5 طرق فعالة لحفظ الأغذية لفترات طويلة بوجود تهديدات بالحرب والمجاعات

5 طرق فعالة لحفظ الأغذية لفترات طويلة بوجود تهديدات بالحرب والمجاعات
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من الإغلاق العام الذي فرضته جائحة كوفيد-19 منذ نحو عامين من الزمن، مروراً بالحرب الروسية الأوكرانية والمخاوف التي تنذر بوقوع الكوارث، وصولاً إلى هلال شهر رمضان الكريم الذي بات على الأبواب، تفرض هذه الظروف علينا الاستعداد الدائم لما هو قادم.

أول ما يفكر به الإنسان في ظروف كهذه هو كيفية البقاء على قيد الحياة، والتزود بالإمدادات الغذائية لأطول فترة ممكنة. فما هي أفضل طرق حفظ المواد الغذائية التي قد نضطر لاستخدامها منزلياً في ظل ظروف استثنائية؟

حفظ الأغذية بالتجفيف

قد يكون حفظ الأغذية بالتجفيف من أقدم طرق الحفظ المعروفة والتي توصل إليها الإنسان للتغلب على موسمية بعض المحاصيل والحصول عليها على مدار العام. وهو ما نحتاجه في شهر رمضان الذي يهل علينا أحياناً في الأيام الباردة حيث تغيب الفواكه الصيفية.

يقوم التجفيف على مبدأ تخليص الغذاء من محتواه من الرطوبة بنسبة 80-90% باعتبارها وسطاً أساسياً لنمو البكتيريا والفطور والخمائر، وخفض نشاط إنزيمات الأكسدة، ما يحفظ لون الغذاء ونكهته لفترات طويلة جداً. يمكن استخدام هذه الطريقة لتجفيف مختلف أنواع الفواكه والخضراوات واللحوم والحبوب، فهي بسيطة وآمنة وسهلة التعلم.

منزليّاً، تختلف طرق التجفيف باختلاف الظروف المناخية المحيطة ونوع الغذاء المجفف. من أكثر طرق التجفيف شيوعاً التجفيف بالظل في درجة حرارة لا تقل عن 30 درجة مئوية وبوجود تيار هوائي لحمل الرطوبة بعيداً، بعد تغطية الثمار لمنع وصول الحشرات إليها. يُستخدم التجفيف في الظل للحبوب والفواكه ذات المحتوى العالي من السكر وحمض الأسكوربيك، اللذان يمنعان نشاط الميكروبات فيها خلال عملية التجفيف البطيئة.

لتجفيف اللحوم الغنية بالبروتينات والخضراوات ذات المحتوى العالي من الرطوبة والمنخفض بالسكريات، يمكن استخدام التجفيف بالأفران الغازية أو الكهربائية، بعد ضبط درجة حرارتها على 60 درجة مئوية وفتح بابها بمقدار (5-15) سنتيمتراً بما يساعد على مرور تيار هوائي خلالها في حال لم تكن مزودة بمروحة.

التخزين بالتقديد للحوم

التقديد أو المعالجة بالملح هي إحدى طرق حفظ الغذاء الخاصة باللحوم والأسماك. كسابقتها، فإن المبدأ الأساسي للتقديد هو تخليص اللحوم من محتواها من الرطوبة، من خلال إضافة مزيج من ملح الطبخ والنتريت أو نترات الصوديوم.

يتضمن التقديد تعقيم اللحوم من الميكروبات الممرضة بالإضافة إلى تجفيفها، فكيف يتم ذلك؟

 تتسبب المعالجة الملحية للحوم برفع الضغط الأسموزي في الوسط المحيط بالميكروبات، فيُسحب الماء منها بعملية التناضح وتجف الميكروبات، كما يُسحب محتوى خلايا اللحم من الماء. تفقد الميكروبات بالجفاف قدرتها على النمو والتكاثر، بحيث لا تستطيع البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة. لحسن الحظ فإن الطرق التقليدية المنزلية التي تعتمد إضافة الملح حتى تطفو البيضة كافية للوصول إلى التركيز الذي يقضي على معظم الميكروبات الممرضة الموجودة في اللحوم.

