عين ناسا في السماء: طائرة تجسس للحرب الباردة ترصد أكبر التهديدات للبشرية

عين ناسا في السماء: طائرة تجسس للحرب الباردة ترصد أكبر التهديدات للبشرية
تستخدم ناسا طائرة إي آر-2 لمجموعة متنوعة من المهمات العلمية البيئية، مثل أخذ عينات من الغلاف الجوي والتحقق من بيانات الأقمار الصناعية. ناسا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقع قاعدة دوبينز الجوية في الشمال مباشرة من أتلانتا في جورجيا، وعادةً ما تستضيف طائرات النقل من طراز “سي-130“. لكنها ستستقبل خلال الأسابيع القليلة المقبلة ضيفاً استثنائياً؛ طائرة نفاثة بيضاء اللون يمكنها الطيران لأكثر من نصف يوم على حافة الفضاء.

طائرة إي آر-2: أكثر من مجرد طائرة للتجسس

إنها طائرة “إي آر-2” (ER-2) النفاثة التي تستخدمها ناسا لدراسة الأعاصير واختبار أنظمة الأقمار الصناعية ولأغراض علمية أخرى متنوعة. قد يكون المطلعون على الطيران العسكري وتاريخه أكثر دراية بطائرة التجسس السوداء اللون التابعة لسلاح الجو “يو-2” (U-2)، والتي كانت تقوم بمهمة جمع الصور الاستخباراتية لصالح الحكومة الأميركية منذ خمسينيات القرن الماضي.

ولكن اتضح أن طائرة التجسس هذه، والتي تُلقب بـ “سيدة التنين” (Dragon Lady)، لا يمكن الاستفادة منها في جمع المعلومات الاستخباراتية فحسب، بل وفي دراسة قوى الطبيعة أيضاً.

تقول وكالة ناسا عن طائرتها “إي آر-2” إنها أدت دوراً مهماً في أبحاث علوم الأرض بسبب قدرتها على التحليق في طبقة الستراتوسفير السفلى بسرعات تقل عن سرعة الصوت، ما يتيح أخذ عينات من الستراتوسفير مباشرة بالإضافة إلى القيام بمهام تحاكي مهام الأقمار الاصطناعية الحقيقية.

في الواقع، من المنطقي أن تكون لطائرة التجسس القدرة أيضاً على القيام بالمهام العلمية، فطائرة “يو-2” مثلاً لا تزال في خدمة القوات الجوية بعد 67 عاماً من بدء تشغيلها بسبب قدرتها العالية على التكيّف من بين أسباب أخرى، فهي في الأساس طائرة شراعية ضخمة ويمكنها حمل حمولات كبيرة من أجهزة الاستشعار والكاميرات وغير ذلك من الأدوات الضرورية لجمع المعلومات.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لشخصٍ واحد التحكم بـ 130 طائرة درون في نفس الوقت؟

يقول العقيد المتقاعد والقائد السابق لطائرة “يو-2″، مايكل فيليبس، في المدونة الصوتية “فايتر بايلوت” في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2020: «إنها مجرد طائرة شراعية مع محرك ضخم في الخلف، والسبب في أنها لا تزال مستخدمة حتى اليوم هو قدرتها على حمل المعدات نفسها التي تحملها أكثر أقمار التجسس الصناعية تطوراً، بالإضافة إلى أن الأعداء لا يستطيعون كشفها ولا يعلمون بأنها تراقبهم».

طائرة تحلق على حدود الفضاء

تدور الأقمار الصناعية في مدارات محددة معروفة حول الأرض، ولكن طائرة “يو-2” يمكن أن تحلق على ارتفاعات عالية جداً أيضاً عند الضرورة. وفقاً لصحيفة التايم، غالباً ما تحلق طائرة يو-2 على ارتفاع 20 كيلومتراً وأكثر، بينما تحلق الطائرات التجارية على ارتفاعات تتراوح بين 10 إلى 12 كيلومتراً فقط. ووفقاً لما يقوله قائد طائرة يو-2 عرّف عن نفسه بالرائد كريس فقط في مقطع فيديو على اليوتيوب عام 2020، يمكنك من هذا الارتفاع الشاهق للطائرة رؤية منحنى الأرض ومراقبة النجوم التي تبدو وكأنها تتحرك عبر الأرض والأشكال الصغيرة للطائرات التي تحتها.

بينما تقول وكالة ناسا إن طائرة “إي آر-2” تطير عادةً على ارتفاع يتراوح بين 6 إلى 21 كيلومتراً، حيث يمكنها اختبار أجهزة الاستشعار التي يريد العلماء استخدامها على متن الأقمار الصناعية، أي يمكنهم اختبار واكتشاف أي عيوب في هذه الأنظمة وإصلاحها دون تحمل تكلفة إطلاق قمر صناعي في الفضاء.

