ما هي المواد السامة؟

إزالة السموم
حقوق الصورة: بيكسلز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

جسمك تحت الحصار. تكمن الأخطار الخفية في كل قضمة من الطعام وكل نفس تستنشقه. هذا ما يمكن أن تشعر به إذا كنت تخاف من السموم، قد تشعر أيضاً أنك بحاجة لأن تشتري مشروبات خاصة أو تتبع نظاماً غذائياً خاصاً أو تتصرف بطريقة معينة لتتجنّب مخاطر هذه السموم.

أنت لست وحيداً. يعود بحث بسيط على موقع إنستقرام بعنوان “detox#” بنحو 23 مليون منشور، وتعتبر إعلانات حملات مثل “#أزل السموم من جسمك” و”#العيش بدون السموم” و”#مشروبات إزالة السموم”، وفيرة بقدر السموم التي يدّعي مروجوها أنها تساعد في إزالتها.

لكن قبل أن تنضم إلى حملات إزالة السموم التي انتشرت كثيراً في 2021، تروى قليلاً. السموم أقل ضرراً بكثير مما قد تعتقد، وقد يكون تطبيق طرق إزالة السموم خطيراً على صحتك.

ما هو مفهوم إزالة السموم؟

يعتبر مفهوم “إزالة السموم” من الجسم جديداً نسبياً. وفقاً للمؤرخة “أدريين روز بيتار”، المحاضرة في جامعة كورنيل، نشأ هذا المفهوم في السبعينيات، واكتسب رواجاً جنباً إلى جنب مع المخاوف التي أثارتها حرب الولايات المتحدة على المخدرات. بمرور الوقت، استعار خبراء الأنظمة الغذائية والصحة مصطلحات مجال علاج الإدمان، ثم وسعوا مفهوم “إزالة السموم” ليشمل كل أجهزة الجسم. راجت مع ترسيخ هذا المفهوم العديد من الأنظمة الغذائية والنظم المصممة للوقاية من مخاطر السموم.

لكن ما هي السموم التي نحاول إزالتها؟ تختلف الإجابة بشكل كبير اعتماداً على من تستشيره، وفي أغلب الأحيان، تختلف عن التعريف العلمي الفعلي للمصطلح. تشير كلمة “سُم” في الطب إلى مادة بيولوجية مضرة للإنسان (مثل سموم الأفاعي أو تلك التي تتسبب بالتسمم الغذائي). يستخدم العلماء المصطلح أيضاً للإشارة إلى المواد الكيميائية البيئية الضارة مثل الرصاص و”حمض البيرفلوروكتان سلفونيك”.

بالنسبة للغالبية العظمى من أولئك الذين يستخدمون مصطلح “السموم”، فإن الكلمة تستخدم كمصطلح شامل لأي مادة يُزعم أنها تضر بصحة الإنسان. يمكن أن ينتج كل شيء من الهواء الذي تتنفسه إلى الطعام الذي تتناوله مواداً سامة تقبع في جسمك، وذلك يعتمد على من تسأل. يدعي أولئك الذين يجرون عمليات إزالة السموم أن كل شيء من الساونا إلى الخلوات الصامتة إلى العصير الأخضر (وهو عصير مصنوع من الخضار الخضراء) يمكن أن يكون مفيداً.

هناك مشكلتان بسيطتان في هذه المقاربة: إنها غير ضرورية تماماً وقد تكون خطيرة.

اقرأ أيضاً: 5 أنظمة غذائية يمكن أن تكون مميتة

الطريقة المثلى لإزالة السموم  

هنا تكمن الفكرة المهمة: يمتلك جسمك كل ما يحتاج للتخلص من المواد السامة الحقيقية.

الكبد هو العضو الرئيسي في منظومة الدفاع ضد السموم، إذ أنه يؤدي مئات المهام الجسدية الضرورية. يحوّل هذا العضو الذي لا يزيد وزنه عن 1.3 كيلوغراماً ما يحتويه الدم إلى مركبات مفيدة. عندما تدخل مواد سامة مثل الملوثات البيئية أو الكحول إلى الكبد، فهو يفككها إلى مواد كيميائية أقل ضرراً. تساهم الكلى والقولون في هذه العملية أيضاً، عن طريق طرح المواد الضارة في البول والبراز.

تقضي الأحماض الموجودة في المعدة أو الإنزيمات في الأمعاء الدقيقة على بعض السموم التي تتناولها، وإذا دخل سم قابل للذوبان في الماء إلى جسمك، نتيجة لتناول كميات كبيرة من الملح، أو مبيد حشري مثل “الآزاترين”، أو “الإيثانول”، فإن الكبد يبدأ عمله مباشرة. يقول “إنديكا إيديريسينغ“، أستاذ علوم الأغذية والتغذية في “معهد إلينوي للتكنولوجيا”، والذي يدرس دور الطعام في مكافحة الالتهابات والأمراض الأخرى: “ستتم تصفية السموم على الفور”. مع ذلك، هناك بعض السموم القابلة للذوبان في الدهون، وعلى الرغم من أن الكبد يمكن أن يفكك بعض هذه المواد إلى مواد قابلة للذوبان في الماء، إلا أنه لا يمكنه تفكيك البعض الآخر، ولذلك ينقلها إلى أعضاء أخرى، حيث تتراكم وتتحلل مع مرور الوقت أو تبقى هناك.

