هل ستدخل سموم الحلزونات المخروطية في الأدوية المسكنة للألم قريباً؟

هل ستدخل سموم الحلزونات المخروطية في الأدوية المسكنة للألم قريباً؟
حلزون المياه العميقة المخروطي، أو «كونوس نيوكوستاتوس»، يصطاد سمكة باستخدام سمه الفعال، والذي قد يحتوي على مواد كيميائية يمكن استخدامها في تركيب الأدوية المسكنة للآلام. ديلان تيلور
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد تبدو الحلزونات المخروطية مسالمة، بل جميلة أيضاً بأصدافها الملونة، لكن هذه اللافقاريات التي تعيش في قاع المحيط هي قتلة بحرية ماهرة. عندما تسبح الأسماك بالقرب من أحد هذه الحلزونات، يُخرج هذا المفترس، والذي يمكن أن يصل طوله إلى 22.8 سنتيمتراً، خرطومه الشبيه باللسان ببطء، وبومضة عين، يطعن فريسته ويحقنها بسمّه المُشلّ.   

تقول «آيرس بي راميرو»، باحثة في الحيويّات الجزيئية في جامعة كوبنهاغن: «بشكل عام، يجب عليك أن تتجنب لسعة هذه الحلزونات».

تعتبر اللسعات السامة لبعض أنواع الحلزونات المخروطية خطيرة بالنسبة للبشر، وحتى قاتلة أحياناً. ولكن تبيّن أن المواد الكيميائية التي تتألف منها سموم هذه الحلزونات يمكن تحويلها إلى أدوية مسكّنة للآلام. في ورقة بحثية نُشرت في 23 مارس/آذار 2022 في دورية «تقدّمات علمية»، حددت راميرو وفريق من العلماء نوعاً فريداً من الببتيدات يوجد في أحد أنواع حلزونات المياه العميقة المخروطية غير المدروس بشكل جيد من قبل، ويبدو أن لهذا الببتيد آثار مسكّنة للآلام. يبدو أن هذا المركب قد يكون مفيداً في تصميم العلاجات أو مسكّنات الآلام للمرضى المصابين بالسرطان واضطرابات الغدد الصماء والآلام الشديدة والمزمنة.

التركيب الكيميائي لسموم الحلزونات المخروطية

لا تمتلك كل الحلزونات البحرية الغدد التي تنتج السموم، لكن الحلزونات المخروطية لديها سموم قوية وفعالة بشكل خاص. بعد الحقن، يتسبب السم بدخول الضحية في حالة تسمى «الصدمة السُميّة التهيّجية»، ما يجعلها تفقد القدرة على الحركة خلال ثوانٍ. يفتح الحلزون فمه بعد ذلك، ويلتهم الضحية دفعة واحدة، ما يجعلها تموت موتاً بطيئاً ومؤلماً.   

تقول راميرو: «عندما شاهدت لأول مرة فيديوهات لهذه الحلزونات وهي تصطاد، كنت مشدوهة»، وتضيف: «أحياناً تكون الفرائس بحجم الحلزونات أو حتى أكبر منها».  

من المعروف أن سموم اللافقاريات خطيرة للغاية، ولكن بيّنت العديد من الدراسات الجديدة أن هذه السموم قد يكون لها خصائص طبية مدهشة. 

تقول «مانديه هولفورد»، الأستاذة المشاركة في الكيمياء والكيمياء الحيوية في كلية هَنتر، وزميلة باحثة في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي: «لفترة طويلة، اعتقد معظم العلماء أن سموم “الحلزونات القاتلة” تتكون بأغلبها من السموم العصبية. لكن هذا ليس دقيقاً». تضيف هولفورد أن هناك أكثر من 1000 نوع معروف من الحلزونات المخروطية، ولكن تم تحليل سموم وأنماط حياة قرابة 2% منها فقط.  

على الرغم من أنها لم تشارك في البحث الجديد، تقول هولفورد إنها تعلّمت من الأبحاث السابقة، إلى جانب العديد من خبراء الحلزونات المخروطية الآخرين، أن سموم هذه الحلزونات تحتوي على عدد هائل من الجزيئات الكيميائية المختلفة عن السموم العصبية. هذه الجزيئات، والتي تشمل في الغالب البروتينات والسلاسل القصيرة من الأحماض الأمينية التي تسمى الببتيدات، فعالة في استهداف أجزاء محددة في النظام الفيزيولوجي للحيوان أو الإنسان، بهدف إعاقة وظائف معينة مثل الحركة والرؤية. يمكن لبعضها أيضاً إيقاف إشارات الألم الآتية من مستقبلات معينة، ما يمكن أن يجعلها مفيدة في تصميم الأدوية العلاجية. لكن سموم الحلزونات المخروطية يمكن أن تحتوي على ما يزيد عن 200 ببتيداً مختلفاً، لذا يكمن التحدي في تحديد أنواع المواد الكيميائية المفيدة، وكيف يمكن أن تساعد في تخفيف الألم.  