وفقاً لوكالة ناسا، نُشرت طائرة إي آر-2 في 6 قارات لدراسة شتى المجالات، من الاحتباس الحراري وحتى استنفاد طبقة الأوزون. ويستفيد من هذا العمل، إلى جانب ناسا، خدمة الغابات الأميركية ووكالة حماية البيئة وخدمة الأسماك والحياة البرية الأميركية وفيلق المهندسين بالجيش الأميركي.

بدأت ناسا بتشغيل طائرات يو-2 منذ عام 1971، واستمر ذلك إلى أن حصلت على أول طائرة “إي آر-2” عام 1981، وحصلت على الطائرة الثانية عام 1989. ووفقاً لناسا، قامت طائرات يو-2 وإي آر-2 معاً بأكثر من 4500 مهمة لجمع البيانات ورحلات تجريبية لدعم البحث العلمي.

ارتفاعات يمكن أن تسبب غليان دم الطيارين

تحلق طائرة إي آر-2 على ارتفاعات ينخفض عندها الضغط الجوي إلى درجة كبيرة يمكن أن يغلي عندها دم الطيار حرفياً إذا لم يكن محمياً، لذلك يرتدي الطيارون بدلات مضغوطة تشبه إلى حد ما تلك التي يرتديها رواد فضاء ناسا أثناء انتقالهم إلى المدار وعودتهم منه، وفقاً لما قاله قائد طائرة إي آر-2، دونالد بروس، لمجلة وايرد عام 2017.

ويقول بروس، وهو طيار سابق في البحرية اعتاد الهبوط بمقاتلة “إف 14” على متن حاملات الطائرات، إن قيادة طائرة “إي آر-2” مهمة صعبة جداً، ويصفها بالسيرك بسبب ميزاتها الفريدة والمتطلبة.

اقرأ أيضاً: المراوح المزدوجة قد تجعل طائرة “دفاينت” الجديدة أسرع هليكوبتر في العالم

يتمثل أحد الجوانب الفريدة لطائرة إي آر-2 في زوج العجلات التي تدعم أجنحتها الكبيرة أثناء الإقلاع فقط، حيث صُممت بحيث تسقط بعيداً ولا يُعاد استخدامها حتى الرحلة التالية.

يمكن أن تستمر الطائرة بالتحليق من 8 إلى 13 ساعة، كما يقول بروس. وكي يحافظ الطيارون على طاقتهم، يستهلكون طعاماً مشابهاً لأغذية الأطفال من خلال أنبوب متصل بخوذة البدلة التي يرتدونها.

قد تبدو البدلة غير مريحة، لكن المنظر الذي يمكن مشاهدته من الطائرة مذهل حقاً. فحسب بروس، المناظر من الطائرة جميلة وتوفر رؤية واضحة للأرض المنحنية بدون عوائق الطقس.

الجزء الأكثر تحدٍّ في قيادة طائرة إي آر-2

الجزء الأكثر تحدياً في قيادة طائرة يو-2 أو إي آر-2 هو الهبوط بعد رحلة طويلة، والذي يتطلب من الطيارين إيقاف الطائرة المتثاقلة باستخدام العجلتين المرتبتين وراء بعضهما على بطنها على غرار عجلتي الدراجة الهوائية، وهذه المهمة صعبة حتى بالنسبة للطيارين المتمرسين.

يقول بروس لمجلة “فلاينغ ماغازين” عام 2015: «الهبوط في معظم الطائرات هو عملية بسيطة، حيث يمكن للطيار الاسترخاء واستخدام الفرامل فقط لإيقاف الطائرة. لكن الأمر مختلف تماماً بالنسبة لطائرة يو-2، إذ يجب على الطيار موازنة الطائرة حتى تتوقف على المدرج، وهو أمر يمثل تحدياً بسبب مشكلات التعامل مع الرياح المستعرضة وعجلاتها المصممة على غرار عجلتي الدراجة الهوائية».

أثناء الهبوط، يلاحق طيار يو-2 أو إي آر-2 آخر الطائرة في سيارة على المدرج لتوجيه قائد الطائرة إلى أن تتوقف الطائرة. سيستمتع الطيارون في قاعدة دوبينز خلال الأسابيع القليلة القادمة بهذا المشهد مع عودة طائرة إي آر-2 من مهمات تتبع الطقس القاسي، وتذكر القاعدة في بيان صحفي إن الطائرة ستبقى في القاعدة حتى 5 مارس/ آذار.

اقرأ أيضاً: طائرة جديدة تعتمد على “محرك أيوني” تخرج من الخيال العلمي إلى الواقع

من المتوقع أن تستمر طائرتا يو-2 وإي آر-2 بمراقبة التهديدات المحتملة للولايات المتحدة في المستقبل المنظور، والتي قد تشمل التغيّر المناخي أو ثقب الأوزون أو نشاط الدول المعادية أو أي شيء آخر يشكل تهديداً وجودياً على الولايات المتحدة.

يقول قائد طائرة يو-2 المتقاعد، فيليبس: «لا تزال لدينا نحو 30 طائرة، وهي تحلق يومياً، وطائرة يو-2 مستعدة دائماً للقيام بأي مهمة تطلبها الوكالات الحكومية في أي وقت».