عادة ما ينتج عن معالجة اللحوم بتراكيز عالية من ملح الطعام لحوماً رمادية، وللمحافظة على اللون الوردي لها تتم إضافة نترات و/أو نتريت الصوديوم، فما هو دورها؟

يتم إرجاع النترات إلى نتريت بواسطة بكتيريا المكورات “ميكروكوكس إس بي بي”(Micrococcus spp) الموجودة على اللحم، ثم إلى أكسيد النتريك. وبدوره يتفاعل أكسيد النتريك مع الميوجلوبين (صبغة العضلات) فيحافظ على لونه الوردي ويحميه من التغيرات بتأثير الحرارة والضوء.

يمكن إجراء التقديد بعدة طرق:

  • التقديد الجاف بفرك اللحوم بالمزيج الملحي حتى يُسحب الماء منها، بحيث يصبح اللحم جافاً بعد 4-8 أسابيع وقابلاً للتخزين لفترات طويلة.
  • التقديد الرطب بنقع اللحوم بمحلول المزيج الملحي لمدة 3-4 أسابيع، أو يمكن حقن المحلول بمحاقن خاصة في عضلات وأوردة اللحم ذو القطع الكبيرة.

اقرأ أيضاً: لزيادة الوزن في رمضان: اتبع الطريقة الصحيحة

حفظ الغذاء بالتدخين

هذه الطريقة قديمة قدم النار، فمنذ أن اكتشف الإنسان القديم النار وقدرة دخانها على حفظ ما اصطاده من أسماك مغسولة بمياه البحر، أصبح حفظ الغذاء بالتدخين طريقة شائعة ومتداولة بكثرة مع غياب الطاقة الذي عاصره البشر سابقاً في ظروف الحروب والكوارث الطبيعية.

التدخين عملية حفظ غذائي للحوم والأسماك بتعريضها لدخان خشب الجوز بشكل أساسي، أو خشب القيقب والبلوط (وهو المفضل لتدخين لحم البقر) والنغت (لتدخين السلمون). يمكن تدخين اللحوم منزلياً أو تجارياً بذات الطريقة، حيث توضع اللحوم على رفوف ضمن غرفة مغلقة لاحتواء الدخان. تتراوح درجات حرارة التدخين بين (43-71) درجة مئوية، ولفترات تختلف باختلاف نوع اللحم و محتواه من الرطوبة. بعد الانتهاء من التدخين تبرّد اللحوم فوراً وتقطّع، ثم تُغلف لحفظها إلى حين الاستخدام.

يتم حفظ الغذاء المدخن بالاعتماد على آليتين هما قتل الميكروبات بالحرارة، والخصائص المضادة للميكروبات التي تتمتع بها المواد الكيميائية الموجودة في الدخان؛ مثل الفورمالدهيد والكحوليات.

من شروط نجاح عملية التدخين التقليدية:

  1. معالجة اللحوم بالملح الجاف أو بالمحلول المحلي، حيث يدخل الملح إلى خلايا اللحم ويحلّل بروتيناتها، حتى يتفكك النسيج الضام وتصبح اللحوم أكثر طراوة.
  2. التجفيف بالهواء الطلق قبل التدخين لمدة تتراوح بين 1-3 ساعات، ما يساعد على تكون طبقة بروتينية رقيقة على سطح اللحوم تدعى “بيليكل” (pellicle) تسمح لجزيئات الدخان ومكوناته بالالتصاق على سطح اللحم.

اقرأ أيضاً: ما هو التسمم الوشيقي؟

حفظ الغذاء بالتعليب

ربما ليست بقدم طرق الحفظ الأخرى لكنها طريقة ولدت من صلب الحروب، وتناسب الحالات والظروف الاستثنائية. تعود بدايات التعليب إلى القرن الثامن عشر عندما رصد الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت جائزة مالية لمن يجد طريقة لحفظ الغذاء لإطعام جيشه البعيد عن أرض الوطن. توصل نيكولاس أبيرت لفكرة حفظ الغذاء في زجاجات محكمة الإغلاق بعد تسخينه لدرجة حرارة كافية. فما هي الآلية التي يحافظ بها التعليب على الغذاء، وكيف يتم؟

تفسد الأغذية الطازجة بسبب أحد الأسباب التالية:

  • نشاط الميكروبات من بكتيريا وفطور وخمائر.
  • النشاط الإنزيمي.
  • تفاعلات الأكسدة بوجود الأكسيجين.
  •  فقدان رطوبتها.

انطلاقاً من هذه الأسباب يعالج التعليب جميع مسببات فساد الغذاء، فهو يوفّر بيئة لاهوائية خالية من الأكسيجين، ويدمر الإنزيمات ويقضي على الميكروبات الضارة.

