ما هو قمح «جبل» المقاوم للجفاف؟ وكيف سيساعد الدول العربية على مواجهة التغير المناخي؟

ما هو قمح «جبل» المقاوم للجفاف؟ وكيف سيساعد الدول العربية على مواجهة التغير المناخي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Jasper Suijten
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

وفق نتائج مخيفة لإحدى الدراسات، فإن غازات الاحتباس الحراري وفترات الجفاف الطويلة سوف تؤثران على أكثر من نصف الإنتاج العالمي للقمح بحلول نهاية القرن الحالي. وكما هي العادة، سوف تعاني البلدان النامية والعديد من البلدان العربية أكثر من غيرها، بل سيدفع فقراؤها فاتورة أعلى وأقسى بكثير.

لذلك، وتجنباً لأسوأ السيناريوهات التي قد تحدث، يحاول العلماء والمزارعون في سباق مع الزمن إنشاء أصناف من القمح تستطيع أن تتكيّف وتزدهر في ظروف لا يمكن التنبؤ بها، وذلك باستخدام الأسلاف البرية والسلالات المحلية. وهنا ومن وسط المنطقة العربية، برز صنف من القمح القاسي المسمى قمح “جبل” المقاوم للجفاف، فما هذا الصنف وما أهميته وهل يمثل الحل المنشود بالنسبة للبلدان العربية التي تعاني من الجفاف؟

اقرأ أيضاً: اكتشاف جين مقاوم لصدأ الساق في القمح من شأنه تعزيز الأمن الغذائي

ما هو قمح “جبل” المقاوم للجفاف؟

هو صنف جديد من القمح القاسي يستطيع تحمل درجات الحرارة الشديدة وندرة المياه. طوّره علماء المحاصيل بالتعاون مع المزارعين عن طريق تهجين صنف من القمح القاسي التجاري مع سلف بري، حصلوا عليه من إحدى المناطق القاحلة في سوريا.

تعد الأقارب البرية للمحاصيل أكثر مرونة من الأصناف التجارية منها، حيث تطورت الأنواع البرية في الطبيعة متحملة الظروف الصعبة كدرجات الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات والتربة الفقيرة. واليوم، يتطلع مربوّ النباتات بشكل متزايد إلى الأنواع البرية وغيرها من الأصناف المخزنة في بنوك البذور، من أجل الحصول على هذا التنوع الجيني الغني والمفيد والذي تم تهميشه لصالح تحقيق قدر أكبر من الغلة والأرباح.

ويعد إنتاج هذا الصنف جزءاً من مشروع الأقارب البرية للمحاصيل (Crop Wild Relatives) التابع لمنظمة كروب تراست (Crop Trust)، وهو مشروع يعمل على تطوير أنواع من القمح والشعير والأرز والبطاطس، بحيث تكون أكثر مرونة وتكيفاً وأكثر قدرة على تحمل الظروف الجوية القاسية والمتقلبة الناتجة عن التغير المناخي.

قمح “جبل” حل واعد في المناطق العطشى والجافة

حسناً، لقد ذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ IPCC (Intergovernmental Panel on Climate Change) في تقريرها السادس الذي صدر عام 2021، أن درجة حرارة سطح الأرض آخذة في الارتفاع في ظل استمرار سيناريوهات انبعاثات الغازات، وقد تصل درجة الاحترار في نهاية القرن الحادي والعشرين إلى 5.7 درجات مئوية، ما سيؤدي إلى حدوث ظواهر مناخية شديدة التطرف كالجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة وغيرها.

اقرأ أيضاً: التغيّر المناخي فاقم الجفاف بمقدار 20 مرة على الأقل

والقمح هو المحصول البعلي العالمي الأساسي الذي سوف يتأثر بشكلٍ مباشر بندرة المياه، إذ من المتوقع أن تؤثر أحداث ندرة المياه الشديدة على ما يصل إلى 60% من مساحة زراعة القمح في العالم بحلول نهاية هذا القرن، بالإضافة إلى أن كل زيادة في درجة حرارة الأرض بمقدار درجة مئوية واحدة من المتوقع أن تؤدي إلى انخفاض في إنتاج القمح العالمي بنسبة 4- 6.5% في المتوسط.

