لماذا يجب على صغار السن الذين أصيبوا بمرض كوفيد-19 الحذر من داء السكري؟

لماذا يجب على صغار السن الذين أصيبوا بمرض كوفيد-19 الحذر من داء السكري؟
داء السكري من النوع الأول يؤثّر على المرضى طوال حياتهم. ناتاليا فايتكيفيتش/بيكسلز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يدرس السريريون والباحثون بشكلٍ مستمر التأثيرات والمخاطر بعيدة الأمد التي يواجهها المرضى بعد الإصابة بمرض كوفيد-19. وتبحث الدراسات المنشورة مؤخراً فيما إذا كانت الإصابة بهذا المرض تزيد من خطر الإصابة بداء السكري من النوع الأول. يتم تشخيص هذا المرض عادة (والذي كان يدعى مرض السكري اليفعي من قبل) لدى الأطفال وينتج غالباً بسبب فشل البنكرياس في تركيب هرمون الإنسولين. يساعد هذا الهرمون في إدخال السكر (الغلوكوز) إلى خلايا الجسم وتوليد الطاقة. ووفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، يعاني نحو 187 ألفاً من الأطفال والمراهقين الذين لا تتجاوز أعمارهم 20 سنة في الولايات المتحدة من داء السكري من النوع الأول.

ازدياد في عدد التشخيصات بداء السكري بين صغار السن من أُصيبوا بكوفيد-19

حلل الباحثون في دراسة نشرت بتاريخ 23 سبتمبر/ أيلول 2022 في مجلة شبكة الجمعية الطبية الأميركية المفتوحة السجلات الصحية الإلكترونية لـ571256 مريضاً من مختلف أنحاء العالم تتراوح أعمارهم بين 0 و18 عاماً والذين ثبتت إصابتهم بمرض كوفيد-19 أو الالتهابات التنفسية الأخرى في الفترة بين شهري مارس/ آذار 2020 وديسمبر/ كانون الأول 2021.

بيّنت السجلات أنه تم تشخيص 123 من المشاركين (0.04%) الذين ثبتت إصابتهم بكوفيد-19، أنهم مصابون بداء السكري من النوع الأول. وأصيب 72 شخصاً فقط (0.03%) من الذين ثبتت إصابتهم بحالات العدوى التنفسية المختلفة عن كوفيد-19 بداء السكري من النوع الأول. تمثّل النسب الأولى ازدياداً بنسبة 72% في عدد التشخيصات الجديدة لداء السكري من النوع الأول بعد الإصابة بمرض كوفيد-19.

كان خطر الإصابة بداء السكري من النوع الأول أعلى بكثير لدى للأشخاص الذين تعافوا من مرض كوفيد-19 بعد شهر و3 أشهر و6 أشهر من الإصابة، وذلك مقارنة بالأشخاص الذين يعانون من التهابات الجهاز التنفسي الأخرى.

اقرأ أيضاً: ما الذي يجب أن يعرفه كبار السن عن كوفيد طويل الأمد؟

لا يوجد علاقة مؤكدة بين الإصابة بكوفيد-19 وداء السكري

على الرغم من هذه الأعداد الكبيرة، فإن العلماء لا يعرفون حتى الآن ما إذا كانت الإصابة بمرض كوفيد-19 تحفّز الإصابة بداء السكري من النوع الأول.

قالت باميلا ديفيس (Pamela Davis)، المؤلفة المراسلة للدراسة الجديدة وأستاذة الطب في جامعة كيس ويسترن في بيان صحفي: “يعتبر داء السكري من النوع الأول أحد أمراض المناعة الذاتية”، وأضافت: “يتطور هذا المرض في أغلب الحالات لأن دفاعات الجسم المناعية تهاجم الخلايا التي تركّب الإنسولين، ما يعطّل إنتاج هذا الهرمون ويتسبب بالإصابة بالمرض. أشارت بعض الدراسات إلى أن مرض كوفيد-19 يعزز الاستجابات المناعية الذاتية، وتدعم نتائج دراستنا الجديدة ذلك”.

