هل تكفي إمكانية المشي وحدها لحل مشاكل عدم المساواة في النظام الصحي؟

إمكانية المشي وحدها لن تحل مشاكل عدم المساواة في النظام الصحي
حقوق الصورة: ديبوزيت فوتوز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من توفّر الهواء النقي إلى الأمن الغذائي، يمكن لموقع السكن تحديد من يعيش في الولايات المتحدة لفترة أطول. لكن هناك متغيرات أخرى خفية في المعادلة أيضاً. 

في دراسة جديدة نُشرت في دورية «مراجعات في علم الغدد الصماء» (journal Endocrine Reviews)، راجع علماء الأوبئة الأبحاث الحالية من جميع أنحاء العالم لفهم كيف ترتبط قدرة السكان على المشي في أحيائهم باحتمالية الإصابة بالسمنة ومرض السكري.

من خلال مراجعة العديد من الأوراق البحثية التي تربط النشاط البدني بالأمراض الاستقلابية، حاولت «جيليان بوث»، العالمة في مركز «ماب» للحلول الصحية الحضرية في مستشفى سينت مايكل في تورنتو، كندا، و«نيكولاس هويل»، المؤلف المشارك للورقة الجديدة استخلاص العوامل الفردية التي تؤثر على قدرة الأشخاص على التنقل عبر البيئات التي تحتوي على الأبنية. لكن كما أوضح بوث وهويل، فإن إمكانية المشي لا تقتصر فقط على عناصر البنية التحتية، بل تتعلق أيضاً بأشكال عدم المساواة العرقية والإمدادات الغذائية والتلوث. 

اقرأ أيضاً: متى وكيف اختُرع المشي؟

كيف تؤثر البنية التحتية على قابلية المشي؟

في حين أن البيئات المبنية يمكن أن تشير إلى أي بنى من صنع الإنسان يتفاعل معها البشر خارج منازلهم، مثل الأرصفة أو أعمدة الإنارة، ركّز المؤلفون في هذه الدراسة على جوانب البيئة المحيطة التي تجعلها أكثر أو أقل قابلية للمشي. جَمع «مؤشر قابلية المشي» الذي ابتكره المؤلفون الكثافة السكانية، وعدد المتاجر والخدمات الموزعة على مسافة قصيرة سيراً على الأقدام، وتخطيط الشوارع والاتصال في مختلف الأحياء العالمية.  

قام الباحثون بتحليل سمات مثل مقدار المساحات الخضراء أو مستوى الاستطباق (وهو إحلال الطبقة المتوسطة من المجتمع بطبقة أرقى منها نتيجة لزيادة القيمة الإيجارية للوحدات السكنية، والذي يمكن قياسه من خلال نماذج مثل «مؤشر ستاربكس») التي قد تساهم في جعل منطقة أكثر قابلية للمشي، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات السمنة ومرض السكري. تقول بوث إن ما وجدوه هو أن الأحياء التي قد تكون صحية وفقاً لمقياس واحد قد لا تكون كذلك وفقاً لمقياس آخر.  

على سبيل المثال، علمت بوث وهويل أنه في الأماكن التي ترتفع فيها نسبة تلوث الهواء أو الازدحام المروري، لم يكن مفيداً كثيراً أن يكون السكان قادرون على التجول كما هو الحال في الأحياء الأكثر نظافة وهدوءاً. في المناطق الأكثر تلوثاً، كان السكان أكثر عرضة للإصابة بأمراض مثل أمراض القلب أو الخرف. من حيث الجوهر، فإن أي مكاسب تم تحقيقها من خلال التمكن من المشي في الحي تم إلغاؤها بسبب ارتفاع تراكيز الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود في الهواء.   

بالمقارنة، في الأحياء ذات مستويات تلوث الهواء المنخفضة، انخفض احتمال الإصابة بمرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم بنحو 35%. يوضح هذا أن إمكانية المشي وحدها لن تحمي الناس من المشكلات الصحية. 

بالمثل، وعلى الرغم من أن وجود مطاعم الوجبات السريعة في الشوارع الرئيسية يجعل الاقتيات أكثر سهولة، إلا أن قرب هذه المنشآت يزيد التعرض للوجبات منخفضة التغذية التي تتعارض مع الفوائد الصحية للمشي إلى أقرب مطعم مجاور. 

يمكن أيضاً إرجاع عوامل مثل الفصل العنصري الغذائي مع نقص خيارات الأكل الصحي أو القدرة على استخدام المساحات الخضراء إلى عدم المساواة الاجتماعية والعرقية الممنهجة. تعيش العديد من المجتمعات منخفضة الدخل في أماكن تم تصميمها عن قصد بطريقة لا تجعلها قابلة للمشي، وتجعلها فقيرة بالموارد الوفيرة مثل الحدائق ومحلات البقالة.  

الدراسات التي راجعتها بوث وهويل غالباً لم تأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية والاقتصادية، وهي نقطة ضعف تحتاج إلى دعم ببحوث أفضل. 

تقلو بوث: «كيف يمكننا أن نصلح الأحياء التي تعاني من ظروف تمنع الناس من استخدام الحدائق أو المساحات الخضراء، أو تلك التي لا يتم الاستثمار فيها؟»، وتضيف: «كيف نجعل الحكومات والمدن تتدخل في الأحياء التي يجب التدخل فيها للوقاية من الأمراض؟ هناك فجوة كبيرة في الأبحاث وفي فهمنا لهذه الأمور».   