اقرأ هنا: لماذا تعدّ البروتينات النباتية أفضل من البروتينات الحيوانية؟  

استراتيجيات الصيد الخاصة بالحلزون المخروطي

تقول راميرو: «لكل نوع من الحلزونات أنواع مختلفة من السموم، لذلك من المحتمل أن يكون هناك مجموعة تضم آلاف وآلاف المركبات غير المكتشفة»، وتضيف: «يتعلّق الأمر بإيجاد المركّبات المثيرة للاهتمام».  

تقول راميرو إن دراسة استراتيجيات الصيد المختلفة لأنواع الحلزونات المخروطية، والطريقة التي تستجيب بها الفريسة للسم، يمكن أن يكون نقطة انطلاق مفيدة للعثور على مواد كيميائية جديدة. عندما تعلمت راميرو لأول مرة عن الحلزونات المخروطية عندما كانت طالبة جامعية، أدركت أن العديد من الأنواع كانت تعيش في المياه الاستوائية بالقرب من الجزيرة التي نشأت فيها في الفلبين. تقول راميرو: «نحن نشتري حلزونات المياه الضحلة المخروطية من بعض الأسواق ونستخدمها في الطبخ، جنباً إلى جنب مع بطنيات الأقدام الأخرى». (يقوم الفلبينيون بغلي الحلزونات قبل تناولها، ما يؤدي إلى تفكّك المواد السامة على الأرجح). تعتبر أصداف هذه الحلزونات قيمة بالنسبة لهواة الجمع أيضاً. عملت راميرو خلال الدراسة مع صياد فلبيني محلي ساعد الفريق في تجميع عينات من نوع «كونوس نيوكوستاتوس» من الحلزونات المخروطية. لم تتم دراسة هذه الحلزونات المخروطية التي تنتمي إلى الجُنيس «أسبريلا» عن كثب من قبل لأنها تعيش على عمق يصل إلى 250 متراً، ما يجعل من الصعب تجميعها وإبقاؤها حية في المختبر.       

استراتيجيات الصيد الخاصة بالحلزون المخروطي
«آريس بي راميرو» المؤلفة الرئيسية للورقة البحثية الجديدة، خلال رحلة لتجميع الحلزونات المخروطية في الفلبين. حقوق الصورة: آريس بي راميرو.

الطريقة الأكثر شيوعاً التي تصطاد فيها الحلزونات المخروطية الأسماك هي تطبيق استراتيجية «الصعق والربط»، والتي يطعن فيها المفترس الفريسة، ويشلّها بالسم، ويبتلعها على الفور في غضون ثوانٍ. بينما تعتمد ثاني أكثر طريقة شيوعاً للصيد على أسلوب الصيد بالشباك، والذي لوحظ في عدد قليل من أنواع الحلزونات المخروطية. ويتضمن إفراز الحلزون سحابة غير مرئية من السم في الماء تلعب دور الفخ. وعندما تسبح سمكة من خلال هذه السحابة، تفقد توازنها ويصبح الإمساك بها سهلاً.   

لكن الحلزونات المخروطية التي تنتمي إلى جُنيس أسبريلا تطبق استراتيجية لم ترها راميرو والباحثون الآخرون من قبل. تقول راميرو: «تسبح السمكة الملدوغة في الأرجاء وتبدو أنها سليمة»، وتضيف: «لكن بعد ساعة أو نحو ذلك، تصبح السمكة ضعيفة فجأة». وعندما تغرق إلى قاع المحيط، يحين وقت عشاء الحلزون، حسب تعبير راميرو.    

إلى ماذا يستند الباحثون لإدخال سموم الحلزونات المخروطية صناعة الأدوية؟

أطلق فريق راميرو على الاستراتيجية الجديدة اسم «نصب الكمين والتقييم». على عكس السموم سريعة المفعول التي تستخدمها حلزونات المياه الضحلة المخروطية الأخرى، فإن الشلل المتأخر الذي تتسبب به المركبات الموجودة في سم حلزون كونوس نيوكوستاتوس يشير إلى أنه قد تكون هناك تفاعلات كيميائية أخرى مثيرة للاهتمام تحدث في جسم الفريسة. وبحثاً عن المزيد من الأدلة، استخرجت راميرو وزملاؤها سم حلزون «كونوس رولاني»، أحد أقارب كونوس نيوكوستاتوس، وقاموا بتحليل التركيب الجزيئي لهذا السم. تمكّن الباحثون من تحديد ببتيد يسمى «كونسوماتين آر أو 1»، له بنية وخصائص مشابهة تحاكي «السوماتوستاتين»، وهو هرمون موجود في البشر والفقاريات الأخرى، يثبّط نمو الخلايا وأجزاء أخرى.    

