كيف تتسبب البدانة في حدوث داء السكري؟

كيف تتسبب البدانة في حدوث داء السكري؟
حقوق الصورة: شترستوك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

السكري مرض صامت له قدرة هائلة على إحداث آثار ضارة في الجسم على المدى الطويل إن لم تتم السيطرة عليه، لكن بعض الأشخاص لا يدركون مدى أهمية اتخاذ خطوات الوقاية من تفاقمه لأنهم يشعرون أنهم بحالة جيدة لحظة التشخيص، ولكن هذا خطأ كبير، فالسكري مرض قاتل إن لم يُعالج حتّى لو شعر المريض أنه بخير.

البدانة، هي أول ما يخطر في أذهاننا عند التحدث عن السكري. وتُعرف البدانة على أنها تراكم الدهون والشحوم في الخلايا الدهنية إضافةً إلى ازدياد عدد الخلايا الدهنية في الأنسجة، الأمر الذي يُبدّل من المعالم الظاهرة للجسم كما يؤثر على البيئة والتوازن الداخلي للجسم.

تشمل أسباب البدانة كلاً من نمط الحياة الخامل، وعدم الحصول على ما يكفي من الأطعمة الصحية والاعتماد بالمقابل على الأغذية فقيرة القيمة الغذائية وعالية السعرات الحرارية، كما تلعب الجينات وتاريخ العائلة وبعض الحالات الصحية والأدوية دوراً في حدوث البدانة.

قال الطبيب “جاي وادادار“، طبيب أخصائي غدد وأحد أفراد طاقم عيادة كليفلاند الأميركية،  في وصف ارتباط مرض السكري بالبدانة: “الخبر السار هو أنه يمكنك منعه والتحكم فيه وحتى عكسه، إذ يمكن لفقدان الوزن ومعالجة البدانة عكس معظم المخاطر والمضاعفات”. 

اقرأ أيضاً: مرض السكري: دليلك للتعرف عليه والوقاية منه

ما مدى دقة “مؤشر كتلة الجسم” في تشخيص البدانة؟

يعتبر مؤشر كتلة الجسم (BMI) المعيار الأكثر شيوعاً لقياس كتلة الجسم ويعتمد على الطول والوزن، ويُحسب بتقسيم الوزن “مُقاساً بالكيلوغرام” على مربع الطول “مقاساً بالأمتار”، تتراوح قيمته الطبيعية بين 18.5 و24.9، ولكن إن كانت قيمة مؤشر كتلة الجسم(BMI) 30 أو أكثر، فتلك إشارة إلى وجود زيادة في الوزن. ولكن لا نستطيع تطبيق هذا المؤشر على جميع الحالات، حيث لا يأخذ حساب مؤشر كتلة الجسم بعين الاعتبار تاريخ العائلة أو الجنس أو العمر أو العرق، وجميعها متغيرات لها علاقة جذرية ببنية وتركيب الجسم، كما يمكن ألّا يكون دقيقاً بالنسبة لبعض أنماط الأجسام مثل أجسام لاعبي كمال الأجسام ذوي الأوزان العالية الصحية وليست البدينة.

البدانة والسكري من النمط الثاني

تزيد البدانة من مخاطر الإصابة بأكثر من 30 حالة صحية مزمنة بما في ذلك ارتفاع الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب كالقصور القلبي وتوقف التنفس أثناء النوم، إضافةً إلى أنها تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية والربو وأنماط معينة من السرطان. ولكن يبقى مرض السكري من النمط الثاني أحد أشيع الاختلاطات المرضية للبدانة، حيث تتسبب البدانة بازدياد خطر حدوث السكري من النمط الثاني بنحو ستة أضعاف مقارنةً بأولئك الذين يتمتعون بوزن صحي. ولكن ما تفسير ذلك؟

اقرأ أيضاً: السكر التراكمي: الدليل القاطع للإصابة بداء السكري

كيف ترتبط البدانة والسكري من النمط الثاني؟

في الحالة الطبيعية، تتجلى مهمة البنكرياس بإدارة مستوى “الغلوكوز” في الدم وذلك بإنتاج الإنسولين. يعمل  الإنسولين على انتقال الغلوكوز من الدم إلى الخلايا العضلية لاستخدامه في الحصول على الطاقة، وبالمقابل يعمل الإنسولين على انتقال الفائض من الغلوكوز إلى الكبد حيث يتم تخزينه لوقت لاحق.