«نحن نبحث في كيفية تقليل المخاطر التي تتعرض لها الجماعات السكانية، بدلاً من البحث فيما يمكن أن يفعله الشخص لتقليل مخاطره بشكل إفرادي». جيليان بوث، عالمة الأوبئة في مستشفى سينت مايكل.

ركز المؤلفون على إمكانية المشي لأنها غالباً ما يُنظر إليها على أنها أحد العوامل المحددة للسمنة ومرض السكري. كما تقول بوث، وهي اختصاصية طب الغدد الصماء أيضاً، فإن الأطباء يعتبرون زيادة الوزن أحد أكبر عوامل الخطر لمرض السكري، مع إن هذه الحالة تتعلق أيضاً بعوامل الخطر الفردية والمورثات. تركّز بوث على أن الكثير من الناس يمكن أن يكتسبوا الوزن وأن يظلوا بصحة جيدة من منظور استقلابي. يتعلق الأمر أكثر بالتاريخ العائلي أو المخاطر الوراثية.    

كيف يمكن أن تساعد البنى التحتية الملائمة على النشاط البدني المفيد؟

تقول بوث: «يمكن أن يصبح أي شخص معرَضاً لخطر هذه الأمراض»، وتضيف: «لذلك، نحن نبحث في كيفية تقليل المخاطر التي تتعرض لها الجماعات السكانية ككل، بدلاً من البحث فيما يمكن أن يفعله الشخص لتقليل مخاطره بشكل فردي». 

من خلال تحديد عوامل البيئات عالية الخطورة، تعتقد بوث أنه يمكن علاج الأشخاص في مرحلة ما قبل السكري قبل تشخيصهم. وتقول إن هناك العديد من الدراسات التي تظهر أن النشاط البدني يساعد إما في الحفاظ على الوزن أو تقليل زيادة الوزن بمرور الوقت. إن خلق الظروف التي تحفز الناس على المشي بانتظام هو مجرد طريقة واحدة للوقاية من المرض.  

لكن مع وجود 276 مليون مركبة مسجلة في الولايات المتحدة في عام 2020، تعد المركبات ذات المحركات جزءاً مهمّاً من سبل النقل للأشخاص في جميع أنحاء البلاد. بالنسبة لـ «هيسن جانغ»، الأستاذة المساعدة في الهندسة المعمارية في جامعة تكساس في أرليغنتون، فإن مدينة دالاس ليست استثناءً. تعد منطقة دالاس-فورت وورث واحدة من أكثر المناطق التي تعتمد على السيارات في البلاد، وهو ما دفع جانغ إلى العمل على زيادة البنية التحتية الخضراء في المنطقة.  

يتكون مشروع جانغ من جزأين: يتضمن الجزء الأول البحث في الظروف في المتنزهات في المنطقة لفهم السبب الذي يجعل السكان يفضّلونها. باستخدام مجموعة بيانات مفتوحة لحركة متعلقة بالمشاة من وزارة النقل في تكساس وجامعة «تكساس إيه آند إم»، ستنظر الدراسة في وسائل الراحة المختلفة المحيطة بالمناطق الطبيعية، مثل محلات البقالة والمعارض والمدارس. كما ستأخذ بعين الاعتبار الظروف المادية للأرصفة وعدد الأشجار وممرات المشاة، بالإضافة إلى تنوع المباني.    

بعد ذلك، ستضع جانغ والمتعاونون معها عدداً من خطط التصميم الصديقة للبيئة والمراعية للصحة لتنفذها الحكومات المحلية. تقول جانغ إن إنشاء بنية تحتية خضراء يعني إنشاء بنية تحتية يمكن أن تزيد من استدامة المدينة. في دالاس، قد يعني ذلك استبدال كيلومترات من مواقف السيارات الإسفلتية والطرق السريعة، والتي تجعل المدينة عرضة للأمطار الغزيرة والفيضانات.    

تأمل جانغ في تحويل مراكز التسوق القائمة أو قطع الأراضي الفارغة إلى مناطق ستوفر أيضاً بعض المكاسب البيئية مثل الأسطح الخضراء أو المواطن البيئية. وتعتقد أن هذا يمكن أن يساعد في مكافحة تغير المناخ عن طريق تطبيق أنظمة إدارة مياه الأمطار أكثر فعالية، والتي تقلل العبء على المجتمعات ذات الدخل المنخفض. على المدى الطويل، تريد جانغ تغيير التصور العام لما يمكن أن يبدو عليه العيش في مدينة أكثر خضرة ببطء.   

 

تقول جانغ: «بعد جائحة كوفيد-19، بدأ الناس في استخدام الحدائق أكثر»، وتضيف: «هناك تغيير في نمط الحياة يتمثّل بأن الناس بدؤوا في الاهتمام أكثر بصحتهم وبيئتهم». تقول جانغ أيضاً: «أعتقد أن هذه كانت البداية. نريد فقط تعزيز ذلك، وأن نرى كيف ستسير الأمور في المستقبل».   

تتبنى رؤية جانغ لمدينة دالاس الأكثر خضرة فكرة بوث القائلة بأن القدرة على المشي في الأحياء المجاورة لا تقتصر على الفوائد الصحية. من خلال اتخاذ خطوات لتغيير طريقة قدرة الأفراد على التفاعل مع محيطهم، يمكن للبنية التحتية للمدن أن تسفر عن مجموعة من الفوائد الأفضل للمجتمع ككل.