سبق أن دُرس هرمون السوماتوستاتين كعقار محتمل لأمراض الغدد الصماء العصبية، لكن كما تشرح راميرو، يمتلك هذا الهرمون عمر نصف قصير يتراوح من دقيقة إلى 3 دقائق. وتقول راميرو: «هذا يعني أنه لا يبقى في الجسم لفترة طويلة، وليس له تأثير حقيقي»، وتضيف: «لقد طورت الكثير من شركات الأدوية مُشابهات بنيوية للسوماتوستاتين تمتلك عمر نصف أطول (المشابهات البنيوية هي مركبات كيميائية لها بنية مشابهة لمركبات أخرى، ولكن تختلف عنها في أحد مكوناتها). ولكن عندما فحصنا التركيب الكيميائي لببتيد كونسوماتين الموجود في حلزون كونوس نيوكوستاتوس، وجدنا أنه يشبه لا المشابهات البنيوية للأدوية فحسب، بل كان أكثر استقراراً من السوماتوستاتين».      

قام الباحثون بعد ذلك بحقن ببتيد الكونسوماتين المعزول في الفئران، ولاحظوا أن له تأثيراً مشابهاً للأثر الذي شوهد في فريسة الحلزون المشلولة: فقدان التوازن ببطء، ثم الخمول، والتأثير المهدئ الذي استمر لمدة 3 ساعات تقريباً. وفقاً لراميرو، وجد الباحثون أن الببتيد ينشط بشكل انتقائي واحداً من مستقبلات السوماتوستاتين الـ 5 التي تؤدي إلى تسكين الآلام في الفقاريات. يشير هذا إلى أن الببتيد «ليس مجرد مشابه بنيوي» للسوماتوستاتين، حسب تعبير راميرو.  

تقول راميرو: «عندما يكون السم مزيجاً من المركبات السامة المختلفة، يمكن أن يكون قاتلاً»، وتضيف: «لكن بمجرد فصل المكونات عن بعضها، ودراسة أحدها فقط، وجدنا أنه فعّال ويسكّن الألم». 

تقول هولفورد إن النتائج التي توصل إليها الفريق «تؤكد الفرضية القائلة بأنه لا توجد آليتان سُمّيتان متماثلتان، حتى داخل النوع الواحد». وتشير إلى أنه في حين أن سلسلة الأحماض الأمينية التي تتألف منها الببتيدات الأخرى التي حددها الباحثون لا تزال بحاجة إلى المزيد من التأكيد من خلال تقنيات التحليل البروتيني الكامل، إلا أن النشاط الحيوي لمركب الكونسوماتين يعد اكتشافاً قد يساعد في تصميم المستحضرات الصيدلانية في المستقبل.  

حالياً، هناك العديد من الأدوية المستوحى تركيبها من سموم الحلزونات المخروطية تخضع للتجارب السريرية، كما أن هناك دواء دخل السوق بالفعل. يعتمد هذا الدواء، والذي اسمه «بريالت»، على مركب موجود في حلزون «كونوس ماغوس»، وتمت الموافقة على استخدامه من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية في عام 2004 كبديل غير أفيوني للمورفين. ومع ذلك، فإن طريقة توصيل الدواء تتطلب الحقن الشوكي. يعمل مختبر هولفورد حالياً على تطوير طريقة أفضل لحقن ببتيدات الحلزونات المخروطية في جسم الإنسان.   

تقول هولفورد: «هناك الكثير من العمل الذي يجب إنجازه لنحصل على عقار [أفضل]، ولكن كما هو الحال مع جميع الشبيهات البنيوية المشتقة من السموم، فنحن نعلم أنها فعالة»، وتضيف: «يمكن لهذه اللافقاريات الصغيرة نسبياً أن تنتج مزيجاً كيميائياً من الجزيئات النشطة حيوياً لا يمكن إنتاجه في أي مختبر في أي مكان في العالم. نحن بحاجة إلى الحفاظ على التنوع الحيوي لهذه الأنواع إذا أردنا اكتشاف أسرارها الكيميائية».   

توافق راميرو على أن هناك الكثير من الحقائق التي يجب تعلّمها عن الطرق الطبيعية لتركيب الأدوية. 

تقول راميرو: «طوّرت الحلزونات المخروطية بالفعل مجموعة من [الجزيئات] المستقرة تعمل على الوجه الأمثل»، وتضيف: «يمكننا أن نتعلم الكثير من هذه الحيوانات، ليس فقط من أجل التطبيقات الطبية الحيوية، ولكن أيضاً من خلال اكتشاف كيفية استخدامها للسموم في بيئتها».