كيف ساهمت اللحوم النباتية وكوفيد-19 في تصاعد الاهتمام بقوام الطعام؟

قوام الطعام
حقوق الصورة: أساهي ناغاتا.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خذ بعين الاعتبار الفطر. بغض النظر عن نوعه، يفضّل العديدون ألا يتناولوا الطعام بدلاً من تناوله. قد يحب الآخرون الفطر، ولكنهم لا يحبّون قوام الطماطم الطازجة.

ما تشترك فيه هذه الأطعمة هو أن كره الأشخاص لها يتعلّق بقوامها. يقول “أول موريتسن”، أستاذ فيزياء الطهي في جامعة كوبنهاغن: “ما لاحظته وتعلمته أيضاً من خلال التحدث إلى الطهاة هو أن معظم الشكاوى حول الطعام تتعلق بقوامه”. يضيف موريتسن أن الناس قد يتذمرون من أن الطبق يحتوي على كمية قليلة جداً أو كثيرة جداً من الملح، ولكن تنتهي النقاشات هنا حول الطعم عادةً. من المعتاد أن يحتج رواد المطاعم على أن قطعة اللحم العائدة لهم ليست طرية كما كانوا يأملون، أو أن البطاطس المقلية رطبة وليست مقرمشة.

ما سر الاهتمام بقوام الطعام؟

يقول موريتسن إنه في الولايات المتحدة، يميل الأشخاص للتفكير في قوام الطعام فقط عندما يكون غريباً. لكن القوام اكتسب اهتماماً جديداً بفضل الجهود المبذولة لمحاكاة اللحوم باستخدام البروتينات النباتية والخلايا المزروعة في المختبر، وقد يؤدي ازدياد عدد الأشخاص الذين يعانون من ضعف الإدراك الحسي الناتج عن انتشار مرض كوفيد-19 إلى التركيز بشكل أكبر على قوام الطعام.

لطالما تضمّنت تقاليد الطهي المختلفة اختلافات في قوام الطعام، من الطعام الدبق إلى اللزج. يقوم الإيطاليون بطهي المعكرونة بطريقة تجعلها تبقى صلبة قليلاً، وفي المطبخ التايواني، يحب رواد المطاعم الأطعمة التي لها قوام مطّاطي مثل الكافيار وكرات التابيوكا في الشاي الفقاعي.

وفقاً لورقة بحثية نُشرت عام 2008 في دورية “مجلة دراسات القوام”، تحتوي اللغة الإنجليزية على أكثر من 130 كلمة لوصف قوام الطعام الذي نشعر به في أفواهنا. لدى اليابانيين أكثر من 400 مصطلح من هذا القبيل، معظمها صوتية، مثل “هوكو هوكو”، وهو مصطلح يصف الإحساس النشوي الكثيف الذي يشعر به المرء عند قضم البطاطا الحلوة، و”فووا فووا”، والذي يصف القوام الخفيف والرقيق مثل قوام حلوى الخطم. تحتوي اللغة الإنجليزية على عدد أقل من الكلمة الوصفية، ويشير معظمها، مثل “كراكل” (فرقعة) و”كراك” (تشقق) و”كريسب” (هشّ) و”كرانش” (مقرمش)، إلى الإحساس الذي يميّز قضم الطعام القاسي. لن تسمع أحداً يصف طعاماً لذيذاً باستخدام كلمات مثل “مسحوق”. 

قد يفتقر الأميركيون إلى كلمات لوصف الأحاسيس التي يشعرون بها عند تناول أطعمة ليست مقرمشة، لكن القوام هو جانب مهم من طعم الوجبة، وهو مصطلح يستخدم غالباً بالتبادل مع النكهة، ولكن العلماء يعاملونه على أنه مميز. يتعلّق الطعم بالمدخلات الحسية الكيميائية: كيف ينشط شيء ما مستقبلات الطعوم الحلوة والحامضة والمالحة والمرة والأومامي.

اقرأ أيضاً: هل كان مذاق الطعام ألذّ منذ 50 عاماً؟

كيف يرتبط قوام الطعم بالنكهة؟

لكن النكهة أعم من ذلك. يقول موريتسن إن الطعم هو أحد العوامل، ولكن ينطبق هذا أيضاً على “كل ما يحدث في الفم”. بعد سنوات من الإهمال من قبل الذواقة، أدى ظهور بدائل اللحوم إلى ازدياد الاهتمام بقوام الطعام.

وجد استطلاع أجرته مؤسسة “غالوب” عام 2020 أن ربع البالغين في الولايات المتحدة قد تناولوا كمية أقل من اللحوم في العام السابق مقارنة بالعام الذي سبقه، إذ أشار معظمهم إلى مخاوف صحية وبيئية. نظراً لأن المزيد من الأشخاص يتطلعون إلى تقليل استهلاك اللحوم، فإن الشركات تعمل على مساعدتهم على القيام بذلك دون التضحية بالنكهة. وفقاً لبيانات من مؤسسة “غود فود”، وهي مؤسسة غير ربحية تشجع على إنتاج بدائل اللحوم، نمت صناعات بدائل اللحوم بمعدّل 70% تقريباً بين عامي 2018 و2020، من 811 مليون دولار إلى 1.4 مليار دولار. تبيع سلاسل الوجبات السريعة، مثل “كيو دوبا” و”وايت كاسل” و”برغر كينغ” الآن منتجات تشبه اللحم البقري من شركات مثل “إمبوسيبل فودز” و”بيوند”.