يُستخدم التعليب بالماء المغلي أو بالضغط ومن خلال التفريغ من الهواء وفقاً لدرجة حموضة الغذاء، للتخلص بشكل أساسي من أبواغ بكتيريا “كلوستريديوم بوتولينيوم” (Clostridium botulinum) التي توجد على سطوح الغذاء الطازج، وتنتج سمّاً قاتلاً لدى توفر ظروف مناسبة من حيث:

  • البيئة اللاهوائية (أقل من 2% أكسيجين).
  • الرطوبة العالية.
  • انخفاض الحموضة.
  • درجة حرارة تتراوح بين 4-48 درجة مئوية.

يُقسم الطعام إلى أغذية مرتفعة الحموضة كالفواكه و المخللات والمربيات وزبدة الفاكهة، وهي أغذية ينخفض أسها الهيدروجيني عن 4.6 فلا تحتاج إلّا لحرارة الغلي بعد تعليبها للقضاء على الميكروبات الممرضة. أمّا الأغذية منخفضة الحموضة مثل اللحوم والأسماك والخضروات الطازجة، باستثناء الطماطم، فيرتفع رقم الأس الهيدروجيني فيها عن 4.6، وهو رقم غير كافٍ للقضاء على بكتيريا وأبواغ البوتولينيوم. لذا، للقضاء على أبواغ البوتولينيوم في الأغذية المعلبة منخفضة الحموضة يجب تطبيق ضغط يتراوح بين (0.7- 1.02) ضغط جوي قياسي للوصول إلى درجة حرارة بين (116-121) درجة مئوية، بما يكفي للقضاء على الميكروبات الممرضة والمفسدة للغذاء.

تختلف إجراءات ما قبل التعليب باختلاف الغذاء، وتتضمن:

  • تقشير الفواكه والخضراوات ونزع بذورها.
  • طبخ بعض الخضراوات لتقليل كمية الهواء المحبوس داخل العلبة قدر الإمكان.
  • تعقيم العصائر الحمضية مثل عصير البرتقال والطماطم، ومخلل الملفوف.
  • طهي اللحوم والأسماك وفصلها عن العظام لتليينها قبل ضغطها في العلب.

اقرأ أيضاً: هذا ما يجب أن تعرفه عن تشعيع الأغذية

الحفظ بطريقة “الكونفي”

ظهرت طريقة الكونفي لحفظ الطعام قبل التوصل إلى تقنيات التبريد الحديثة، وهي طريقة للمحافظة على لون الأغذية ونكهتها. ويعود أصل الكلمة (confit) إلى الكلمة الفرنسية “confire” والتي تعني “الحفاظ”.

تناسب الآلية مختلف أنواع الغذاء، وتتم من خلال الطهي البطيء للغذاء في سائل غير مناسب لنمو البكتيريا، مع تنظيم لدرجة الحرارة. مثلاً تُحفظ اللحوم في سائل دهني نقي، في حين تُحفظ الفواكه في شراب سكري مركز. تبدأ العملية بطهى الغذاء في السائل ببطء حتى يصبح معقماً، ثم يُعبأ في علب خاصة ويغمر بالسائل، وبذلك يمكن فصله عن العوامل الممرضة والمفسدة، وحفظه لفترات طويلة، فقد يُحفظ لحم البط لأسابيع طويلة، في حين تُحفظ الفواكه لسنوات.

يختلف تطبيق طريقة الكونفي على اللحوم عن القلي من حيث درجة الحرارة والزمن الذي تستغرقه العملية، حيث تستغرق العملية عدة ساعات على درجة حرارة 87-93 درجة مئوية في الفرن. تتسبب الحرارة بتفكيك بروتينات اللحوم، ولكن لا تخلّصها من الماء، كما لا تعد كافية لدخولها في “تفاعلات ميلارد“، وهي التفاعلات التي تمنح اللحوم لونها الذهبي نتيجة التفاعل اللاإنزيمي بين أمينات وسكريات اللحم.

بغض النظر عن الأسباب، سواء كانت حروباً أو كوارث طبيعية، أو لتحسين المذاق والنكهة، أو للتغلب على موسمية الغذاء، يعدّ الحفاظ على الطعام نشاطاً بشرياً أساسياً عبر التاريخ، حتى أصبح بالإمكان اليوم حفظ أي نوع من الغذاء لإطالة عمره.