ينصح فريق الدراسة العائلات الأكثر عرضة للإصابة بداء السكري من النوع الأول بالانتباه لظهور أعراض هذا المرض بعد الإصابة بعدوى كوفيد-19. يجب على أطباء الأطفال أيضاً توخي الحذر والتحضير لارتفاع جديد في عدد حالات الإصابة بداء السكري من النوع الأول. قالت ديفيس: “قد نشهد ارتفاعاً كبيراً في عدد الإصابات في الأشهر إلى السنوات المقبلة”، وأضافت: “يمثّل داء السكري من النوع الأول تحدّياً طويل الأمد بالنسبة للمصابين به. والازدياد في عدد الحالات هو الأكبر لدى الأطفال”.

بالإضافة إلى ذلك، فحصت دراسة قُدّمت في الاجتماع السنوي للجمعية الأوروبية لدراسة مرض السكري الذي أقيم في مدينة ستوكهولم في السويد السجلات الصحية الوطنية لـ1.2 مليون طفل نرويجي، والتي تعود للفترة بين 1 مارس/ آذار 2020 (عندما بدأ مرض كوفيد-19 في الانتشار في جميع أنحاء الدول الأوروبية) و1 مارس/ آذار 2022. وجدت الدراسة أنه تم تشخيص 0.13% من الأطفال والمراهقين بداء السكري من النوع الأول بعد شهر واحد أو أكثر من إصابتهم بمرض كوفيد-19. بينما بلغت هذه النسبة 0.08 لدى الأطفال غير المصابين. تمثّل النسبة الأولى ارتفاعاً بنسبة 62% في الخطر النسبي للإصابة بداء السكري من النوع الأول.

اقرأ أيضاً: الدائرة الأكثر تهديداً من قبل «كوفيد-19»: كيف يتأثر المرضى ناقصو المناعة بالجائحات والأوبئة العالمية؟

تم إجراء هذه الدراسة من قبل باحثين وزملاء من المعهد النرويجي للصحة العامة، ووجد هؤلاء أنه من أصل 424354 طفلاً مصاباً بكوفيد-19، ثبتت إصابة 990 طفلاً بداء السكري من النوع الأول خلال فترة الدراسة.

ضرورة مراقبة أعراض الإصابة بالسكري بين الأطفال بعد كوفيد-19

قال هانيه لوفدال غولسيت (Hanne Løvdal Gulseth)، المؤلف الرئيسي للدراسة وخبير داء السكري في معهد الصحة العامة النرويجي في بيان صحفي: “ارتفع احتمال الإصابة بداء السكري من النوع الأول من 0.08% إلى 0.13%، ولكنه لا يزال صغيراً”، وأضاف: “لن تصاب الأغلبية العظمى من صغار السن الذين أصيبوا بمرض كوفيد-19 بداء السكري من النوع الأول. ولكن يجب على السريريين والآباء أن ينتبهوا لظهور علامات هذا الداء وأعراضه. يعتبر كل من العطش المستمر والتبول المتكرر والإجهاد الشديد وفقدان الوزن بشكل غير متوقع من الأعراض الشهيرة”.

أشار الفريق إلى أن الباحثين يعتقدون أن داء السكري من النوع الأول هو استجابة مناعية مبالغ بها في الجسم؛ إذ يعتقد البعض أن حالات العدوى الفيروسية مثل كوفيد-19 قد تتسبب بتحفيز رد فعل مشابه. ولكن لم يتم اكتشاف علاقة مباشرة بين كوفيد-19 وداء السكري من النوع الأول بعد. يعتقد غولسيت أيضاً أن التأخر في الحصول على الرعاية الصحية بسبب جائحة كوفيد-19 قد يفسّر جزئياً الانخفاض في عدد الحالات المسجلة؛ إذ قال في البيان سابق الذكر: “أظهرت العديد من الدراسات أن فيروس كورونا يمكن أن يهاجم خلايا بيتا التي تركّب الإنسولين في البنكرياس، ما قد يؤدي إلى الإصابة بداء السكري من النوع الأول”، وأضاف: “من المحتمل أيضاً أن الالتهاب الناجم عن الفيروس يؤدي إلى تعزيز الاستجابة المناعية الذاتية”.

