كيف تم اختراع المسدس وما آلية عمله؟

4 دقيقة
كيف غير اختراع المسدس الحروب من الرماح إلى الصواريخ؟
حقوق الصورة: بيكساباي.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لم يعد العالم مثلما كان بعد اختراع المسدس، فالحروب التي كانت تستخدم السيوف والرماح والسهام عفى عليها الزمن، وانتشرت الأسلحة النارية والمدافع بالعصر الحديث. وعلى الرغم من أنها آلات حرب، فإنها ساهمت في تطور علوم كثيرة مثل علم الصواريخ والمقذوفات، ومن الضروري معرفة آلية عملها في مجال الكشف الجنائي لتحقيق العدالة وكشف الجنايات التي تحدث بسبب الطلق الناري.

كيف تم اختراع المسدس؟

لا يعد المسدس اختراعاً حديثاً، بل هو آلة استغرق تطورها مئات السنين حتى وصولها لشكلها الحالي، إذ استخدم الصينيون البارود المكون من نترات البوتاسيوم الممزوج بالكبريت والفحم لأول مرة في الحرب عام 904 للميلاد، واستخدموا لاحقاً ماسورات مصنوعة من الخيزران لإطلاق المقذوفات نحو الغزاة، ومن بعدها تطورت البندقية التي تستلزم حشوها بالبارود يدوياً بالمعارك الكبرى في التاريخ، واستخدم المماليك المدافع في معاركهم ضد المغول، وبعد عدة مراحل تم ابتكار مدفع مصغر يتم حمله يدوياً يحتوي على رصاصة واحدة.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى القنبلة الهيدروجينية ولِمَ تعد أكثر الأسلحة فتكاً

لماذا يدعى المسدس بهذا الاسم؟

تعود تسمية المسدس إلى عدد الطلقات التي يمكن استخدامها في المسدس الدوار، حيث صممه في بداية القرن التاسع عشر العالم الأميركي صمويل كولت وقلب باختراعه موازين الحروب في العالم. أرسل والد كولت ابنه إلى الأكاديمية البحرية لكنه طُرد منها، فأرسله والده إلى سفينة بحرية ليتعلم الملاحة بشكل تطبيقي، فأُعجب كولت الشاب بآلية عمل دفة الربان، إذ كان يدورها القبطان ويثبتها من خلال قطعة من الخشب للتحكم باتجاه السفينة، واستلهم من هذه العملية طريقة جديدة لتخزين 6 طلقات في حجرات موجودة ضمن أسطوانة دوارة عوضاً عن تلقيم الفرد الذي يطلق طلقة مفردة بالبارود، ونحت نموذجاً من الخشب وبدأ بالعمل على تطويره ليأخذ شكله النهائي الذي قام ببيعه للجيش الأميركي في حربه ضد المكسيك.

وبسبب شغف كولت الشديد بالميكانيك، طور مسدسه عدة مرات وحصل على عدة براءات اختراع أهمها:

  • آلية قفل الماسورة.
  • المواسير المبطنة.
  • المقابض الطويلة. 
  • الفوهات ذات المواسير المصقولة من الداخل لمنع انتشار شرارات النار للحجرات المتجاورة ما يحد من الحوادث.

اقرأ أيضاً: كيف سيصبح توزع الترسانة النووية عالمياً في السنوات القادمة؟

ما هي المراحل لإطلاق النار من المسدس؟

يمكن تلخيص أهم المراحل التي يعمل بها المسدس من الداخل لحين خروج الطلقة من الفوهة كما يلي:

  1. توضع الطلقة في حجرة الإطلاق.
  2. يُدفع القادح للخلف، ويتم إيقافه تحت ضغط الزنبرك.
  3. عند ضغط الزناد يتم إفلات القادح المرتبط بمسمار الإطلاق الذي يندفع للأمام بقوة. 
  4. يضرب مسمار الإطلاق الصاعق الموجود في الجهة الخلفية للخرطوشة ما يؤدي إلى تحفيز انفجار حجرة البارود كيميائياً.
  5. تشتعل حجرة البارود ويتمدد الغاز الناتج عن المسحوق المحترق بسرعة في الخرطوشة، فيدفع الغاز المتمدد الرصاصة للخروج من الخرطوشة عبر الماسورة بسرعة كبيرة.
  6.  يوجد في الماسورة من الداخل مسار حلزوني يساهم في دوران الرصاصة أثناء خروجها منها.
  7. يصدر عن احتراق الغازات وسرعة انطلاق الرصاصة صوت دوي مرتفع يصل لمسافات بعيدة نسبياً.
ما هي المراحل لإطلاق النار من المسدس؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Makhh

مم تتألف الطلقات؟

تتعرض الطلقة لضغط كبير وحرارة عالية، لذا يجب أن تصنع من مواد مقاومة وصلبة لكي تسبب الضرر بالهدف الذي تصيبه، وتتألف الطلقة عادةً من الأقسام التالية:

