ماذا تقول الأبحاث العلمية عن فوائد السباحة في المياه شديدة البرودة؟

ماذا تقول الأبحاث العلمية عن فوائد السباحة في المياه شديدة البرودة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Dudarev Mikhail
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مع انتهاء فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي، ولّت أيام قضاء النهار على الشاطئ وتناول البوظة والسباحة في البحر أو المحيط. لكن بالنسبة لبعض السبّاحين، فإن الأوقات الممتعة بدأت للتو.

قالت بوني شوارتز نولان (Bonnie Schwartz Nolan)، مستشارة الإدارة والعمليات والأمور المالية من مدينة نيويورك، ومدرّبة السباحة التي قطعت القناة الإنجليزية سباحةً لموقع بوبيولار ساينس (العلوم للعموم): “الجزء الأفضل هو الذهاب إلى شاطئ برايتون. تصبح المياه أبرد كل أسبوع، وتصل درجة حرارتها إلى 9 درجات مئوية خلال فترة قصيرة”. مارست نولان السباحة في المياه الباردة قبالة مدينة بروكلن لأكثر من عقدين من الزمن.

اقرأ أيضاً: إسقاط دمى بشرية في أحواض السباحة يساعد الباحثين على فهم إصابات الغطس

السباحة في المياه المثلجة: أقرب للمغامرة والتحدي

يحتاج السباحون إلى قضاء الوقت في الأماكن الباردة للتدرّب تحضيراً لسباقات السباحة الماراثونية (أي سباق سباحة يتجاوز طوله 10 كيلومترات)؛ إذ إنهم لا يستطيعون ارتداء بزات السباحة أو البزات التقنية في هذه السباقات للحفاظ على الدفء، ويضطرون بدلاً من ذلك إلى الاعتماد على أجسادهم.

قالت نولان: “تبلغ درجة حرارة الجسم نحو 37 درجة مئوية. لذلك ستشعر بالبرد حتى في المناطق التي تبلغ درجة حرارتها 26 درجة مئوية بعد قضاء بعض الوقت فيها”. حتى يتأهّل السباحون للسباحة في القناة الإنجليزية، يجب أن يقضوا فترة تمتد إلى 6 ساعات في ظروف درجات الحرارة الأقل من 15 درجة مئوية، أو السباحة بشكل مستمر في المياه التي تقل درجة حرارتها 15 درجة مئوية.

اقرأ أيضاً: للكبار والصغار: إليك فوائد السباحة وتأثيرها الإيجابي على الدماغ

أصبحت السباحة في المياه المفتوحة تشمل السباحة في المياه المثلّجة، أي السباحة في المياه التي تقل درجة حرارتها عن 5 درجات مئوية. قالت إيلين هاولي (Elaine K. Howley)، الصحفية والسباحة الماهرة في مقابلة مع موقع بوبساي (PopSci): “بالنسبة لي، يتعلق الأمر بالتحدي”، وأضافت: “أنه يتعلّق بحالة عدم اليقين التي تدفعك لتسأل نفسك ‘هل يمكنني فعل ذلك؟’، كما تدفعك السباحة الماراثونية”. هاولي هي سبّاحة ماراثونية وسباحة مياه مثلّجة بارعة تمكّنت من إكمال تحدّي الميل الجليدي في عام 2012 وتتدرب حالياً لإكمال التحدي مرة أخرى.

أفاد بعض الأشخاص الذين يمارسون السباحة في المياه الباردة بشكل منتظم بشهادات شخصية تنص على أن هذه الممارسة لها فوائد صحية مثل تخفيف الوزن وتحسين الصحة العقلية وتحسين الأداء الجنسي. لكن ماذا تقول الأدلة العلمية؟

ماذا تقول الأدلة العلمية عن السباحة في المياه المثلجة؟

وجدت دراسة مراجعة علمية نُشرت بتاريخ 22 سبتمبر/ أيلول 2022 في المجلة الدولية للصحة حول القطبية، والتي تجري عملية مراجعة الأقران أن السباحة في المياه الباردة قد تتسبب بقطع الأنسجة الدهنية البيضاء لدى الرجال والتقليل من خطر الإصابة بالاضطرابات مثل مرض السكري. كما بينت هذه الدراسة أن الفوائد الأخرى للسباحة في المياه المثلّجة غير محسومة.

حلل الباحثون في هذه الدراسة 104 دراسات علمية ووجدوا أن السباحة في المياه المثلجة تؤثر أيضاً على الأنسجة الدهنية البنيّة. الفرق بين الأنسجة الدهنية البيضاء والأنسجة الدهنية البنية هو أن الأولى تخزّن الطاقة والثانية تستهلكها. يزيد التعرض المتكرر للماء أو الهواء الباردين من إنتاج الأنسجة الدهنية البنية، والتي توجد أيضاً لدى الثدييات البحرية مثل الحيتان والفقمات وتساعدها في الحفاظ على دفئها.

تساعد هذه الأنسجة الجسم على حرق السعرات الحرارية والحفاظ على حراراته عند التعرض لدرجات الحرارة المنخفضة، كما أنها تساعد الجسم على التحكم في نسب السكر في الدم ومستويات هرمون الإنسولين. بالإضافة لذلك، تساعد الأنسجة الدهنية البنية في توليد الحرارة في الدم عندما يكون الجو بارداً. وتوجد بشكل أساسي حول العنق والكليتين والغدد الكظرية والقلب والصدر لدى البالغين. وفقاً لمركز كليفلاند كلينك الصحي (Cleveland Clinic)، هذه الأنسجة بنية اللون لأنها غنية بالمتقدّرات، والتي تحتوي على كميات كبيرة من الحديد. والحديد هو الذي يمنح هذه الأنسجة لونها البني.

