كيف نستخدم الفيروسات آكلة البكتريا في السيطرة على الأمراض البكتيرية؟

كيف نستخدم البكتيريوفاج في السيطرة على الأمراض البكتيرية؟
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بينما كان الطبيب الإنجليزي “فريدريك تورت”، البالغ من العمر 37 عاماً وقتها، يعمل في مختبره محاولاً البحث عن لقاح فعّال ضد مرض الجُدري، لاحظ ظهور بقع شفافة في أطباق بتري، ووضع 3 تفسيرات لهذا الحدث، من ضمنها: قد تكون البقع شكلاً من دورة حياة البكتيريا أو هناك إنزيمات معينة تنتجها البكتيريا بنفسها تسبب تآكل تلك البقع أو وجود فيروسات فائقة الصغر. وكتب ملاحظته هذه في ورقة بحثية عام 1915. 

بعد ذلك بعامين، أي عام 1917، لاحظ “فيليكس دهيريل”، وهو عالم أحياء دقيقة كندي من أصول فرنسية، نفس ملاحظة تورت، ولكنه خاطر وكتب أنّ هناك نوع جديد من الفيروسات القادرة على قتل البكتيريا، وأطلق عليها اسم العاثيات أو كما هو مشهور عنها “البكتيريوفاج” (Bacteriophage)، وفتح هذا الاكتشاف باباً واسعاً لعلاج العديد من الأمراض البكتيرية. 

ما هو البكتيريوفاج؟ 

هو نوع من الفيروسات التي تُصيب البكتيريا وتقتلها دون أن تؤثر على الخلايا البشرية أو الحيوانية، ما يجعلها علاجاً فعالاً ضد الأمراض والالتهابات البكتيرية. وكلمة “بكتيريوفاج” تعني “آكلات البكتيريا”، حيث تدمر الخلايا البكتيريا المضيفة، ويتكون البكتيريوفاج من جزيء من الحمض النووي محاطاً بالبروتين. بعد إصابة الخلية البكتيرية، تمنعها آكلات البكتيريا من إنتاج المكونات البكتيرية لتنتج مكونات فيروسية بدلاً من ذلك. وبعد انتهاء عملها، تنفجر الخلية البكتيرية وتنطلق كمية كبيرة من البكتيريوفاج، وتُسمى هذه المرحلة بـ “التحلل”. 

اقرأ أيضاً: هل سمعت البكتيريا من قبل؟ علماء يكشفون الستار عن أصوات البكتيريا

يمكن اختصار الأمر في أنّ البكتيريوفاج بمثابة المرض الذي يُصيب البكتيريا ويدمرها. وبسبب قدرتها هذه، استخدمها فيليكس مع زملائه من جورجيا (كانت تابعة للاتحاد السوفيتي سابقاً) في علاج السوفييت من مجموعة واسعة من الأمراض البكتيرية. وكان ذلك قبل ثورة المضادات الحيوية إلى أن انتبه العالم إلى أهميتها، وأصبحت تُدرس في الجامعات حول العالم. 

كيف يتفوق البكتيريوفاج على المضادات الحيوية في العلاج؟

بعد اندلاع ثورة المضادات الحيوية التي أحدثها “ألكسندر فلمينج“، أصبح يُعتمد عليها كثيراً في علاج الأمراض الميكروبية. لكن بمرور الوقت، بدأت سلالات البكتيريا تُظهر مقاومة ضد المضادات الحيوية، ما جعل البكتيريوفاج أكثر تفوقاً عليها، ويتضح ذلك مما يلي: 

  • يُهاجم البكتيريوفاج سلالات محددة من البكتيريا ولا يتسبب في إلحاق أي ضرر بالخلايا الجسدية أو البكتيريا المفيدة في جسم الإنسان. بينما في حالة المضادات الحيوية، فقد اتضح أنّ لها العديد من الأضرار الصحية، منها إلحاقها الضرر ببكتيريا الأمعاء النافعة، علماً بأنّ هذه البكتيريا مهمة جداً لحياة الإنسان. 
  • تتكاثر البكتيريا بسرعة كبيرة، ما يجعلها قادرة على تكوين مقاومة ضد المضادات الحيوية، أما في حالة البكتيريوفاج، فإنّ فرصة تكوين مقاومة من البكتيريا ضده قليلة جداً. 
  • قد تحتاج سلالات البكتيريا المقاومة إلى سنوات طويلة لتطوير مضادات حيوية جديدة، لكن في حالة العلاج بالبكتيريوفاج، فالأمر يحتاج فقط إلى بضعة أيام.