لكن جعل قوام شيء ما يشبه قوام اللحم ليس بالأمر السهل. واجه العاملون في “وايلد تايب”، وهي شركة ناشئة في سان فرانسيسكو، هذه المشكلة عندما حاولوا لأول مرة استزراع سمك السلمون في المختبر. يقول “أرييه إلفينباين”، المؤسس المشارك لهذه الشركة، إن محاولاتهم الأولى كانت “فاشلة للغاية”. لقد اختبروا سمكة حقيقية باستخدام آلة قامت بتحليل مقاومة وتمدد اللحم في محاولة لقياس القوام، ولكن “كان هناك الكثير من العوامل التي لم تعبّر عنها البيانات” حسب تعبيره.

اقرأ أيضاً: هل فقدان حاسة الشم أحد الأعراض الأكيدة للإصابة بفيروس كورونا؟

ما العلاقة بين انتشار كوفيد-19 وتصاعد الاهتمام بقوام الطعام؟

يقول “جاستن كولبيك” الرئيس التنفيذي للشركة، إنه لفهم سبب ذلك، فكر فيما يحدث عندما تقضم قطعة من “الساشيمي”، في البداية، ستلاحظ قواماً ليفياً. لكن هذا ليس الشعور الوحيد. يقول كولبيك: “بينما تمضغ، ستشعر بطعم أوليّ”، ويضيف: “بعد ذلك، عندما تبدأ أسنانك في المضغ، ستلحظ طبقات مختلفة من الطعم”. إن جعل طعم شيء ما يشبه طعم السمك هو شيء، بينما تتطلب محاكاة نكهة السمك محاكاة قوامه تماماً. بمجرد أن يكتشف العاملون في وايلد تايب الشكل الذي يجب أن تأخذه الخلايا من أجل إنتاج القوام المثالي، يمكنهم توجيه جهودهم وفقاً لذلك.

النكهة هي شيء عام، والطعم هو أحد العوامل.

تواجه الشركات التي تعمل دون الاستعانة بالخلايا الحيوانية صعوبات أكبر، إذ عليها تحليل بنية البروتين النباتي واستخدامه لتقليد شكل البروتين الحيواني. هذا هو أحد الأسباب التي جعلت شركات مثل بيوند وإمبوسيبل فودز تبدأ بمحاولة محاكاة قوام شرائح البرغر والنقانق، وليس سمك الفيليه. في مقابلة عام 2019، ادعى “بات براون”، مؤسس شركة إمبوسيبل فودز، أن الشركة ستنتج في النهاية شرائح لحم مصطنعة كاملة.

يشير موريتسن إلى أن مجموعة أخرى متزايدة من الأميركيين قد يرغبون بتجربة تركيبات قوامية أكثر إثارة للاهتمام، وهم الأشخاص الذين فقدوا حاسة الشم. لطالما أثرت هذه الظاهرة، والمعروفة باسم “فقدان الشم” أو الخُشام، على عدد صغير من الناس فقط (تشير بعض التقديرات إلى أن نحو 3% من البالغين فوق سن الأربعين يعانون من هذه الحالة)، وذلك بسبب عوامل وراثية، أو الأمراض مثل مرض باركنسون، أو العلاج الإشعاعي. لكن الحالة أصبحت أكثر شيوعاً بسبب جائحة كوفيد-19. وفقاً لأحد التقديرات، يعاني أكثر من 40% من المصابين بمرض كوفيد-19 من شكل ما من فقدان حاسة التذوق و/أو الشم. في حين أن الأبحاث حول تأثيرات مرض كوفيد-19 طويلة المدى لا تزال قليلة، يبدو أن هذا الضعف في الحواس قد يكون دائماً عند نسبة صغيرة من السكان.

غالباً ما يقول الأشخاص المصابون بفقدان الشم إن المتعة التي يشعرون فيها بتناول الطعام قد انخفضت. يمكن أن يدفعهم ذلك إلى الإصابة بنقص التغذية، أو تناول المزيد من الأطعمة المعالجة بإفراط، إذ أن الإحساس بطعم هذه المنتجات أسهل لأنها تحتوي على الكثير من الملح والسكر. يمكن أن يؤدي التركيز على القوام إلى جعل تناول الطعام أكثر متعة. هذا هو سبب احتواء آيس كريم “بن آند جيري” على الكثير من القطع، إذ أن “بن” كان يعاني من فقدان الشم منذ الطفولة.

يقول موريتسن إنه بالنسبة للأشخاص الذين يصابون بهذه الحالة في وقت لاحق من حياتهم، كما هو الحال مع مرضى كوفيد-19، فإن التركيز على التجربة الحسية التي يوفرها القوام يمكن أن يؤدي إلى تحفيز ذكريات تتعلق بحواس أخرى. يقول موريتسن: “يحفز الشعور بالقوام الدماغ” ويضيف”لذلك فهو يذكّرك نوعاً ما بالطعم والرائحة”.