يبدو أيضاً أن التعرض للماء أو الهواء الباردين يزيد من معدل إنتاج الأنسجة الدهنية لبروتين يحمل اسم أديبونيكتين. يؤدي هذا البروتين دوراً مهماً في الوقاية من مقاومة الإنسولين ومرض السكري وبعض الأمراض الأخرى. وفقاً للبيانات التي تمت مراجعتها في الدراسة الجديدة، زادت السباحة المتكررة في المياه الباردة خلال فصل الشتاء من حساسية الإنسولين بشكل كبير وقللت من تراكيز هذا الهرمون. وبيّنت نتائج الدراسة الجديدة أيضاً أن هذه التأثيرات ظهرت لدى السبّاحين ذوي الخبرة وعديميها على حد سواء.

اقرأ أيضاً: إذا أردت أن تجرب السباحة الليلية بالبحر، عليك التوجه لشاطئ دبي الذكي

تؤثر السباحة في المياه الباردة بشكل كبير على الجسم، وهي تحفّز دخوله في استجابة الصدمة التي تتجلّى بارتفاع معدّل ضربات القلب. أظهرت بعض الدراسات التي تمت مراجعتها أدلة تبيّن أن عوامل خطر الأمراض القلبية الوعائية قد قلّت لدى السباحين الذين تكيّفوا مع ظروف البرد. مع ذلك، تبين بعض الدراسات الأخرى أن الحِمل الذي يتم تطبيقه على القلب ازداد بسبب هذه الممارسة. بشكل عام، لم يحسم المؤلفون رأيهم بشأن الفوائد الصحية العامة لهذه الممارسة، والتي تعتبر “أكثر الرياضات المائية المتطرفة نمواً”.

قال جيمس ميرسر (James Mercer)، المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة والباحث من جامعة ترومسو في النرويج (جامعة القطب الشمالي في النرويج) في بيان صحفي: “تبيّن دراسة المراجعة هذه أن الأدلة العلمية تدعم بشكل متزايد الادعاء الذي ينص على أن التعرّض الطوعي للمياه الباردة له بعض الفوائد الصحية”.

تجارب ما زالت ظروفها غير مكتملة

وفقاً لمؤلفي الدراسة الجديدة، تضمّنت العديد من الدراسات المتاحة حول الفوائد الصحية للسباحة في المياه المثلّجة عدداً صغيراً من المشاركين أغلبهم من جنس واحد. بالإضافة لذلك، لم تأخذ هذه الدراسات الاختلافات في درجة حرارة المياه أو ما إذا كانت المياه عذبة أو مالحة بعين الاعتبار. كما أنه ليس من الواضح ما إذا تمتّع الأشخاص الذين يسبحون خلال فصل الشتاء بصحة أفضل من عوام الناس.

قال ميرسر: “بيّنت العديد من الدراسات أن للسباحة في المياه الباردة تأثيرات كبيرة على العديد من المؤشرات الفيزيولوجية والكيميائية الحيوية. لكن من الصعب تحديد ما إذا كانت هذه التأثيرات إيجابية بالنسبة للصحة أو لا. بناءً على نتائج هذه الدراسة، قد تكون العديد من الفوائد الصحية المزعومة للتعرّض المنتظم للبرد غير سببية. بدلاً من ذلك، يمكن تفسير هذه التأثيرات بالاعتماد على عوامل أخرى مثل نمط الحياة النشط والتدرّب على التعامل مع الإجهاد والتفاعل الاجتماعي، بالإضافة إلى التفكير بطريقة إيجابية.

أشار المؤلفون إلى أن المشاركين في الدراسات التي تمت مراجعتها يشملون نخبة من السباحين الذين يمارسون السباحة في فصل الشتاء بشكل منتظم والأشخاص الذين ليس لديهم خبرة سابقة في السباحة في المياه المثلّجة. مارس بعض المشاركين السباحة في المياه المثلجة بشكل حصري، ولكنهم كانوا يمارسون الغمر في الماء البارد كمعالجة تالية للتمارين الرياضية.

اقرأ أيضاً: مهلاً.. هل تعلمون بأن أحواض السباحة العامة تعجّ بالفضلات البشرية؟

وجدت الدراسة الجديدة أيضاً أن هناك حاجة لتثقيف الناس حول المخاطر الصحية المحتملة للسباحة في المياه المثلجة. تتضمن هذه المخاطر انخفاض درجة حرارة الجسم (والتي تحدث عند قضاء وقت طويل في المياه الباردة أو عند الغطس فيها دون تأقلم الجسم مع الطقس البارد)، وبعض الحالات القلبية والرئوية المتعلقة بالصدمة الناجمة عن البرد. القفز في الماء البارد بحد ذاته أمر خطير للغاية. ويفضّل أن تتم ممارسة السباحة في المياه المثلجة بشكل تدريجي على مدار فترة من الزمن.

إذا كانت السباحة في المياه المثلجة تبدو ممتعة بالنسبة لك، توصيك هاولي ونولان بزيادة مدة السباحة في المياه الأكثر برودة بشكل تدريجي حتى يتأقلم جسمك. استحمّت نولان بالماء البارد أيضاً، ونامت مع فتح النوافذ واستخدام بطانية أخف، وارتدت سترة بدلاً من معطف في الأماكن الخارجية لتساعد جسمها على التأقلم مع درجات الحرارة المنخفضة.