقول سيغل: «أعتقد أن عملية البيع هذه رمزية بشكل أساسي»، وتضيف: «الطريقة الوحدية للتخلص من تقلّب أسعار النفط والغاز ولحماية المواطنين من المعاناة أو الارتفاعات الكبيرة في الأسعار هي الاستغناء عن النفط والغاز». 

لا يعتقد كل مناصري القضايا البيئية أن قرار بيع النفط سيئاً. إذ قالت «كيلي شيهان»، كبيرة مدراء حملات الطاقة في نادي «سييرا كلوب»، في رسالة عبر موقع «تويتر»: «نحن ندعم الإجراءات التي قام بها الرئيس بايدن، والتي تهدف إلى تخفيف معاناة الأميركيين اليومية على المدى القصير»، وأضافت: «لكن يجب أن تترافق هذه الخطوة مع إجراءات لمعالجة المشكلة الأكثر عمومية التي تتمثّل في اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري الخطير ومتقلّب الأسعار. تسعى شركات الوقود الأحفوري ومن يدعمها في مجلس النواب إلى استغلال الأزمة الحالية لتبرير التنمية الواسعة وطويلة المدى للبنى التحتية الخاصة بإنتاج الوقود الأحفوري، والتي من شأنها أن تفرض علينا الاعتماد على الوقود الأحفوري لجيل كامل».  

تشير سيغل إلى وجود حل طارئ آخر: يمكن أن تتعامل إدارة الرئيس بايدن مع الآثار السلبية المباشرة لارتفاع أسعار النفط من خلال التلاعب بالطلب بدلاً من العرض. تقول سيغل مشيرة لشيكات التحفيز (وهي شيكات تمنحها الحكومة الأميركية للمواطنين دافعي الضرائب، والتي من شأنها تحفيز اقتصاد البلاد من خلال تزويد المواطنين ببعض المال للإنفاق) التي منحتها الحكومة للمواطنين خلال جائحة كوفيد-19:«تستطيع الحكومة أن تساهم في انفراج حال الموطنين كما فعلت خلال الجائحة»، ولكنها تضيف أن الطريقة الوحيدة لحماية المستهلكين من تقلّب أسعار النفط في المستقبل هي «وضع خطة واضحة للتخلّي عن النفط والغاز كمصادر للطاقة بأسرع ما ممكن».   

يتطلّب ذلك جعل الأبنية مقاومة للعوامل الجوية، وتسريع الانتقال إلى استخدام المركبات الكهربائية، ودفع الشركات لتصنيع المزيد من المضخات الحرارية (أجهزة تنقل الطاقة الحرارية، عادة بين مكان مغلق وآخر مفتوح) وإنشاء البنى التحتية البديلة عن تلك الخاصة بالوقود الأحفوري. هذه هي الآليات التي تتبعها دول الاتحاد الأوروبي أثناء مسارعتها لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي. وعلى الرغم من أن كل هذه الخطوات تستغرق الكثير من الوقت، إلا أن ذلك ينطبق أيضاً على زيادة إنتاج الوقود الأحفوري.  

اقرأ أيضاً: «البحر الأحمر»: وجهة سياحية مستدامة تعتمد الوقود الحيوي والطاقة المتجددة 

تقول سيغل: «إن القرار الأخير المتعلق باستخدام احتياطي النفط الاستراتيجي لا يحدد السياسات المستقبلية حول مسألة الطاقة». وتضيف أيضاً أن المستثمرين وشركات النفط أنفقوا مبالغ طائلة في إنتاج النفط تكفي لتحقيق ما هو أبعد من أهداف اتفاقية باريس. يمثّل قرار الولايات المتحدة حول زيادة إنتاج النفط أو الاعتماد على مصادر بديلة للطاقة مفترق طرق تاريخي.