اقرأ أيضاً: نتائج مبهرة لتجربة عقار «سابيزابولين» لعلاج كوفيد-19 تدفع العلماء لاختصار التجارب السريرية

الجانب المشرق من الخبر

أخيراً، وجدت دراسة نُشرت صيف عام 2022 في مجلة دايابيتيس كير وتم تقديمها في اجتماع الجمعية الأوروبية لدراسة مرض السكري لعام 2022 أن خطر الإصابة بداء السكري من النوع الأول بعد الإصابة بكوفيد-19 يدوم فترة قصيرة من الزمن فقط. فحص مؤلفو هذه الدراسة البيانات الخاصة بسجلات داء السكري التي تعود إلى 1.8 مليون اسكتلندي دون سن 35 عاماً والتي تم تجميعها بين شهري مارس/ آذار 2020 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2021. خلال تلك الفترة، حصل 365080 بالغاً صغير السن على نتيجة إيجابية في اختبار كوفيد-19 لمرة واحدة على الأقل، وتم تشخيص 1074 شخصاً بداء السكري من النوع الأول. ارتبطت الإصابة بمرض كوفيد-19 بازدياد بمقدار يتجاوز الضعف في عدد حالات الإصابة بداء السكري من النوع الأول مقارنة بعدد حالات الإصابة بين الأشخاص غير المصابين بكوفيد-19. كما ارتبطت الإصابة بهذا المرض بارتفاع في عدد حالات الإصابة بداء السكري من النوع الأول بمقدار 3 أضعاف لدى الأطفال دون 16 عاماً. لكن هذه الارتباطات دامت لمدة شهر واحد فقط.

افترض الباحثون أن الازدياد في عدد الحالات المشخّصة من داء السكري من النوع الأول بعد الإصابة يتعلق بازدياد معدل إجراء اختبارات مرض كوفيد-19 في الوقت الذي تم فيه تشخيص هذا الداء، ولا يتعلق بمرض كوفيد-19 بحد ذاته. بالإضافة لذلك، قال الباحثون في بيان صحفي إنه نظراً لأن متوسط الفترة بين ظهور أعراض داء السكري من النوع الأول حتى الحصول على التشخيص يبلغ نحو 25 يوماً بالنسبة للمرضى الذين تقل أعمارهم عن 16 عاماً في إنجلترا، فعلى الأرجح أن العديد ممن ثبتت إصابتهم بمرض كوفيد-19 خلال 30 يوماً من تشخيص داء السكري كانوا مصابين بالفعل بداء السكري من النوع الأول.

قالت هيلين كولهون (Helen Colhoun)، أحد مؤلفي الدراسة الأخيرة وعالمة الأوبئة في وكالة الصحة العامة الاسكتلندية وجامعة إدنبره في بيان صحفي: “تثير نتائج دراستنا التساؤلات عما إذا كان هناك ارتباط مباشر بين كوفيد-19 وداء السكري من النوع الأول حديث الظهور لدى البالغين والأطفال”. مع ذلك، قالت كولهون إنه إذا تمكّن العلماء من تكرار هذه النتائج، “فسيكشف ذلك عن عدد كبير من المصابين بداء السكري والمشخصين حديثاً، وقد يغيّر أيضاً التوازن بين فوائد ومخاطر تلقي لقاحات كوفيد-19 بالنسبة للأطفال الصغار”.

على الرغم من أن الباحثين ليسوا متأكدين تماماً مما إذا كان كوفيد-19 يتسبب بالإصابة بداء السكري من النوع الأول، فإنهم يشيرون لضرورة زيادة الاهتمام بهذا الارتباط وإجراء المزيد من الأبحاث حول التأثيرات طويلة الأمد المحتملة لفيروس كورونا. وفقاً لمركز مايو كلينيك الصحي، تشمل أهم أعراض داء السكري من النوع الأول لدى الأطفال والتي يجب الانتباه لها: العطش والتبوّل المتكرران والجوع المفرط وفقدان الوزن الخارج عن السيطرة والتغيّرات السلوكية أو زيادة التهيّج.