  • المقذوف: وهو الجزء الذي يقذف خارجاً، وفي حالة بندقية الصيد يتألف من عدة خرزات معدنية تدعى أحياناً الخردق، ويصنع المقذوف عادةً من معدن الرصاص أو النحاس أو التنغستين في الطلقات التي تخترق الدروع، وهناك مقاذيف مصنوعة من اليورانيوم المستنفد، ومن الممكن أن تصنع بعض أنواع الطلقات التحذيرية من المطاط أو الخشب.
  • الوقود الدافع: ويوجد في الحجرة الداخلية للخرطوشة التي تجمع أجزاء الطلقة، ويتكون من البارود عادةً.
  • قاعدة الطلقة: وتحتوي على الصاعق الذي يحدث شرارة لإشعال البارود لدى ضربه.
  • الخرطوشة: وهي الغلاف الذي يجمع كل الأجزاء مع بعضها، وتصنع عادة من النحاس أو الزنك أو القصدير، ويتم تشحيم ارتباطها مع المقذوف ليسرع انطلاقه.
مم تتألف الطلقات؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ charnsitr

ويستخدم عادةً الطلاء المقاوم للصدأ بحماية الطلقة من الرطوبة وسوء التخزين.

كيف تحسب سرعة ومسافة وصول الطلقة؟

يمكن حساب المدى الذي يمكن أن تصل إليه الطلقة باستخدام قوانين نيوتن الثلاثة والمعادلات المرتبطة بها، إذ تساوي المسافة التي تقطعها الطلقة ناتج ضرب متوسط السرعة الأفقية للطلقة بالوقت الذي تستغرقه للوصول لنقطة معينة، وتبلغ سرعة الطلقة عادةً نحو 2000 كيلومتراً بالساعة عند خروجها من فوهة الماسورة، ولكن بهذه السرعة قد تظهر النتائج النظرية للمعادلة أن الطلقة ستصل لمسافة 100 كيلومتر تقريباً.

قد يصل المدى الأقصى للطلقات فعلياً لنحو 4 كيلومترات فقط، والسبب في ذلك هو مقاومة الهواء الشديدة للطلقة بسبب سرعتها، إذ تزيد قوة مقاومة الهواء أو السحب بشكل طردي مع مربع السرعة، لدرجة أن المسافة التي يجب أن تقطعها بشكل نظري دون احتكاك بالهواء سوف تقل بنحو 40 مرة تقريباً على أرض الواقع.

وهناك عدة قوى فيزيائية أخرى تؤثر على سرعة ومسافة وصول الطلقة منها ما يلي:

  • قوى الجاذبية: وتسبب هبوط الطلقة عن مسارها نحو الأسفل وتقوسه.
  • قوى ماغنوس: التي تنشأ أيضاً عن التفاف الطلقة وتسبب انحرافها عن مسارها على المدى الطويل.
  • تأثير كوريوليس: وهو تأثير لا يظهر إلا على المسافات البعيدة، وينتج عن تأثير دوران الأرض، فعند إطلاق الطلقة في اتجاه شمالي في نصف الكرة الشمالي، سيتحرك الهدف إلى اليمين، وستصبح الحالة معاكسة في نصف الكرة الجنوبي عند إطلاق النار نحو الجنوب.

كيف يكشف المحقق الجنائي مصدر إطلاق النار؟

يقوم الطبيب الشرعي باستخراج الطلقة من جسم الضحية، أو في الحالات التي لا تتضمن ضحايا يتم الحصول على المقذوف الموجود بمسرح الجريمة بالإضافة للخرطوشة أحياناً، ويقوم بعدها علماء التحقيق الجنائي بمقارنة العلامات الجانبية على المقذوف لمعرفة نوع المسدس الذي أطلقها.

إذ لكل نوع مسدس أخاديد لولبية مميزة من داخل الماسورة، وتعمل بمثابة “بصمة ميكانيكية” تترك انطباعها على الطلقة التي تخرج من المسدس، وبمقارنتها مع إحدى طلقات مسدس مشتبه به، يمكن تحديد الفاعل، ولهذا يجب الحصول على طلقة سليمة من نفس المسدس، حيث يطلقها العالم الجنائي ضمن حوض ماء أو زيت لإيقافها والحفاظ على شكلها بعد الإطلاق لمقارنته مع الطلقة الأساسية.

ولتسريع هذه العملية، يوجد قواعد بيانات خاصة، تعمل على مقارنة صور الطلقات وأنواع المسدسات المختلفة لتحديد مصدرها، ما يساهم في كشف عدد أكبر من الجرائم ويضمن فعالية التحقيق باستخدام التكنولوجيا الحديثة.

اقرأ أيضاً: المراوح المزدوجة قد تجعل طائرة “دفاينت” الجديدة أسرع هليكوبتر في العالم

تظل المسدسات أكثر الاختراعات المثيرة للجدل، فهي تستخدم للدفاع عن النفس والحماية والصيد، لكنها بالوقت ذاته قد تسبب عدة مآسي عند وقوعها بالأيدي الخاطئة، لذا لا توجد المسدسات سوى مع المؤهلين من الجهات المعنية ولا يتم استخدامها إلا في الحالات القصوى.