متى يجب عليك القلق بشأن ارتجاج الدماغ؟

ارتجاج الدماغ
حقوق الصورة: بيكاباي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما يتعلق الأمر بارتجاج الدماغ، لا داعي لأن يقلق أغلب الأشخاص بشأن أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث. تؤدي إصابات الرأس الشديدة وحالات الإغماء المزمن الناجمة عن الضربات المتكررة أو الإصابات الرياضية حتماً إلى تلف خطير في الدماغ؛ لكن معظم الأشخاص يتجنّبون مثل هذه الارتجاجات المتكررة.

ولكن ماذا إذا تعرّضت لضربة واحدة على الرأس؟ متى تبدأ الارتجاجات التراكمية في التسبب بمشاكل طويلة الأمد؟ عدم وجود جواب متفق عليه هو ما يجعل الآباء، وحتى الأطفال، يقلقون بشأن ارتجاج الدماغ.

ارتجاج الدماغ: شائعٌ أكثر مما تعتقد!

كشف تقريرٌ نُشر عام 2017 في دورية «الجمعية الطبية الأميركية»، أن حوالي 20% من المراهقين في الولايات المتحدة أصيبوا بارتجاج الدماغ مرةً واحدةً على الأقل. قد يكون من المريح معرفة أن 6% منهم أصيبوا بارتجاج الدماغ أكثر من مرة فقط، على الرغم من أن هذا يعود فقط إلى حقيقة أنه من الأسهل التعامل مع إصابة لمرة واحدة على أنها مشكلة سابقة.

لا حاجة للقلق من الإصابة بارتجاج الدماغ لمرة واحدة، وربما لسبب وجيه؛ لكن الكثير من الناس لا يعلمون ما هي المخاطر المحتملة لإصابة واحدة في الرأس، أو حتى كيفية الحصول على الرعاية الصحية بعد تعرضهم للأذى.

الراحة قد تعود بعواقب سلبية على ارتجاج الدماغ

يقول «أنتوني كونتوس»؛ مدير الأبحاث في برنامج ارتجاج الدماغ في مركز الطب الرياضي التابع لجامعة بيتسبيرغ: «يفترض معظم الناس أن العلاج الوحيد لارتجاج الدماغ هو الراحة». الحقيقة هي أن الأبحاث التي أجراها كونتوس وغيره تُظهر أن الراحة قد تكون لها في الواقع عواقب سلبية على بعض الناس، وأن الكثير منهم سيستفيد أكثر من إعادة التأهيل النشط.

هذا لا يعني أنه يجب على جميع الأشخاص المصابين بالارتجاج أن يسعوا إلى ممارسة الرياضة؛ بل إن الفكرة المهمة هي أن حالة كل شخص تكون مختلفةً عن الآخر. يقول كونتوس أنه تبعاً للظروف المحددة للفرد، هناك تدخلات مستهدِفة متعلّقة بالتغذية والتعامل مع الإجهاد وصحة البصر والمجهود البدني – من بين أشياء أخرى كثيرة – يمكن أن تعزز عملية التعافي.

اقرأ أيضاً: ماذا كشفت هذه الدراسة الجديدة عن الارتجاج ومرض باركنسون؟

ما مدى خطورة الإصابة بالارتجاج الدماغي لمرة واحدة؟

بافتراض أننا نتحدث عن حالة ارتجاج دماغي نموذجية (مقابل تلك الحالات التي تتسبب بفقدان الوعي لفترة طويلة)، فإن الخبر السار هو أنه من غير المرجّح أن يكون لهذه الإصابة عواقب طويلة المدى. بتطبيق العلاج المناسب، سيتعافى معظم المرضى من الإصابة بارتجاج دماغي خلال فترة تنحصر بين أسبوعين و 4 أسابيع؛ لكن هذا لا يعني بالضرورة عدم وجود آثار طويلة المدى.

حوالي 10-20% من الأشخاص الذين يعانون من إصابات دماغية طفيفة فقط يصابون بمشاكل عصبية بعد عام، وتتراوح هذه من الصداع إلى قصور الذاكرة وحتى الاكتئاب. قد يشير ذلك إلى أن نسبة صغيرة على الأقل من الناس، يعانون من أضرار جسدية دائمة ناتجة عن ارتجاج الدماغ. وفي الحقيقة؛ عندما قارن أخصائيو الأشعة بين الأشخاص المصابين بالارتجاج والأشخاص غير المصابين به، وجدوا أن الإصابات في الرأس بدت وكأنها تسرّع ظهور ضمور الدماغ بعد عام من الحادث الأوليّ.

لم يكن الضرر كبيراً، ولم يلاحظ الباحثون تغيّرات دائمةً في بنية الدماغ نفسها؛ بل فقط فقدان الحجم. لسوء الحظ؛ لم يكن هناك الكثير من الأبحاث الأخرى حول كيفية تأثير حادثة واحدة على المدى الطويل، لذلك لا يزال من غير الواضح مدى دوام أو خطورة هذه التغيّرات.