 

يستطيع الجسم تطهير نفسه من بعض المواد الكيميائية السامة القابلة للذوبان في الدهون بمساعدة العلاجات الطبية مثل “الاستخلاب”، والتي تعتمد على مواد كيميائية تسمى “المتمخلبات” ترتبط ببعض جزيئات المعادن الثقيلة في الجسم، ما يمكّن الجسم من طرحها مع البول. لكن بالنسبة للمواد السامة الأخرى، مثل “ثنائي الفينيل متعدد الكلور” الموجود في بعض مواد البناء الشائعة، فلا يوجد ترياق معروف.

اقرأ أيضاً: ما هو مقدار التمارين الرياضية التي يجب أن نمارسها حتى نحافظ على لياقتنا؟

لماذا تضر طرق إزالة السموم أكثر مما تنفع؟

نظراً للخوف من السموم وقلة الثقة في أعضاء الجسم المتخصصة في محاربتها، يحاول الكثير من الناس تعزيز صحتهم من خلال تناول وجبات غذائية خاصة أو تناول مواد توصف بأنها مزيلة للسموم.

يمكن أن يأتي هذا بنتائج عكسية، فوفقاً لإيديريسينغ، يمكن أن يتسبب الناس لأنفسهم بضرر ملموس في سعيهم لإزالة السموم الغامضة من أجسادهم. العديد من عمليات التطهير “الطبيعية” ليست آمنة كما قد تفترض.

يشرح إيديريسينغ قائلاً: “عندما يتعلق الأمر ببعض المغذيات، وخاصة الفيتامينات والمعادن، فتناول المزيد ليساً جيداً دائماً”، ويضيف: “إذا تجاوزت المستوى الأعلى المسموح به [من فيتامين أو معدن]، يمكن أن تتسبب بالضرر لجسمك”.

خذ فيتامين “إي” (E) كمثال. يوصف هذا الفيتامين بأنه مضاد للأكسدة (ومضادات الأكسدة هي موادة كيميائية يمكن أن تقي من تلف الخلايا الناجم عن مركبات تسمى “الجذور الحرة” أو تبطئه، وهي جزيئات غير مستقرة يمكن أن تدمر الخلايا، ما يؤدي إلى الشيخوخة والمرض)، لكن في الواقع، يحتاج الجسم إلى توازن بين الجذور الحرة ومضادات الأكسدة. يقول إيديريسينغ إن تناول كميات مفرطة من فيتامين إي يمكن أن يتسبب باضطراب هذا التوازن ويجعل تواصل الخلايا مع بعضها أكثر صعوبة، ولكن يتم تسويق هذا للمستهلكين كجزء حاسم في عملية إزالة السموم.

التركيز على السموم يمكن أن يؤذي الناس بطريقة أخرى: عن طريق تعريضهم لخطر اضطرابات الأكل. في مراجعة لأكثر من 50 دراسة خضعت لمراجعة الأقران، تم تحديد الاستخدام المتكرر للأنظمة الغذائية أو المطهرات التي تركز على إزالة السموم و/أو الخوف من تناول السموم كعامل خطر للإصابة بـ “هوس الغذاء الصحي”. لم تتم إضافة هذا الاضطراب إلى “الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية” بعد، وهو يتسم بانشغال غير صحي بالأكل الصحي، ولكن أصبح المتخصصون في اضطرابات الأكل يشخصوه ويعالجوه بشكل متزايد.

اقرأ أيضاً: كيف يوفر الغذاء الصحي المليارات من تكاليف الرعاية الصحية؟

يقول إيديريسينغ إن اتباع نظام غذائي متنوع والخلط بين أنواع الأطعمة التي تتناولها هو طريقة أفضل للوقاية من تراكم السموم مقارنة بتطبيق طرق إزالة السموم أو تناول المكملات الغذائية. يضيف إيديريسينغ : “أنت تمتلك نظاماً فعالاً مضاداً للسموم”، وفي الغالب، يمتلك الجسم السليم كل ما يحتاجه لمعالجة السموم. هناك استثناءات، مثل التعرض لمعادن الثقيلة أو مبيدات الآفات. لكن دون الإصلاح الكامل لنظام الغذاء الصناعي أو حل مشكلة الملوثات الرئيسية، يكاد يكون من المستحيل تجنب استهلاك أي مادة كيميائية سامة، كما أنه لا يمكنك التخلص بأمان من مواد سامة مثل الرصاص من جسمك دون تدخل أخصائي طبي مرخص.

إذا كنت تخاف من السموم، فإن أفضل رهان لك هو العناية بجسمك من خلال اتباع نظام غذائي متوازن يتوافق مع الإرشادات الغذائية لوزارة الزراعة الأميركية، وممارسة التمارين الرياضية، وبذل قصارى جهدك لتجنب الملوثات البيئية مثل الدخان والرصاص والمواد الكيميائية الصناعية. لكن في النهاية، يجدر بك أن تسأل نفسك ما هو سبب شعورك بالحاجة إلى إزالة السموم في المقام الأول.

كتبت بيتار في كتابها “النظام الغذائي ومرض الحضارة”: “‘السموم’ هي غالباً استعارات عامة وغامضة لكل ما هو سيء في الثقافة والسياسة والناس في الولايات المتحدة”، وأضافت: “مثل الأساطير الراسخة الأخرى … أسطورة إزالة السموم هي مثالية وتفاؤلية، وتوفر الأمل بالحصول على جسم أفضل وعالم أفضل”.

في النهاية، ووفقاً لإيديريسينغ، جسم الإنسان هو نتاج ملايين السنين من التطور. لذا تروّى وكن واثقاً بآليات إزالة السموم الفعالة التي يمتلكها جسمك.