تزيد البدانة من مستويات الأحماض الدهنية كما تزيد من قابلية الإصابة بالالتهابات، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث “مقاومة الإنسولين”، والتي تُعتبر العامل الرئيسي لتشخيص السكري من النمط الثاني.

حدوث “مقاومة الإنسولين” عند بعض الأشخاص تعني أنه يتم إنتاج الإنسولين لديهم، ولكنه غالباً ما يكون غير كافٍ أو غير فعال إذ لا تستجيب خلايا الجسم له. ونتيجة لمقاومة الإنسولين هذه، يتراكم “الغلوكوز” في الجسم الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم.

وبعد ذلك، تقاوم الخلايا السماح للإنسولين بنقل الغلوكوز إليها، كما أن الكبد الذي يتم تخزين الغلوكوز الزائد فيه يصبح مملوءاً بالشحوم بعد ارتفاع مستويات السكر في الدم، وتسمى هذه الحالة بـ “تشحم الكبد”، الأمر الذي يزيد من سوء الحالة، كما يوضح الطبيب ودادار الأمر: “إنها أشبه بمحاولة نقل أثاث إلى غرفة ممتلئة بالفعل، حيث لا يوجد مكان لأي شيء آخر”.

اقرأ أيضاً: الإجراء الروتيني لمريض السكري: كل ما تريد معرفته عن فحص السكر

يبقى الغلوكوز في مجرى الدم نظراً لعدم وجود مكان لتخرين الفائض منه الأمر الذي يتسبب بارتفاع مستويات سكر الدم، يقول الطبيب ودادار: “نظراً لحدوث مقاومة الإنسولين الناجمة عن البدانة، ينتج البنكرياس المزيد من الإنسولين في محاولة لإدخال الغلوكوز إلى الخلايا، الأمر الذي يُرهق البنكرياس، ولذلك تنخفض كميات الإنسولين التي ينتجها مع مرور الوقت، الأمر الذي يزيد من تفاقم مرض السكري”.

الآثار الإيجابية لعلاج البدانة عند مرضى السكري

يحسن فقدان الوزن من حالة مرضى السكري بشكل كبير وذلك نظراً لأن الدهون الزائدة تشكل العبء الأكبر على الخلايا البنكرياسية والكبدية. في العلاج التقليدي لداء السكري، غالباً ما يبدأ الأطباء بوصف دواء واحد لتحسين الوظيفة البنكرياسية وزيادة إفراز الإنسولين، ولكن غالباً ما يحتاج معظم المرضى إلى دواءين أو أكثر مع مرور الوقت لضبط السكري بالشكل الأمثل.

بالمقابل، توصي العلاجات الحديثة لداء السكري بتخفيض الوزن كأحد أكثر العلاجات فعالية على المدى الطويل، فقد يغني تخفيض الوزن عن استخدام كل أدوية السكري أو قد يُخفض من عدد الأدوية التي يتناولها المريض إلى واحد فقط.

اقرأ أيضاً: بدائل السكر: هل هي آمنة لمرضى السكري؟

يكون فقدان ما يعادل 5% إلى 10% من وزن الجسم الإجمالي كافياً لتحسين حالة مريض السكري، وعلى الرغم من أنه قد يكون من الصعب تغيير النظام الغذائي وزيادة التمارين الرياضية لإنقاص الوزن، إلّا أن النتائج الإيجابية لهذا العمل الجاد تستحق كل هذا العناء، تجنباً للمضاعفات الخطيرة لمرض السكري غير المضبوط مثل أمراض القلب والفشل الكلوي وتلف الأعصاب.