من المهم أن تتذكر أن عدد الأشخاص الذين عانوا من هذه الآثار الدائمة قليل. يعود معظم المرضى إلى حالتهم الطبيعية التي كانوا عليها قبل الإصابة، خاصةً مع الخضوع للعلاج الطبي المناسب.

متى يصبح عدد إصابات الارتجاج خطيراً؟

لسبب ما؛ هذا العدد هو 3 إصابات، على الرغم من أن لا أحد يبدو متأكداً من سبب ذلك. لا تؤكّد الأبحاث هذا العدد، ولا يتمسك معظم الخبراء به.

أولاً؛ تختلف شدة كل ارتجاج عن الآخر، كما تختلف استجابة الفرد للضرر. يمكن أن يزداد سوء الأعراض عند الأشخاص الذين لديهم استعدادات معينة بعد التعرّض لإصابة في الرأس. يمكن أن تتطور حالة دوار السيارة إلى مشاكل في التوازن العام أو إلى الدوخة، كما يمكن أن يتطور القلق إلى اضطراب مزاجي خطير. تختلف مثل هذه التغييرات كثيراً من شخص لآخر؛ ما يمنعنا من تلخيصها في مجموعة واحدة شاملة من التحذيرات أو الإرشادات.

من ناحية أخرى، فإن المدة الفاصلة بين الإصابات تكون مهمّةً أكثر من العدد الكلي لها. يقول كونتوس: «يشير بحثنا إلى أن الرياضيين الذين يواصلون ممارسة الرياضة بعد الإصابة بارتجاج دماغي مرتبط بالرياضة يضاعفون مدة تعافيهم». بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يميلون أيضاً إلى إظهار أعراض أسوأ، والمعاناة من تلف أشد في أعقاب الإصابات. هناك أيضاً خطر الإصابة بـ «متلازمة الإصابة الثانية» التي يمكن  أن تكون قاتلة؛ والتي تحدث عندما يتعرّض الدماغ المتضرر سلفاً مرةً أخرى للإصابة، ويتضخم بشكل كبير كاستجابة لذلك. هذا التغيير المفاجئ غالباً ما يكون مميتاً، والناجون يقضون بقية حياتهم معاقين بشدة.

لهذا؛ يُعتبر من الضروري للغاية أن يظل أي شخص معرض لخطر الإصابة المتكررة – سواء كان ذلك في ملعب كرة قدم أو في منطقة حرب – بعيداً عن مصادر الخطر حتى يتعافى. ونظراً لأن اختفاء أو تراجع الأعراض وحده لا يعني أن الحالة الصحية قد تحسّنت، فيجب عليك أن تعتمد على طبيبك لتحديد الوقت الذي قد تكون فيه مستعداً للعودة إلى متابعة روتينك المعتاد. يكون الدماغ ضعيفاً للغاية بعد التعرض لصدمة، وأي آثار لاحقة ستضاعف المخاطر فقط. لذا؛ حتى إذا كنت تشعر بأنك على ما يرام، فمن الحكمة أن تحصل على رأي خبير حول تعافيك بعد التعرض لضربة في الرأس.

اقرأ أيضاً: اضطرابات غامضة: ما هي متلازمة هافانا؟

ماذا يجب علي أن أفعل إذا كنت قلقلاً من إصابة في الرأس؟

الخطوة الأولى بديهية: اذهب إلى الطبيب. والأفضل من ذلك؛ استشر أخصائي ارتجاج الدماغ؛ والذي سيعرف بالضبط ما الذي يجب عليه أن يلاحظه، وأفضل طريقة لتقديم المشورة لك. الكثير من الرياضيين لا يسعون للحصول على العلاج لأنهم يقلقون من أنهم سيصبحون غير قادرين على ممارسة الرياضة، أو لأنهم قد يخافون فقط مما قد يكتشفونه. الحقيقة هي أن الارتجاجات الدماغية – خاصةً الخفيفة والمعزولة – يمكن علاجها بفعالية كبيرة؛ ولكن فقط من خلال الحصول على الرعاية الطبية المناسبة. إن منع الرياضيين من فعل ما يحبونه ليس من مهام الأطباء؛ ولكن من مسؤوليتهم منح مرضاهم أفضل فرصة للشفاء التام. في بعض الأحيان؛ قد يعني ذلك النصح بعدم ممارسة أي نشاط رياضي.

الخطوة الثانية هي الصعبة: يجب عليك أن تتبع خطة طبيبك. يلاحظ كونتوس أن أكثر من نصف الرياضيين لا يتلقون رعاية المتابعة بعد تشخيص إصابتهم بارتجاج في الدماغ، على الرغم من أن خطة التعافي التي يوصفها الطبيب ستفيدهم. قد يكون الأمر مخيفاً؛ إلا أن الاستمرار في استشارة الخبراء الذين يمكنهم مساعدتك على الشفاء هو أمر يستحق العناء.