في الواقع، لا داعي للانتظار إلى نهاية القرن لرؤية التأثير السلبي على محصول القمح، فالجفاف والإجهاد الحراري ينتشران اليوم بشكلٍ متزايد عالمياً، حيث تعاني نحو نصف المساحة المزروعة قمحاً على مستوى العالم من فترات من الإجهاد الحراري، ويعاني نحو 20 مليون هكتار أو أكثر بشكلٍ روتيني من نقص المياه.

وبما أنه من غير المحتمل استبدال القمح بمحصول آخر في المستقبل الجاف الذي ينتظرنا، لأن القمح ورغم كل شيء يبدي متطلبات مائية منخفضة بشكلٍ عام، ويتميز بقدرته على تحمل عدم توافر المياه على مدى فترات زمنية طويلة نسبياً. لذلك، فإن الاستراتيجيات التي قد تحد من آثار نقص المياه على الإنتاج العالمي للقمح هي:

  • تغيير موسم زراعة القمح.
  • الري الكامل أو الجزئي.
  • زيادة كفاءة استخدام المياه.
  • استخدام أصناف القمح المقاومة للجفاف، والتي تزدهر في الظروف التي لا يمكن التنبؤ بها.

وعلى الرغم من أن تغيير وقت الحصاد قد يؤدي إلى تقليل خسائر غلة القمح الناتجة عن ندرة المياه في بعض المناطق، فإن هذه الاستراتيجية لن تنفع في بعض المناطق الأخرى التي تشهد ندرة أعلى في المياه خلال موسم القمح، مثل المناطق الواقعة على حوض البحر الأبيض المتوسط والعديد من البلدان العربية، خصوصاً إذا امتدت فترة الجفاف إلى أواخر الخريف. لذلك، قد يكون الحل الواعد بالنسبة للمناطق التي تعاني من الجفاف وندرة المياه هو وجود صنف من القمح يقاوم الجفاف ويزدهر في الظروف التي لا يمكن التنبؤ بها، مثل قمح جبل المقاوم للجفاف.

اقرأ أيضاً: ما أهمية الالتزام بأهداف اتفاقية باريس المتعلقة بالتغيّر المناخي؟

أهمية قمح جبل بالنسبة للبلدان العربية 

على الرغم من أن البلدان المتقدمة هي المسؤولة عن القسم الأكبر من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإن البلدان النامية والعديد من الدول العربية هي من ستعاني من تأثيرات مناخية أكثر حدة وتطرفاً.

في الواقع، لقد أدت الظواهر الجوية والمناخية المتطرفة مثل الجفاف والحرارة الشديدة والفيضانات بالإضافة إلى فقدان التنوع الحيوي للقمح إلى فشل المحاصيل الزراعية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار القمح وانعدام الأمن الغذائي في أجزاء كثيرة من العالم والبلدان العربية، والتي تفاقمت أيضاً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية إذ إن كلا البلدين كانا مصدرين رئيسيين للقمح.

لذلك وبالنسبة للدول العربية التي تعاني معظمها من الجفاف، فإن أهمية هذا الصنف من القمح تبرز من واقع أن معظم أصناف القمح القاسي التي زرعها المزارعون في المناطق المتضررة من الجفاف ما بين عامي 2017 و2021 قد فشلت، في حين ازدهر قمح جبل في تلك الظروف وأنتج غلة عالية من الحبوب الممتلئة التي صُنع منها خبز شهي.

اقرأ أيضاً: ما إيجابيات تغيّر المناخ؟

يشار إلى أن قمح جبل المقاوم للجفاف ليس متاحاً على نحو تجاري بعد، وسيكون المزارعون في المغرب أول من سيزرع هذا الصنف الجديد، والذي سيتم تداوله على نطاق واسع في شمال إفريقيا والشرق الأوسط في غضون 3 سنوات. يذكر أن المغرب يعاني من أسوأ موجة جفاف تمر على البلاد منذ 40 عاماً، وقد انخفض إنتاج الحبوب فيه بنحو 70% بسبب هذه الظروف شديدة الجفاف. لذلك، فقد يكون قمح جبل المقاوم للجفاف أحد أهم الحلول في هذه المنطقة.