اقرأ أيضاً: اكتشاف بكتيريا عملاقة بحجم حبة الفول تذهل العلماء

العلاقة بين حجم الجينوم ونطاق انتشار البكتيريوفاج 

تتميز بعض أنواع البكتيريوفاج بكبر حجمها، ما يجعلها قادرة على احتواء كمية أكبر من الجينوم، وأبرز الأمثلة عليها: فاج جي (Phage G)، الذي يبلغ طول الجينوم الخاص به نحو 626 كيلو بايت. ووجود كمية كبيرة من الجينوم، يعني زيادة إنتاج البكتيريوفاج لمكونات تعزز اعتماده على نفسه، وتقلل الاعتماد على البكتيريا المضيفة، هذا بحد ذاته ينتزع من البكتيريوفاج التخصصية العالية، ويجعله أكثر انفتاحاً لمهاجمة نطاق أوسع من سلالات البكتيريا. 

كان الباحثون يلجؤون إلى خلط عدد من البكتيرويوفاج ويكوّنون شيئاً يشبه الكوكتيل، وأطلقوا على ذلك “كوكتيل فاج” (phage cocktails)، لتوسيع نطاق عمل الدواء ضد عدد أكبر من أنواع البكتيريا، لكن هذا ليس حلاً مناسباً نتيجة التكاليف الباهظة وغيرها من الأسباب. لذلك كان الحل الأمثل هو البحث عن طرائق فعّالة لعزل سلالات من البكتيريوفاج لديها جينوم كبير الحجم.

العزل الانتقائي للبكتيريوفاج 

من ذلك نخلص إلى أن البكتيريوفاج الأكبر حجماً هو أكثر كفاءة في محاربة البكتيريا من الأصغر حجماً، ما دفع الباحثين إلى البحث في كيفية انتقاء أنواع البكتيريوفاج كبيرة الحجم المحتوية على جينوم أكبر. وبالفعل استطاعت مجموعة بحثية بقيادة الدكتور “علاء الدين محمد سعد” تطوير طريقة جديدة يمكن من خلالها عزل البكتيريوفاج الأكبر حجماً والذي يحتوي على كمية كبيرة من الجينوم، ومن ثمَّ استخدامه في الأغراض العلاجية. ونُشرت الدراسة في دورية “بيوساينس آند بيوإنجنيرينج” (Journal of Bioscience and Bioengineering) في يناير/كانون الثاني 2019. 

نجح الباحثون في عزل 11 بكتيريوفاج تُسمى بـ “إيشريشيا” (Escherichia)، واتضح أنّ كل سلالة منها تستطيع إصابة نطاق واسع من البكتيريا. وبعد إجراء التحليل الجينومي لها، تم تقسيمها إلى مجموعتين حسب حجم الجينوم:

  • 200 كيلو بايت: وهي 8 (E1, E2, E5, E6, E7, E9, E10, E3).
  • 450 كيلو بايت: وهي 3 (E4, E8, E11). 

وتمت عملية العزل بنجاح بعد اتباع بعض الخطوات في المختبر والتي تضمنت استخدام عملية الطرد المركزي لإزالة البكتيريوفاج كبير الحجم، ثم إضافة بعض المواد لقتل البكتيريا الملوثة في حقل التجربة، وإعادة استخدام جهاز الطرد المركزي من أجل الحصول على الأنواع كبيرة الحجم من البكتيريوفاج، وفي النهاية نحصل على الأنواع المفضلة التي تحتوي على كمية كبيرة من الجينوم، وبالتالي استخدامها على نطاق واسع ضد البكتيريا. 

نُشر هذا المقال استناداً إلى بحثٍ مقدّم من مركز “أبحاث الشباب العربي